أكمل بخلفية"المؤامرة الاجرامية"التي تحدث عنها المدعي الخاص باتريك فيتزجيرالد، فالوثائق عن شراء العراق اسلحة من النيجر كانت مزورة عمداً، ولا يعقل ان ينظر اليها الدكتور محمد البرادعي، رئيس وكالة الطاقة الذرية الدولية، نظرة واحدة ويقول انها مزورة، وان تجهل ذلك ادارة بوش بكل ما لديها من اجهزة استخبارات. المزورون القتلة، كما شرحت امس، وجدوا طريقاً للالتفاف على وكالة الاستخبارات المركزية، الا ان التآمر لا يقف عند حدود سي آي ايه، ففي كانون الاول ديسمبر 2001 اعلن تقدير الاستخبارات الوطني ان آي إي ان العراق لا يملك برنامجاً نووياً. وكان المفتشون الدوليون تركوا العراق سنة 1998، وبقي التقدير على حاله ثلاث سنوات. وهذا التقدير هو اهم عمل من نوعه وفي مجاله، فهو من اعداد سي آي إيه بعد التشاور مع جميع اجهزة الاستخبارات. واذا كان هناك اعتراض، او رأي مخالف، يسجل ضمن التقدير. ولم يتضمن تقدير كانون الاول 2001 أي مخالفة او معارضة. مع ذلك فالرئيس بوش في رسالته عن حالة الاتحاد في الشهر التالي اصر على ان العراق يمثل"خطراً كبيراً ومتفاقماً"، في حين زعم نائبه تشيني مرة بعد مرة ان العراق على علاقة بالقاعدة ويملك اسلحة كيماوية وبيولوجية وانه يقترب من انتاج قنبلة نووية. لا بد من ان اركان العصابة كانوا يعرفون انهم يكذبون، ولو كنت رئيس محكمة تنظر في جرائمهم لحكمت بوجود مؤامرة للقتل والتدمير، ففي وجه معارضة وزارة الخارجية والاستخبارات التقليدية اسس وولفوفيتز وفايث مكتب الخطط الخاصة لجمع معلومات ملفقة عن اسلحة العراق من طريق دجالين محترفين من نوع احمد الجلبي، ثم هما اسسا وحدة سرية باسم"فريق تقويم معلومات مكافحة الارهاب"لتجاوز تقدير الامن القومي وإعادة"تقويم"معلومات الاستخبارات المجموعة عن العراق. ديك تشيني ظهر على التلفزيون ثلاث مرات في يوم واحد هو 24/3/2002 ليؤكد ان العراق يسعى بنشاط لامتلاك قدرة نووية، وهو مع بقية اركان الادارة نظموا حملة علاقات عامة هائلة لاقناع الاميركيين بكذبهم منذ ما قبل 11/9/2001 وحتى آذار مارس 2003 وبعده. وفي 8/9/2002، وكان يوم احد، تناوب اركان الادارة تشيني ودونالد رامسفيلد وكولن باول وكوندوليزا رايس وريتشارد مايرز، رئيس الاركان، على الحديث الى وسائل الاعلام كافة، خصوصاً التلفزيون عن ان العراق اشترى انابيب الومنيوم لتشبيع اليورانيوم، على رغم وجود معلومات عن أن وزارة الطاقة الاميركية نفسها درست الموضوع منذ 2001 وقررت ان الانابيب لا تصلح لتشبيع اليورانيوم. كان لويس ليبي في قلب هذه المؤامرة، وهو ورئيسه تشيني زارا مقر وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية في لانغلي وحثا خبراء الوكالة على تقديم المعلومات المطلوبة لدعم الحرب، وعندما رفض الخبراء او عجزوا عن تقديم المعلومات المطلوبة، انشأت العصابة"معمل الكذب"بحسب وصف مجلة"ماذر جونز". لا أتصور ان الصحافية جوديث ميلر ساعدت العصابة جهلاً فهي اذكى من ذلك. وقد اخفت ميلر طويلاً وراء قشرة رقيقة من الليبرالية ميولها المتطرفة كما يظهر من صداقاتها مع المتطرفين ثم ترويجها كذب احمد الجلبي في صفحات اهم جريدة في العالم، وهي"نيويورك تايمز". وقد دخلت ميلر السجن وبقيت فيه 85 يوماً لرفضها كشف اسم مصدر معلوماتها عن تسريب اسم عميلة الاستخبارات فاليري بلام، واعتبرت"شهيدة الصحافة"لولا انه تبين بعد ذلك ان ليبي اعطاها رسالة تعفيها من كتم اسمه. وهي لم تخرج من السجن حتى كان محاميها اتفق مع المدعي الخاص على حصر استجوابها بالتهم الى ليبي، ما يعني انها قبلت السجن لتحمي مصادر اخرى للمعلومات ومن وراء تسريبها لدعم موقف فريق الحرب. وجدت ديك تشيني وقحاً بامتياز، فهو بعد ان استقال مدير مكتبه تحت وطأة الفضيحة لم يتراجع وانما عين خلفاً له مستشاره ديفيد ادنغتون، وهذا صاحب الدراسة المشهورة التي اباحت تعذيب السجناء، وهي دراسة تخالف الدستور الاميركي وقوانين اقرها الكونغرس ومعاهدات ابرمتها الادارات الاميركية المتعاقبة. ثم عين جون هانا مستشاراً له للأمن القومي، وهذا ايضاً مشبوه حتى لا نقول أكثر. كانت وكالة يونايتدبرس نقلت عن مصادر تحقيق فيتزجيرالد ان هانا لاعب رئيسي في الفضيحة، وقد هدده محققون بأنه يواجه خطر السجن، وقد يستدعى مع تشيني للشهادة في قضية ليبي. وكنت سمعت بهانا عندما عمل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى الذي بدأ وسطياً ثم اقام علاقات ليكودية وتعاون مع اللوبي اليهودي الرسمي. وكان وولفوفيتز اتى بليبي الى واشنطن اثناء عمله في وزارة الخارجية سنة 1981، ثم اعاده الى خدمة الحكومة معه في البنتاغون سنة 1989. وانضم وولفوفيتز مع ليبي الى مشروع القرن الاميركي الجديد الذي وضع اسس استراتيجية متطرفة للسيطرة الاميركية على العالم اصبحت اساس"مبدأ واشنطن"عن الحرب الاجهاضية بعد 11/9/2001. هذه العصابة الليكودية خطفت السياسة الخارجية الاميركية وكذبت وزورت ونظمت حملة دعاية هائلة انتهت بحرب قتل فيها حتى الآن اكثر من مئة ألف عراقي وأكثر من ألفي اميركي. هؤلاء يجب ان يحاكموا بتهمة القتل لا الكذب، ولعل ليبي في معرض الدفاع عن نفسه يفضح دور كارل روف، مساعد جورج بوش الاول الذي لا يزال بين المشتبه بهم، ثم"تكر المسبحة"ويتبادل المجرمون التهم، وكل يحاول ان ينقذ نفسه. اليوم روف هو"المسؤول ألف"في تحقيق فيتزجيرالد، والذين يعرفون هذا المدعي يقولون انه في كل تحقيق سابق له انتهى"المسؤول ألف"امام القضاء. هل تدفع عصابة الجريمة ثمن جرائمها؟ هناك اسباب للتفاؤل مع وجود محاكمة موازية يواجه فيها لاري فرانكلن المحلل السابق في البنتاغون تهمة تسريب وثائق سرية الى عملاء اسرائيليين، فهو تعهد مقابل تخفيف الحكم عليه ان يشهد ضد ستيفن روزين الذي بقي طوال 20 سنة يدير السياسة الخارجية لايباك وكيت وايزمان، كبير خبراء ايباك في ايران، والنتيجة ان هذين يواجهان ايضاً قراري اتهام بتسلم اوراق ووثائق سرية من فرانكلن. وطبعاً هناك ديبلوماسيون في السفارة الاسرائيلية اشير اليهم برموز في قرارات الاتهام، ولا بد من ان تظهر اسماؤهم خلال المحاكمة. ثم ان فرانكلن زار روما ما يربطه بوثائق النيجر المزورة. شخصياً لا اريد سوى العدالة للقتلى من عراقيين وأميركيين.