سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
السعودي القحطاني جاء بتذكرة سفر لوجهة واحدة ومن دون مال ولا يعرف لماذا يزور أميركا . خلاف اللبناني الجراح مع عطا دفع "القاعدة" الى تحضير الموسوي بديلا له
عرضت الحلقات الثلاث السابقة قصة التخطيط لهجمات 11 أيلول سبتمبر 2001، وكيف اختار أسامة بن لادن بنفسه "العضلات" الذين كُلّفوا السيطرة على الطائرات المخطوفة في الجو. وتعرض حلقة اليوم تفاصيل الشهور الأخيرة التي سبقت "الثلثاء الأسود" يوم أمطرت السماء طائرات مخطوفة فوق واشنطن ونيويورك. وتكشف هذه الحلقة كيف كادت الهجمات تُحبط بسبب خلاف بين الطيارين الانتحاريين المصري محمد عطا واللبناني زياد الجراح، وكيف كانت "القاعدة" تُحضّر الفرنسي - المغربي زكريا الموسوي ليكون "بديلاً" للجراح إذا انسحب، أو ليكون طياراً في "موجة جديدة" تتلو موجة هجمات 11 أيلول. وتعتمد هذا المعلومات في جزء كبير منها على اعترافات "مهندس 11 أيلول" خالد الشيخ محمد و"منسق" الهجمات اليمني رمزي بن الشيبة المعتقلين لدى وكالة الاستخبارات المركزية سي آي إي التي يُعتقد انها مارست ضغوطاً عليهما للافشاء بأسرار 11 ايلول. بعدما انجز الطيارون الانتحاريون الأربعة، محمد عطا ومروان الشحي وزياد الجراح وهاني الحنجور، التحضير لمهمتهم وتقسيم عناصر مجموعاتهم العضلات في ما بينهم، كان لا بد من إبلاغ قيادة "القاعدة" بذلك. فرتّب قائد الخاطفين محمد عطا للقاء "منسق" الهجمات اليمني رمزي بن الشيبة، زميله في "خلية هامبورغ". كان اليمني يريد اللقاء في كوالالمبور، فطار اليها من كراتشي بعدما اعطاه خالد الشيخ محمد جواز سفر سعودياً مزوراً وعنوان البريد الالكتروني لزكريا الموسوي الذي كان يتدرب على الطيران في أميركا، ل"يتصل به في المستقبل". وفي العاصمة الماليزية، علم ابن الشيبة ان عطا يريد اللقاء في اسبانيا، وانه سيطير من الولاياتالمتحدة الى مدريد في 8 تموز يوليو 2001. فلحق به الى إسبانيا، بعدما اضطر الى الانتقال الى المانيا ومنها الى برشلونة إذ لم يجد طائرة الى مدريد. التقيا في اليوم التالي 9 تموز في مدينة كامبريلز قرب برشلونة. قال ابن الشيبة لعطا ان أسامة بن لادن يريد استعجال الهجمات، فهو يخشى ان يؤدي وجود العدد الكبير من عناصر "القاعدة" في الولاياتالمتحدة الى كشف العملية. وقال له ان بن لادن يريد منه التزام ضرب الأهداف المُتفق عليها: برجي مركز التجارة في نيويورك، مقر وزارة الدفاع البنتاغون، مقر البرلمان في الكابيتول هيل، أو البيت الأبيض. فرد عطا بأنه قام بجولات طيران "استطلاعية" ورصد منشأة نووية قرب واشنطن وانه يفكّر في ضربها لكن "الطيارين" الآخرين معه اعتبروا ذلك خطأ لأن المجال الجوي فوق المنشآت النووية محظور الطيران فيه. فأجابه ابن الشيبة، بحسب اعترافاته، ان زعيم "القاعدة" يريده ان يتمسك بالأهداف المحددة، لا سيما البيت الأبيض. فعلّق عطا قائلاً انه يتفهم رغبة بن لادن في ضرب البيت الأبيض و"سيرى ما يمكن فعله" على رغم اعتقاده بصعوبة اصابة مقر الرئاسة الأميركية. قال ابن الشيبة ان زعيم "القاعدة" يريد منه أيضاً الا يُخبر أعضاء فريق الخاطفين العضلات بالأهداف المحددة حتى "الدقيقة الأخيرة" التي تسبق تنفيذ الهجمات، وانه يريد ان يعلم بالموعد مسبقاً. فرد عطا بأنه يحتاج الى بضعة أسابيع لحسم الموعد والتأكد من ان الهجمات ستحدث في وقت متزامن تقريباً. قال له ان الطيارين يعرفون الأهداف التي عليهم مهاجمتها: هاني الحنجور كُلّف قصف "البنتاغون"، والجراح مبنى الكابيتول، على ان يهاجم هو ومروان الشحي برجي مركز التجارة. وقال له ايضاً ان الطيارين اتفقوا على ان من يفشل منهم في الوصول الى هدفه يُحطّم طائرته، وانه سيفجّرها في شوارع نيويورك لو عجز عن ضرب مركز التجارة. وقال له ايضاً ان رفاقه حملوا معهم "شفرات قطع" "بوكس كاترز" على متن رحلات عدة ولم ينتبه أحد اليهم، وانه يريد خطف طائرات "بوينغ" ملأى بالوقود بدل طائرات "ايرباص" لأنه يعرف ان في الأخيرة نظاماً آلياً يمنع تحطيمها في الأرض. وقال كذلك لابن الشيبة ان بعض طاقم الانتحاريين طلب الاتصال بعائلته لتوديعها وانه رفض السماح له بذلك. بعد انتهاء اللقاء، سافر ابن الشيبة عائداً الى المانيا، وهناك استحصل على خط هاتف جديد اتصل منه بخالد الشيخ محمد في كراتشي لابلاغه بنتيجة لقائه مع عطا. حصل الاتصال في منتصف تموز يوليو 2001، وكان اللافت فيه - إضافة الى نقل تفاصيل التحضير للهجمات - ان ابن الشيبة ابلغ خالد ان عطا وزياد الجراح ليسا على تفاهم وثمة حساسيات بينهما. إذ لم يكن اللبناني سعيداً تحت إمرة المصري عليه وشعر انه ليس في "دائرة اتخاذ القرار". فشدد خالد على ضرورة ان يتفاهم اللبناني والمصري خشية ان يتسبب ذلك في إفشالهما العملية، فرد ابن الشيبة بأنه واثق من انهما سيتصالحان. وفي هذا الاتصال المهم، يطرأ عنصر ثان لا يُعرف حتى الآن مدى ارتباطه بهجمات 11 ايلول. إذ طلب خالد من ابن الشيبة ان يُرسل "التنورة" الى "سالي"، وهي عبارة "كودية" تعني تحويل أموال الى زكريا الموسوي الذي يتدرب على الطيران في الولاياتالمتحدة. وعلى رغم ان ابن الشيبة يُقر في التحقيق معه بأن خالد طلب منه تحويل الأموال الى الموسوي في تلك المحادثة، إلا انه يؤكد انه لم يكن يعرف لماذا على رغم اعتقاده انها تدخل "في إطار" عملية 11 ايلول. وتقول لجنة التحقيق في هجمات 11 ايلول ان خالد الشيخ ربما كان يحضّر الموسوي ليخلف الجراح في قيادة الطائرة، إذا انسحب اللبناني من العملية. وربما لهذا الشعور ما يبرره. ففي 20 تموز يوليو 2001، اشترت ايسيل سنغوين، الألمانية - التركية التي كانت صديقة الجراح طوال سنين في ألمانيا، تذكرة سفر بالطائرة لوجهة واحدة لصديقها اللبناني من ميامي الى دوسلدورف. في الرحلات السابقة الأربع للجراح من الولاياتالمتحدة لرؤية صديقته التركية وعائلته، كان دائماً يحجز تذكرة ذهاب وإياب. هذه المرة كانت التذكرة لوجهة واحدة. وفي حين يبدو ان عطا هو الذي أوصله الى مطار ميامي، فإن ابن الشيبة كان في استقباله في مطار دوسلدورف في 25 تموز. وكان أول شيء أرداه اللبناني رؤية صديقته بعد وصوله الى ألمانيا، فاتفق ان يلتقي اليمني بعد أيام. وعندما التقيا حض ابن الشيبة الجراح على إكمال دوره في عملية 11 ايلول. وخلال تلك الأيام، حوّل ابن الشيبة 15 الف دولار الى الموسوي بعدما حوّلها اليه مصطفى الحوسوي - عضو اللجنة الإعلامية في "القاعدة" - من الإمارات. ودفع الموسوي جزءاً كبيراً من ذلك المبلغ لإكمال تدربه على الطيران، كما انه اشترى "شفرات قطع" مماثلة لتلك التي استخدمها الخاطفون في 11 ايلول. لكن تصرّف الموسوي خلال تعلّمه الطيران أدى الى إثارة الريبة فيه كان يريد فقط تعلّم كيف يتحكّم في الطائرة في الجو، غير آبه بتعلّم كيفية الهبوط أو الإقلاع، فاعتقلته إدارة الهجرة في منتصف آب اغسطس. وينفي خالد الشيخ محمد، في التحقيق معه، انه كان يريد استخدام الموسوي في عملية 11ايلول، ويقول انه كان يحضّره ل"موجة ثانية" من الهجمات جنّد لها طياريين آخرين إضافة الى المغربي - الفرنسي. أما ابن الشيبة فيقول، في اعترافاته، ان خالد الشيخ لم يكن أصلاً موافقاً على الموسوي، وانه لم يسحبه من العملية لسبب أساس، فقد كان بن لادن هو من اختاره بنفسه. وفي أي حال، لم يعلم خالد باعتقال الموسوي في منتصف آب اغسطس سوى بعد حصول هجمات 11 ايلول، وساعتها "هنّأ" ابن الشيبة لأنه لم يعط الموسوي وسيلة اتصال ببقية الخاطفين في الولاياتالمتحدة، الأمر الذي كان يمكن ان يؤدي الى كشفهم. وفي النهاية، لم تكن هناك حاجة لايجاد بديل للجراح. ففي الوقت الذي اعتُقل الموسوي، كان اللبناني عاد الى الولاياتالمتحدة وحلّ خلافاته مع عطا. الوداع في 3 آب، حصل اتصال جديد بين ابن الشيبة وعطا ناقشا فيه آخر التحضيرات للعملية. ذكّره الأوّل بأن بن لادن يريد منه ان يضرب البيت الأبيض، فقال عطا - بعد إلحاح الأول - انه سيضع مقر الرئاسة الأميركية في لائحة الأهداف، على ان يبقى "الكابيتول" هدفاً احتياطياً إذا لم يمكن ضرب مقر الرئيس جورج بوش. كذلك قال ان الهجمات لن تحصل سوى بعد الأسبوع الأول من ايلول عندما يكون البرلمان انهى عطلته الصيفية. ناقش الرجلان أيضاً مسألة "الصديق الآتي سائحاً"، في إشارة الى السعودي محمد القحطاني الذي كان يُفترض ان يكون العنصر الأخير في طاقم الخاطفين. فذهب عطا لاستقباله في مطار أورلندو فلوريدا في اليوم التالي في 4 آب، لكن سلطات الهجرة لم تسمح له بدخول الولاياتالمتحدة. فقد كان يحمل تأشيرة لوجهة واحدة الذهاب فقط، لا يحمل مالاً، لا يتكلم الانكليزية، ولا يعرف تبرير سبب زيارته. فأُعيد الى دبي، ومن هناك طلب مصطفى الحوسوي من رئيسه في "اللجنة الإعلامية" ل"القاعدة" خالد الشيخ محمد ان يساعده في تدبير عودته الى كراتشي. القحطاني معتقل حالياً في غوانتانامو، ولم يكن الأميركيون يعرفون من هو لفترة طويلة من احتجازه. بين 25 آب و5 ايلول، كان جميع طاقم الخاطفين اشترى تذاكر سفر ليوم 11 ايلول. تاريخ العملية أبلغه عطا لابن الشيبة في اتصال "كودي" بينهما في الأسبوع الثالث من آب، ونقله ابن الشيبة الى خالد الشيخ محمد عبر عضو مغربي في "خلية هامبورغ" يدعى زكريا الصبار. ويقول ابن الشيبة وخالد الشيخ، في اعترافاتهما، ان الصبار لم يكن يعرف ماذا يعني ذلك التاريخ، وانه "نقل رسالة" فقط من الأول الى الثاني. لكن ابن الشيبة يقول انه نصح الصبار والمغربي الآخر في "خلية هامبورغ" سعيد بهاجي بمغادرة ألمانيا الى أفغانستان، لأن ذلك "سيكون صعباً" في الفترة المقبلة. فغادر الصبار الى كراتشي في 30 آب، وتبعه بهاجي في 3 أيلول. اتصل عطا بوالده لتوديعه، على ما يبدو، في 9 ايلول، على رغم انه منع بقية اعضاء فريقه من فعل الشيء نفسه. لكنه طلب من ابن الشيبة ان يوصل "رسالة" من عضو في طاقم الخاطفين الى عائلته، وأن ينقل "وداعاً" من بقية الخاطفين. وكان زياد الجراح الوحيد الذي كتب رسالة وداع خطية الى صديقته ايسيل. وجاء صباح الثلثاء، 11 أيلول، واستقل جميع الخاطفين طائراتهم. ما إن أقلعت وصارت في الجو، حتى كان "العضلات" يسيطرون عليها. أخذ محمد عطا مقود طائرته وضرب البرج الأول لمركز التجارة. تبعه مروان الشحي في البرج الثاني. ثم أسقط هاني الحنجور طائرته فوق "البنتاغون". الجراح كان الوحيد الذي لم يستطع الوصول الى هدفه فأسقط طائرته عمداً، لكنها انفجرت في حقل خال في بنسلفانيا. فهل كان يريد الوصول الى البيت الأبيض أم "الكابيتول"؟ لن يُعرف الجواب، فقد أخذ سره معه.