المحافظون الجدد كلهم جواسيس لاسرائيل، والفارق بين واحد وآخر هو هل يُكتشف الجاسوس أو لا يُكتشف. "نيوكونز" هو مصطلح مختصر بالانكليزية لهؤلاء المحافظين الجدد... "نيو" تعني يهودي أميركي ليكودي شاروني و"كون" بالمفرد محافظ. غير ان هذا الوصف خاطئ. فالغالبية الساحقة من اليهود الأميركيين ليبرالية معتدلة، والقلة من الليكوديين المتطرفين ليست محافظة أصلاً، فالأعضاء يتنقلون بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي لخدمة اسرائيل، وولاؤهم لها وحدها وعلى حساب مصالح أميركا نفسها، لذلك فالحديث عن ولاء "مزدوج" خطأ من نوع اعتبار عملاء اسرائيل في ادارة جورج بوش ووكلائها والاعتذاريين لها محافظين المحافظون الحقيقيون يكتبون في مجلة "ذي أميركان كونسرفاتيف" التي يترأس تحريرها بات يوكانان وتاكي تيودوراكوبولس وسكوت ماكونيل. هناك تحقيق الآن مع مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية هو لورنس فرانكلن بتهمة تسريب أوراق حساسة عن السياسة الأميركية ازاء ايران الى اثنين من أعضاء لجنة العمل السياسي في العلاقات الأميركية - الاسرائىلية ايباك وهي اللوبي اليهودي الرسمي المؤيد لاسرائيل. التحقيق ترافقه ضجة غير مفهومة، فأطراف الاتهام اسرائىليون يحملون الجنسية الأميركية، لا أكثر ولا أقل. فرانكلن يعمل في مكتب وليام لوتي الذي يعمل لدوغلاس فايث الذي يعمل لبول وولفوفيتز. الوزير دونالد رامسفيلد يميني قديم الا انه ليس من أعضاء العصابة. أما ايباك فهي تؤيد اي حكومة اسرائىلية في الحكم، يستوي عندها اسحق رابين وآرييل شارون، وهي تحولت تدريجاً نحو اليمين الاسرائىلي منذ الثمانينات وأصبحت تمثل فكر ليكود أكثر من أي حزب آخر. ريتشارد بيرل وبول وولفوفيتز بدآ مع السناتور الديموقراطي هنري سكوب جاكسون، ويقول سايمور هيرش، أحد أبرز الصحافيين المحققين والكتّاب في الولاياتالمتحدة ان مكتب التحقيق الاتحادي سجّل سنة 1970 مخابرة لبيرل وهو يبحث في معلومات سرّية مع مسؤول في السفارة الاسرائىلية في واشنطن. وفي سنة 1978 طلب ستانسفيلد تيرنر، رئيس وكالة الاستخبارات المركزية، من السناتور جاكسون طرد بيرل لأنه حصل على معلومات سرّية لا حق له برؤيتها. ويقول ستيفن غرين، وهو من مستوى هيرش مهنية وصدقية، ان وولفوفيتز الذي كان يعمل في سنة 1978 لوكالة السيطرة على السلاح والحدّ من التسلّح تعرض لتحقيق معه بتهمة "تقديم وثيقة سرّية عن بيع أسلحة أميركية لبلد عربي الى الحكومة الاسرائىلية عبر وسيط من ايباك". وقد عاد وولفوفيتز الى مثل هذا سنة 1990 وهو وكيل وزارة الدفاع للسياسة مع الوزير في حينه ديك تشيني، فقد جرى تحقيق أظهر ان وولفوفيتز روّج داخل الوزارة لبيع اسرائيل صواريخ من طراز إي. آي. ام-9-إم. من وولفوفيتز الى فرانكلين بعد 26 سنة، والمتطرّفون ينشطون في الادارة وحولها. وكان الصديق مايكل سابا ضبط سنة 1978 مسؤولاً في مجلس الشيوخ هو ستيفن براين أثناء حديث مع وفد اسرائىلي زائر تضمن وعداً بتقديم وثائق سرّية. وأوقف براين عن العمل، الا ان ريتشارد بيرل، وكيل وزارة الدفاع في حينه، ضمّه اليه حيث الوثائق السرّية أكثر. وغرين يروي كيف ان مايكل ليدين عمل مستشاراً لمكافحة الارهاب في وزارة الدفاع سنة 1983، وكان رئيسه مساعد الوزير نويل كوتش الذي حكى لغرين كيف حصل ليدين على وثائق سرّية لم يكن من حقّه الحصول عليها، فأمر كوتش بتخفيض مرتبته في السرّية، ومنعه من الحصول على مثل هذه الوثائق في المستقبل. كلّهم عصابة متطرّفة في خدمة اسرائيل. ريتشارد بيرل استخدم نفوذه ليعمل وولفوفيتز في وكالة السيطرة على السلاح والحد من التسلّح، كما ساعد دوغلاس فايث على دخول وزارة الدفاع سنة 1982، وضمّ اليه ستيفن براين. وفي سنة 2001 أعاد وولفوفيتز فايث الى الوزارة في المنصب التالي فيها بعده مباشرة، وساعد فايث بدوره بيرل على رئاسة المجلس الاستشاري لسياسة الدفاع. وهو استقال من الرئاسة، ثم من العضوية تحت وطأة فضائح نفوذ وعمولات. فايث أشرف في الوزارة على مكتب الخطط الخاصة الذي لفّق معلومات عن أسلحة العراق عندما لم تجدها أجهزة الاستخبارات التقليدية لدفع البلاد نحو حرب قتل فيها شبان أميركيون فداء لاسرائيل. وفايث منذ برز على الساحة يعمل لاسرائيل وحدها ويتعامل معها، وقصة واحدة تكفي، فالصحافي المحقق المعروف جيم لوب ينقل عن اللفتنانت كولونيل المتقاعدة كارين كوياتكوفسكي التي عملت في مكتب الشرق الأدنى وجنوب آسيا في الوزارة قولها ان مجموعة من الاسرائىليين، بينهم بعض الجنرالات، زاروا مكتب فايث في الوزارة، ومشوا بين الأروقة، من دون مساعدة ما يدل على معرفتهم الجيدة بالمكان. وفي حين ان من الاجراءات الأمنية بعد ارهاب 11/9/2001 تسجيل أسماء الزوار، فإن سكرتيرة فايث طلبت من كوياتكوفسكي عدم تسجيل أسماء الاسرائىليين، حتى لا يكون هناك محضر عن الاجتماع. مرّة أخرى، كلهم جاسوس لاسرائيل، وكلهم ضحّى بشباب أميركا لحماية أمن اسرائيل مع ان العراق في الواقع لم يكن يشكل خطراً حقيقياً عليها، وإنما كان هدفاً سهلاً مع وجود صدام حسين، خططوا لأن تتبعه ايران، ثم سورية، ومن يدري فقد تأتي المملكة العربية السعودية أو مصر بعد ذلك. والقارئ يعرف عن قضية جوناثان بولارد، غير ان هناك عشرات من الجواسيس لاسرائيل مثله لا يزالون نشطين داخل الادارة من دون ان يعتقلوا، ناهيك عن ان يحاكموا أو يدانوا. و"نيويورك تايمز" نفسها نشرت في 23 كانون الاول ديسمبر خبراً كتبه ديفيد شيبلر وقال فيه ان عشرات حوادث التجسس لاسرائىل حوّلها مكتب التحقيق الفيديرالي الى وزارة العدل، الا انها لم تحاكم المتهمين. واعترف مسؤول بارز سابق في الوزارة هو جون دافيت بذلك وقال انه عندما كان في الوزارة بين 1950 و1980 كانت الاستخبارات الاسرائىلية الثانية في النشاط داخل الولاياتالمتحدة بعد الاستخبارات السوفياتية. اسرائيل نفت في كل مرة، ونفت في المرة الاخيرة، وقرأت في الصحف الاسرائىلية أمس وقبله عبارات من نوع "نفت بحماسة" و"نفت بشدة" و"لا أساس لها بالمرّة"، مما يؤكد التهمة التي لا تحتاج الى تأكيد أصلاً.