وكأن الحضور العربي في الدورة الاخيرة لمهرجان "كان" السينمائي انتقل كله الى قلب العاصمة الفرنسية ليحقق لأفلامه الثلاثة فوزاً جماعياً في مهرجان السينما العربية في باريس. وكأن السينما العربية، في الوقت نفسه، تنفض عن جسدها جلد الاجيال الماضية، لتكرّم مرة واحدة اصحاب افلام اولى لا يزالون في سن الشباب، فمن اللبنانية دانيال عربيد، الى الفلسطيني توفيق ابو وائل الى المغربي محمد عسلي في "الملائكة لا تحلق في سماء الدار البيضاء" سلكت جوائز الدورة السابعة، لما يعتبر اهم مهرجان سينمائي عربي على الاطلاق، درباً مباشراً لتقول ما يوحي ان السينما العربية في خير: دانيال عربيد، بفيلمها "معارك حب" نالت جائزة المهرجان الكبرى، توفيق ابو وائل برائعته "عطش" نال جائزة مارون بغدادي، فيما راحت جائزة العمل الاول لملائكة الدار البيضاء. ما المشترك بين هذه الافلام عدا كونها اول الانتاجات الكبيرة لاصحابها؟ كونها تقول الجريء والمغاير، وتتنطح لابداع لغات سينمائية جديدة من ناحية، وكونها تعد المغامرين الراغبين بعد في خوض تجربة فن، اعلن موته الف مرة من قبل وبعث الف مرة، بحسن المصير ان هم غامروا. والملفت هذه المرة ان هذه الافلام لاقت حين عرضت اجماعاً من المتفرجين، كان سبقه اجماع في "كان" قبل ان تصل الى امتحان المحكمين، ولمرة نادرة، تطابق رأي هؤلاء مع رأي اولئك. إذاً، حققت دانيال عربيد بحكاية حبيبتها المراهقة المتفتحة على الحب وسط بيروت الحرب، ما لم تكن تتوقعه: توج فيلمها كأفضل انتاج عربي خلال العامين الأخيرين، معيداً الى السينما اللبنانية اعتباراً طيباً، يذكر حكاية نجاح "لما حكيت مريم" قبل عامين. وتمكن خروج توفيق ابو وائل عن السرد الفلسطيني المكرر، في "عطش" من اعطاء وجه جديد ومفاجئ لسينما فلسطينية تواصل ادهاشنا. أما عداء محمد عسلي للمدينة فيبدو أنه هو الآخر كان له محبون. في مجال التمثيل كان الجديد هذا العام منح جائزتي التمثيل الرجالي والنسائي بالجملة لممثلي "سهر الليالي" فيلم هاني خليفة المتميز الذي سار في الانتاج المصري عكس التيار. أما في مجال السينما القصيرة فكان الاختيار لفيلم "اغتراب" الجزائري. لكن المخضرمين لم يخرجوا من المولد من دون حمص، اذ فاز عمر اميرالاي السوري التسجيلي المواظب على سينماه الغاضبة منذ ثلاثة عقود بجائزة الفيلم التسجيلي عن فيلمه المشاكس "الطوفان" الذي يدنو من قضية شائكة في الواقع السوري، بينما فاز "اجتياح" لنزار حسن الفلسطيني بجائزة التحكيم، وهو فيلم متميز المضمون جريء الشكل عن احتلال جنين يصور من خلال اسرائيلي شارك في الاجتياح وها هو في الفيلم يعلق على صور يراها تروي له ما فعلت يداه. أما الفيلم التونسي "ريّس البحار" فكانت من نصيبه جائزة لجنة التحكيم الخاصة. هذه هي، في اختصار النتائج كما اعلنت مساء أمس في باريس، ليختتم اعلانها دورة من "مهرجان السينما العربية" بدت أصلاً على شيء من الكآبة، لكن النتائج، وعرض بعض الأفلام التي كانت أثارت ضجة من حولها منذ ما قبل المهرجان، أحيا بعض سباته... ومن هذه الأفلام، بالطبع "اسكندرية/ نيويورك" ليوسف شاهين الذي عرض في الافتتاح، و"باب الشمس" ليسري نصرالله الذي به، وبساعاته المقتربة من خمس ساعات، كانت العروض اختتمت قبل يوم من اعلان النتائج.