في حي الشهداء الأولى، في ناحية الصقلاوية، توقفت آليات عسكرية أمام قاعدة أميركية ونزل منها شبان تراوح أعمارهم بين 15 و 20 عاماً، جاءت بهم من داخل الفلوجة. وقبل أن تغادر الآليات وينسحب الجنود الأميركيون الى مواقعهم داخل المدينة، هرع جمع غفير من العراقيين باتجاه الأسرى العائدين لمعرفة أحوال أقاربهم الذين بقوا في المدينة خلال الهجوم الأميركي. وشرح عادل شاكر أحد هؤلاء الأسرى الذي بدا عليه التعب والاجهاد ل"الحياة"، ظروف بقائهم في المدينة أثناء المعارك فيها، ثم اعتقالهم على يد القوات الأميركية. وقال الأسير العائد:"بقيت داخل الفلوجة لأحرس بيتنا في حي المعلمين بعدما غادر جميع أفراد عائلتي هرباً من القصف"، مضيفاً:"اعتقلتني القوات الأميركية قبل 17 يوماً عندما دخلت الى الحي العسكري". وزاد:"في اليوم التالي لدخول الجنود الأميركيين، طلبوا من الجميع تسليم انفسهم والتوجه الى جامع الفرقان. لم نصدقهم في البداية لكننا لم نجد بديلاً من الذهاب الى الجامع". وأكد عادل أن"واحداً او اثنين من أفراد العائلة ظلوا في كل منزل لحراسته"، وأضاف:"اعتقل معي حوالي 2600 شخص، ونقلنا جميعاً الى محطة القطارات حيث أمضينا ثمانية أيام، ثم نقلنا الى المعسكر الرئيسي في المقر الذي كانت تشغله منظمة مجاهدي خلق". وذكر أن الفلوجة باتت خراباً، وقال:"مررت بأحياء الضباط والمعلمين والشعب...البيوت مدمرة بالكامل. وما سلم منها من القصف الجوي لم يسلم من سحق الدبابات او المدرعات". لكن صفاء فيصل، الشاب النحيل كشف ل"الحياة"بعيد اطلاقه أن"المقاومة كانت ضعيفة جداً في حي الشهداء الثانية ولم تكن بمستوى التوقعات". وأوضح أنه بقي خلال المعارك في منزل عائلته في الحي العسكري لحراسته، مضيفاً:"ذهبنا الى جامع الفرقان خوفاً من أن يظن الاميركيون بأننا مع المسلحين". وأكد أن الجنود الاميركيين لم يضربوا أحداً أمامه، وكان الأمر يقتصر على توجيه الاهانات وتعريض المعتقلين للبرد في ساعات الصباح الاولى، خصوصاً ان غالبيتهم ترتدي ملابس صيفية خفيفة". ولفت الى أن"الشيوخ كانوا أكثر المتضررين، اذ كان معظمهم حفاة وشبه عراة ولم يزودوا ملابس كافية. وسُلم بعضهم بدلة حمراء"مخصصة للمحكومين بالاعدام. وأشار الى أن"الطعام لم يكن كافياً، فعلى رغم ان القوات الاميركية كانت تعطينا ثلاث وجبات في اليوم، لكن لا يؤكل منها سوى البسكويت الذي كان يقدم بكميات ضئيلة جداً لا تسد الحاجة". وقال معتقل آخر أطلق يدعى عبد القادر جاسم:"لم نغتسل منذ بدء العمليات العسكرية وحتى بعد اعتقالنا قبل أسبوعين". وأشار الى أن القوات الاميركية لم توفر سوى كيس نوم لكل منهم. وأوضح أن الاميركيين عصبوا أعينهم وأوثقوا أيديهم الى الخلف، قبل أن يقتادوهم الى المحطة، وأن التحقيق كان يركز على"المجاهدين"ومراكزهم وطبيعة الأسلحة التي يستخدمونها. وأضاف أن القوات الأميركية أخذت بصمات أصابع كل واحد منهم وبصمة القزحية وصوراً شخصية جانبية وامامية قبل اطلاقهم. وأفاد اسماعيل محمد، رفيق عبد القادر في رحلة الاعتقال، أن"غالبية العائلات التي غادرت الفلوجة منعت من اصطحاب أبنائها الذين تزيد أعمارهم عن ال15 عاماً".