قال قطب سياسي بارز ان العناوين السياسية الكبيرة التي استحضرت على عجل كأساس لتذخير التحرك العمالي لم تكن وحدها السبب في خلق المناخ الذي ساعد على فلتان الوضع الأمني في الضاحية الجنوبية اول من امس ووقوع الصدامات الدامية بين عناصر الجيش اللبناني والمتظاهرين الذين أخضعوا للتعبئة والتحريض على قاعدة المطالب الاجتماعية المحقة، مضيفاً إلى ذلك انعدام التوازن داخل السلطة التنفيذية وغياب الحد الأدنى من الانسجام بين اعضاء الحكومة. وأكد القطب السياسي ل"الحياة" ان التظاهرة العمالية استغلت من البعض في وقت بدا للعيان ان الاتحاد العمالي العام غير قادر على الإمساك بزمام المبادرة، مشيراً الى ان هذا البعض في السلطة وخارجها استغلها للدخول في لعبة تصفية الحسابات وفي تقاذف كرة النار. وتساءل عن مغزى إقحام الوضع الحكومي في التحرك العمالي وقال: "لا أفهم لماذا بادر البعض الى رفع شعارات سياسية بدلاً من ان يحصر تحركه بالوضع الاجتماعي وأخذ يركّز منذ اسبوع على الإطاحة برئيس الحكومة رفيق الحريري بتكرار تجربة السادس من ايار مايو 1992 التي دفعت بالرئيس عمر كرامي الى الاستقالة؟". ورأى ان البعض من خصوم الحريري الذي كان في هذه الأثناء يستعد لمقابلة الرئيس السوري حافظ الأسد، اعد هدية ملغومة، ووضعها بتصرف الاتحاد العمالي، لكنها انفجرت بين يديه وتطايرت شظاياها الى الضاحية الجنوبية لتصيب الوضع الأمني في منطقة يفترض نظراً لخصوصيتها ان تبقى في مأمن عن لعبة شد الحبال. وأضاف: "ان هذا البعض بالذات فوجئ بأن تقديراته السياسية لم تكن في محلها ولا سيما بالنسبة الى وضع الحريري امام واقع جديد يقترب من الطريق المسدود مما يضطره مرغماً الى تقديم استقالته، مؤكداً ان هناك من استغل عواطف المتظاهرين ومشكلاتهم الاجتماعية والاقتصادية". وقال القطب السياسي ان الجيش و"حزب الله" على السواء فوجئا بالوضع المضطرب الذي امتد بسرعة من حي السلم الى معظم احياء الضاحية وأخذ ينفجر بسرعة مما حال دون السيطرة عليه، مشيراً الى ان جميع من في الضاحية اصيبوا بالذهول والإحراج. ورأى ان الذين راهنوا على ان في مقدورهم حرق المراحل فوجئوا بالموقف السوري المتشدد الذي مهد الطريق امام إعادة الأمور تدريجاً الى حالها الطبيعية. وكشف القطب النقاب عن ان معظم الأحزاب لم تكن في وارد حضور الاجتماع الطارئ لها، لكنها أعادت النظر في موقفها بناء لطلب دمشق التي ضغطت ليشكل الاجتماع محطة رئيسة ليس لتقويم الوضع فحسب وإنما لأخذ الدرس من الأبعاد التي فرضت نفسها على الأرض في الضاحية. وأكد ان الاجتماع الذي شارك فيه عدد من الوزراء شهد مكاشفات صريحة لا يراد منها رمي المسؤولية على الآخرين، لأن معظم الأحزاب "احست بالسخن" وأدركت حجم الأخطاء التي ارتكبتها عندما ركبت موجة تسييس التحرك العمالي في شكل أفقدها التحكم بمساره، لافتاً الى ان الأحزاب عبر ممثليها في النقابات ستضغط من الآن وصاعداً فرملة اي تحرك غير مدروس ... لكن القطب السياسي رأى ايضاً ان المشكلة الأمنية، وإن كانت حوصرت بفضل تدخل سوري ضاغط وتعاون الجيش مع القوى على الأرض، فإن التحضير للعودة الى الحياة الطبيعية يستدعي تصرفاً من السلطة يساعد على تضميد الجروح السياسية من جهة ويسمح بفتح حوار بعيداً من الرسائل المفخخة. وأكد ان المعالجة يجب ان تبدأ من داخل السلطة التي يفترض ان تطل على جمهورها ببرنامج إنمائي اجتماعي ولا مانع بأن يكون متواضعاً، آخذاً في الاعتبار الحال الراهنة لخزينة الدولة. وأبدى ارتياحه الى الاتصالات التي أجريت بين الرؤساء اميل لحود ونبيه بري ورفيق الحريري ونائبه عصام فارس اضافة الى الاجتماع المطول الذي عقد امس بين الحريري والمعاون السياسي للأمين العام ل"حزب الله" الحاج حسين الخليل. وإذ شدد على ضرورة الإسراع في دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد، قال ان الدعوة تحتاج الى تحضير يجب ان لا يقتصر على إزالة الآثار السلبية التي ترتبت على الفلتان الأمني في الضاحية. وفي هذا السياق علمت "الحياة" ان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط هو اول من شجع على عقد جلسة عاجلة لمجلس الوزراء وأن الوزير غازي العريضي تولى استمزاج الآراء حتى لا تأتي نتائجها لتزيد في حجم الأضرار السياسية بدلاً من استيعابها. وأكد مصدر في الحزب التقدمي ان جنبلاط، يبدي قلقاً إزاء ما حصل في الضاحية خصوصاً ان التحركات العمالية السابقة كانت تقتصر على استعراضات سياسية بغية المزايدة بخلاف ما هو حاصل اليوم في ضوء سقوط ضحايا وجرح العشرات. واعتبر ان "أخطر ما سيواجهنا، ان تعقد الجلسة تحت ضغط الشارع وأن لا تنتهي الى نتائج ملموسة وتكتفي باتخاذ مواقف ارتجالية لا تساعد على الخروج من المأزق".