الحي العسكري، حي الشهداء، حي جبيل، الحي الصناعي. أسماء طالما تكررت خلال القصف الأميركي للفلوجة، وكل هذه الأحياء تقع على الأطراف الشرقيةوالجنوبية لمدينة الفلوجة، وهي من أحدث أحياء المدينة نشوءاً وأكبرها مساحة وأكثرها اكتظاظاً بالسكان وخاصة فيما يتعلق بالحي العسكري وحي الشهداء. يعيش سكان هذه الأحياء ظروفاً عصيبة بسبب المعارك المتكررة، فكثيراً ما تحولت هذه الأحياء إلى ميادين قتال، وأصبح المدنيون أمام خيارين كلاهما مر، فأما، البقاء في منازلهم وتحمل التبعات ذلك بما في ذلك احتمال الموت تحت القصف، أو مغادرة منازلهم ليعيشوا فترة من الزمن عالة على الآخرين، حتى صار البحث عن الاستقرار هو أقصى ما يتمناه سكان هذه الأحياء. آخرون لم يضطروا إلى هجر منازلهم، ولكنهم اضطروا إلى هجر مصادر رزقهم التي لا يملكون غيرها، وأعمالهم التي لا يتقنون سواها، فالحي الصناعي في الفلوجة والذي يوفر أعمالا ً لعدد كبير من سكان المدينة، صار من أكثر أحياء المدينة توتراً، ففي كل حالة صدام مع القوات الأميركية يصبح الحي الصناعي في قلب المعارك. فما إن يتواجد مقاتلو المدينة في الحي بأعداد كبيرة حتى يعلم أصحاب المحال أنهم أمام يوم حافل يتطلب منهم غلق محالهم والنجاة بأنفسهم. وقد شهدت الأحياء الجنوبيةوالشرقية للفلوجة اشتباكات عنيفة نزح خلالها معظم سكان هذه الأحياء خاصة مع وجود الحشود الأميركية الكبيرة التي احتشدت لفترة من الزمن في منطقة النعيمية جنوبالمدينة، فمنهم من هرب إلى وسط المدينة كما فعل الحاج عبد الله محمد الالوسي الذي نجا بأسرته المكونة من خمس أفراد إلى منزل شقيقه في حي الشرطة البعيد نسبياً عن مناطق التوتر، وبعض العائلات لم تجد لها قريباً تلجأ إلى منزله ففضلت اللجوء إلى مؤسسات حكومية، ويروي الحاج الالوسي كيف انه اضطر وعائلته الى النزوح عن منزلهم ثلاث مرات، اولاها حينما غادروا الى الصقلاوية خلال أزمة الفلوجة الاولى، وثانيتهما، وهي الاصعب، حينما اضطر واسرته الى مغادرة المنزل بعد منتصف الليل الى منزل شقيقه بعد ان قصفت القوات الاميركية منزلاً مجاوراً لمنزلهم وقتلت ثلاثاً من سكانه واشتعلت المعارك بشكل مفاجيء، ويؤكد ناظم شكر، احد سكان حي الشهداء الذين بقوا في منازلهم، وهم قليلون جداً، ان الحياة في الاحياء الواقعة على الاطراف غير مستقرة وان سكان هذه المناطق يعيشون على الدوام في قلق متزايد من امكانية دخول القوات الاميركية في اية لحظة وتحول هذه الاحياء الى ساحات قتال ومع ذلك فقد فضل ناظم ان يبقى في منزله لانه يرى ان موت الانسان في منزله اكرم من ان يعيش حياة التشرد حفظاً على حياة ام يعد ينعم فيها بالكثير على حد تعبيره. ويؤكد ناظم أن اساس المشكلة لا يكمن في وجود المقاومة فالمقاومة، حسبما يرى، هي رد الفعل الطبيعي على وجود القوات الاميركية المحتلة. ناجٍ آخر من سكان حي الشهداء أيضا هو رياض سلمان الجميلى، والذي نجا بعائلته من معارك في حي الشهداء يروي لنا كيف انه وعائلته صحوا على أصوات الانفجارات وتبادل إطلاق النار ليجدوا ان الحي يكاد يكون خالياً من السكان الذين حذرهم المقاتلون قبل ان تبدأ المعارك، فخرج وزوجته واطفاله الثلاثة يجرون في الشارع بعد ان اصيب منزلهم بقذيفة هاون سقطت في الطابق العلوي منه، ويقول انهم خلال جريهم في الشارع تعرضوا لنيران الرشاشات الاميركية واضطر للدخول الى احد المنزل ليحتمي واطفاله من الرصاص الطائش ثم عبروا من منزل الى آخر حتى ابتعدوا قليلا ثم اقلهم سائق سيارة كان قادماً لاخلاء اسرته بعد ان استنجدوا به ليبعدهم عن منطقة الاشتباكات ويقيم الجميلي واسرته الان في منزل اهل زوجته في الصقلاوية وهو يقول انهم مضطرون للبقاء هناك حتى تنفرج الازمة وانه سيسعى خلال ذلك للبحث عن منزل في الصقلاوية ليبيع منزله في حي الشهداء التي اصبح لايراها منطقة صالحة للسكن. وقد ادت هذه الاحداث الى انخفاض اسعار المنازل والاراضي في الاحياء الواقعة في اطراف المدينة رغم ان الاراضي في الحي العسكري مثلاً كانت غالية جداً، غير ان اوضاع الجميلي ربما تكون افضل بكثير من اوضاع اصحاب المنازل القريبة من نقطة التفتيش الاميركية في الطرف الشرقي للحي العسكري والذين هجروا منازلهم منذ أزمة الفلوجة الأولى اذ ان تلك المنطقة هي منطقة معارك يومية كما ان القوات الاميركية منعتهم من العودة الى منازلهم، اما الحاج نيسان عباس وهو صاحب ورشة لتصليح الجرارات في الحي الصناعي فيقول ان رزق اولاده قد تضرركثيراً بسبب المعارك الدائرة في الحي الصناعي، فهو يقول ان الايام التي اصبحنا نغلق محالنا خلالها صارت اكثر من الايام التي نعمل فيها كما ان اصحاب الجرارات او السيارات المعطلة لم يعودوا يأمنون على سياراتهم في حي الفلوجة الصناعي، واخذوا يصلحونها في الرمادي اوفي بغداد خشية من تجدد المعارك واجتياح القوات الاميركية للحي الصناعي.