فيما تتجه الأنظار نحو الآلية التي سيعتمدها العراقيون للوصول الى توافق على كل المستويات في الدستور وفي تشكيل الحكومة وإيجاد مناخ ملائم لمشاركة الأطراف العراقية المعترضة في العملية السياسية تسعى الأطراف العراقية الفائزة الى توزيع الادوار والمسؤوليات تبعا للمكانة التي يستحقها كل طرف بعيدا من هيمنة تصبح في ما بعد طريقة لتهميش أطراف عراقية أخرى لم تقصر يوماً في مسؤولياتها تجاه مستقبل العراق والخلاص من النظام الذي ما زالت تداعيات إسقاطه وتركته الثقيلة تؤثر في العملية السياسية. وهذا يحتاج الى تحلي الاطراف العراقية بالوعي واليقظة وأن تتعامل بمسؤولية وجدية مع مستقبل العراق الذي يرسم الآن. اذ ليس من المقبول ابدال نظام ديكتاتوري بنظام ملالي قاسي تشي به أمزجة بعض الاطراف على الساحة السياسية العراقية. انتهت الانتخابات التي راهنت اطراف خارجية وداخلية كثيرة على فشلها استناداً الى تهديدات بإحراق العراق وشعبه، فكانت ارادة العراقيين اقوى من أي تهديد، وسجل الكرد والشيعة نصراً سمّاه جلال طالباني"تاج الانتصارات" يشكل، على رغم ان الانتخابات خلقت شيئاً من عدم التوازن، سابقة مهمة في حياة العراق السياسية ويمهد للتأسيس لثقافة ولسلوكيات لم يعتدها العراقيون. كشفت نتائج الانتخابات كذب مقولة"ان غالبية القيادات العراقية الحالية اتت على الدبابة الاميركية وتفتقر الى الشعبية"وأظهرت حجم كل طرف ووزنه بمن فيهم الكرد الذين خاضوا الانتخابات بجدارة وبحس وطني وبمسؤولية تاريخية نابعة من قناعة راسخة في بناء العراق الجديد من دون تهميش. لكن كيف يمكن الحفاظ على هذه المكتسبات؟ من دون شك"ان المقدمات الصحيحة تعطي النتائج الصحيحة". وهذه القاعدة الفلسفية يمكن اسقاطها على المشهد السياسي العراقي الذي يشوبه الكثير من الحساسيات والتجاذبات والاستقطابات الداخلية والاقليمية الى درجة تثير شكوك بعضهم في مدى قدرة العراقيين بمكوناتهم المختلفة على متابعة ما أنجزوه من استحقاقات العملية السياسية والانتخابية، خصوصاً في ما يتعلق بتوزيع المهمات والمسؤوليات التي يتحتم على الجميع التعاطي معها بمسؤولية آخذين في الاعتبار مبدأ التوافق لكي لا يحرم أي طرف من العملية السياسية والدستورية التي تتطلب جهداً من الجميع، على ان تؤخذ في الحسبان تطلعات الأطياف العراقية وحقوقها واحترام وزن كل طرف سياسي. وفي هذا الاطار أتاحت نتائج الانتخابات للأكراد التمسك بتولي أحد المنصبين السياديين، رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة، لأنه لم يعد مقبولاً ان يبقى الأكراد مواطنين من الدرجة الثانية، ولا يعقل أن يحصلوا بعد كل ما قدموه على"درجة النائب"التي حصلوا عليها في ظل النظام السابق، خصوصاً انهم يشكلون القومية الثانية إضافة إلى الفوز الكاسح الذي حصل عليه الكرد الامر الذي سهّل عليهم المشاركة في لعبة الأدوار والسلطة ولأنهم لا يريدون أن تكون مواطنتهم منقوصة في العراق الجديد، فضلاً عن انهم شركاء في العملية السياسية وفي الدولة مع الجانب العربي بموجب القانون الموقت الحالي. ويرى الاكراد ان انتقالهم، للمرة الأولى، من الهامش المواطن من الدرجة الثانية والثالثة إلى المتن المواطن من الدرجة الأولى، يمتن وحدة العراق ويعززها وينقذه من التشرذم والانشطار ويدعم صيغة العراق الفيديرالي ويكرس دولة الشراكة الحقيقية المبنية على اساس من المساواة وبعيداً من مبدأ الهيمنة والاستعلاء القومي وعدم احترام رغبة الشريك ونبذ الشوفينية التي ما زالت تلقي بظلالها على النسيج الاجتماعي ولدى النخبة في العراق. قد يكون الاصرار الكردي على تولي منصب الرئاسة أمراً غير مستحب لدى بعض العراقيين كونهم لم يحصلوا عليها حتى في اتفاقية الحكم الذاتي التي وجدت الحل للقضية الكردية في بداية سبعينات القرن المنصرم، التي أعطت الاكراد منصباً رمزياً نائب الرئيس، والتي لم تنفذ بنودها لتصبح في ما بعد مفتاحاً لحروب دامت سنين. ويتناسى هؤلاء انه لم يكن في مقدور الاكراد آنذاك الحصول على أكصر من ذلك لأن الظروف المحلية والدولية كانت مختلفة، اذ كان حزب البعث في أوج قوته ويحظى بدعم الاتحاد السوفيتي والدول الاوربية والولايات المتحدة، على خلاف ما هو عليه الوضع اليوم، حيث وصلت السياسات الدولية الى مرحلة لا يمكن معها النظر الى المصالح فقط بل يتحتم عليه الاعتراف بواقع الشعوب وبحقوقها. كاتب كردي.