عابد عازرية، اسم يجهله الكثيرون في العالم العربي، وستجد عناءً لتجد أعماله في أكثر من عاصمة عربية. هذا الموسيقي السوري، المُقيم في باريس، تجد أعماله متوافرة في أهم المواقع الإلكترونية مثل amazon وتجدها كذلك في العواصم الأوروبية، حيث يمتلك شهرة واسعة. الحضور الضعيف عربياً لا يعني أبداً أن أداء عازرية الموسيقي والغنائي كان متواضعاً ، فهو صاحب حضور كبير في الوسط الغربي الموسيقي، بل هو عائد لتجارية سوق الموسيقى العربية، والذائقة الرائجة المتوازية مع هذا السوق. في حفلته الأخيرة في بيروت، أطل عازرية على جمهور أتى خصيصاً ليستمع إليه، وليطرب لعملٍ يمزجُ فيه بين موسيقى الشرق وموسيقى الغرب، وتحديداً بين الموسيقى العربية الشرقية، والموسيقى الإسبانية، عبر أداء موسيقي سهل، في الوقت الذي يمتلك فيه عمقه الروحي الشفيف المؤسس على الجنبتين الصوفية والعشقية اللتين يشتغل عليهما. رافق عازرية 15 عازفاً على القانون والغيتار والكمان بأحجامه المختلفة والأكورديون وآلات الإيقاع، ليشكل الجميع فريقا عمل كل فرد فيه بفنية جذبت الجمهور وصفق لها كثيراً. قدّم عازرية 10 وصلات غنائية، بمشاركة مغنية إسبانية، شكل كلاهما ثنائياً متجانساً ليس على مستوى الأداء الصوتي وحسب، بل في روح المرح والحميمية التي أضفاها على الحفلة. "بين الرجاء والتمني"، "الحسن"، "بين يديك"، "صاحِ"، "يا غزال"، "نقش"... كانت بعض أغاني عازرية، وجميعها يربط بينها خط رفيع، وهو "الحب" الذي شكل الثيمة الأساسية لحفلة بيروت. الأغاني كلها تقريباً كانت نصوصاً شعرية أندلسية من القرن العاشر، تنتمي لذلك التراث العشقي. وهو تراث يتغاير تماماً مع مفاهيم الحب التي تتعاطاها الأغنية العربية الحديثة هذه الأيام. هذا النوع من النصوص يمتلك مقدرة على التخاطب مع أكثر من مستمع، لأنه وببساطة يتعاطى بتجرد ونقاء مع "الحب" الذي هو حالة وجدانية يعيشها الجميع، من دون أن يحاصر هذا الحب بمفاهيم خاصة، أو بأنماط غنائية وموسيقية قد لا تروق للكثيرين. حضور عازرية هو في الوقت ذاته درس موسيقي، ودرس جمالي، يحاول من خلالها إثبات حقيقية هذا النمط من الغناء، وإعادة "الحب" المخطوف في الأغنية الشبابية الحديثة الى مكانه الصحيح، فيعود للحب دفئه، مخلصاً إياه من الحسية المفرطة، لتجرد صوفي شفيف لا يمتلك الجسد أمامه إلا أن يطرب، كما يفعل عازرية عندما يصفق ويرقص مبتهجاً ومنتشياً على المسرح، ناقلاً هذه الروح للجمهور الذي انتشى معه من دون شُربِ.