بعضهم سمى يوم امس في فرنسا"الثلثاء الأسود"والبعض الآخر سماه"الثلثاء الأحمر"، لكن اللون الرمادي هو الذي لف باريس نتيجة الغيوم الملبدة في سمائها، مثلها مثل الكثير من المدن ال150 التي عمت شوارعها التظاهرات، في اول مواجهة تخوضها النقابات العمالية الفرنسية مع رئيس الحكومة دومينيك دوفيلبان، منذ توليه لمنصبه الربيع الماضي، بهدف انتزاع زيادات في الاجور ورفع القدرة الشرائية. ومن باريس الى ليون الى مرسيليا الى تولوز وغيرها، جاب عشرات الآلاف من المتظاهرين الشوارع، للتعبي رعن نقمتهم ازاء الضائقة المتصاعدة التي يعيشونها، آملين في ان تؤدي هتافاتهم الى تجاوب رسمي يساعد على حلحلة اوضاعهم. وبما ان التظاهرات ترافقت مع اضرابات في قطاعات مختلفة، اصيبت حركة النقل في المطارات ومحطات القطارات باضطرابات شديدة باتت مألوفة لدى الفرنسيين الذين تعودوا ان ينظموا امورهم على اساسها. وفيما قدرت نسبة الشلل في حركة القطارات بما يتراوح بين 60 و40 في المئة من التوقف، تبعاً للمناطق، اعلنت الادارة العامة للطيران المدني عن الغاء 223 رحلة من والى مطار رواسي و189 رحلة من والى مطار اورلي. ولم تنج وسائل الاعلام المرئية والمسموعة الرسمية من الاضطراب، فغاب عنها عدد من البرامج المعهودة واستبدلت بفواصل موسيقية او ببرامج اخرى، فيما غابت الصحف الفرنسية عن الاكشاك، ولم تتأثر حركة البريد الا بنسبة 5 في المئة، فيما قدرت نسبة المضربين في مؤسسات التعليم العام بنحو 60 في المئة. وبوسع النقابات الفرنسية بالتالي، القول ان الدعوة الى التظاهر والاضراب التي اطلقتها بصوت موحد، لقيت التجاوب المرتقب، وان تقويمها للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية يعكس بصدق ومن دون مبالغة، معاناة المواطنين. وكان رئيس اتحاد نقابات"القوة العمالية"، جان كلود ميلي صرح عشية الاضراب بأن"التململ بات حالاً قائمة"وان هناك مشكلات اجتماعية ومعيشية كبيرة مطروحة، ولم يعد من الممكن اغفالها. الموقف نفسه عبر عنه الاتحاد العام للنقابات العمالية الذي اشار الى ان استياء العاملين في القطاعات المختلفة العامة والخاصة لم يعد يحتمل ومن الواجب معالجته. ومرد هذا الاستياء اسباب عدة متراكمة، بدءاً بالانتقال الى اليورو وما واكبه من ارتفاع فاحش في اسعار الكثير من السلع والخدمات، الى جانب ارتفاع كلفة السكن، وأضيف الى ذلك اخيراً"الانفجار"في اسعار المحروقات الذي فاقم الصعوبات المعيشية لغالبية الفرنسيين. وفي مؤشر الى خطورة الوضع، اظهر استطلاع للرأي اجراه معهد"بي في أ"ان نسبة 74 في المئة من الفرنسيين تعتبر ان التظاهر والاضراب، امران مبرران في ظل الواقع القائم في فرنسا اليوم. ولكن في ظل النمو الضئيل الذي تشهده فرنسا والعجز الكبير في موازنتها، فإن هامش التحرك المتاح لدوفيلبان وحكومته محدود جداً ان لم يكن معدوماً، وهذا ما تدرك النقابات التي اكتفت في الوقت الحالي بالمطالبة بمفاوضات مع الحكومة املاً بالتوصل الى سبل تخفف من وطأة الازمة على العاملين.