تحول يوم التظاهر السلمي بدعوة من الاتحاد العمالي العام في لبنان احتجاجاً على سياسة الحكومة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي خصوصاً على ارتفاع سعر صفيحة البنزين الى مواجهات عنيفة ودامية في الضاحية الجنوبية من بيروت بين القوى الأمنية اللبنانية جيش وقوى امن ومتظاهرين، اسفرت عن سقوط ستة قتلى بينهم امرأة مجهولة وجرح العشرات مدنيين وعسكريين. وانشغلت الاوساط السياسية في محاولة تفسير "الانتفاضة الغامضة" التي رافقتها شعارات تطالب بسقوط حكومة الرئيس رفيق الحريري راجع ص7. وفيما كانت التظاهرة الرئيسة ترفع شعاراتها ومطالبها في المكان المحدد امام مقر مجلس الوزراء غير المنعقد في جلسته الأسبوعية في منطقة المتحف كانت الشرارة الأولى للصدامات تندلع في حي السلّم اكثر الأحياء الشيعية اكتظاظاً وفقراً في الضاحية لتمتد لاحقاً الى معظم الأحياء شاملة الطرق الدولية الى العاصمة ومطارها. وفي مواجهة التظاهرات المتنقلة من منطقة الى اخرى التي خاضها فتيان وشبان دفعت القوى الأمنية تعزيزات الى المنطقة لمنع تمدد اعمال الشغب نحو بيروت وفتح الطرق وخصوصاً طريق المطار الذي توقفت فيه الملاحة الجوية اكثر من خمس ساعات. وفي التفاصيل الميدانية ان متظاهرين في حي السلم تعرضوا لعناصر من الدفاع المدني وقوى الأمن الداخلي، فحضرت قوة من الجيش لمساندتهم من اجل فتح الطريق وإطفاء الإطارات المشتعلة فتعرضت هي الأخرى لرشق الحجارة والزجاجات الفارغة والضرب بالعصي مما اضطرها الى إطلاق النار في الهواء لتفريق المتظاهرين. إلا ان هؤلاء اعادوا هجومهم على الدورية وصعدوا الى احدى شاحناتها وعندها حصلت المواجهة المباشرة وحاول خلالها المتظاهرون الاستيلاء على الشاحنة ومصادرة الأسلحة التي كانت على متنها. وقتل في المواجهة الأولى ثلاثة متظاهرين بالرصاص وأصيب سبعة آخرون بجروح، فيما جرح ضابط من الجيش وستة من عناصره، وسرعان ما عنفت المواجهات التي اخذت تنتقل من حي الى آخر لتغطي كل الضاحية. ولم تفلح قيادات في "حزب الله" الذي يعتبر القوة الرئيسة في الضاحية وأخرى من "امل" بالتعاون مع ضباط في الجيش وقوى الأمن في السيطرة على الأرض. فيما كان المتظاهرون يهاجمون معظم مراكز الجيش ومخافر قوى الأمن وقاموا بتدمير بعضها وإحراق بعضها الآخر، اضافة الى الاستيلاء على بنادق لقوى الأمن الداخلي امام مبنى وزارة العمل في الشياح. وكان لافتاً ان المواجهات التي دارت بين كر وفر، سرعان ما امتدت الى الطريق الدولي المؤدي الى بلدة بعبدا، وعمد المتظاهرون الى تحطيم ونهب مطاعم تقدم وجبات اميركية بينما قامت مجموعات اخرى بنقل المواجهة الى محلتي الأوزاعي وبرج البراجنة. في الوقت الذي شوهد العشرات من الشبان يلجأون الى الأبنية هرباً من تبادل إطلاق النار بين متظاهرين تردد انهم "مجهولو الهوية" وبين عناصر القوى الأمنية، كما سجلت حالات إغماء في صفوف الفتيان الذين هالهم ما يحدث. ولم تتوقف المواجهات إلا بعد تدخل سوري ضاغط برز ميدانياً على ارض المواجهة من خلال قيام فريق من كبار الضباط في الجيش السوري بالتعاون مع ضباط في الجيش وقوى الأمن، وقياديين في "حزب الله" وحركة "امل" عملوا على التهدئة، وقد نجحوا في إبعاد المتظاهرين بدءاً من حي السلم، اكثر المناطق سخونة على رغم ان هؤلاء حاولوا وأمام اعين الضباط مهاجمة بعض المواقع العسكرية بعد ان انكفأ عناصرها من الأحياء لتنفيس الاحتقان. وطرح اتساع رقعة المواجهة علامة استفهام عن "الهوية السياسية" للمتظاهرين لا سيما انها حصلت بينما كان رئيس الحكومة رفيق الحريري في طريقه الى بيروت عائداً من دمشق بعد مقابلته الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد، مما استدعى تسارع الاتصالات اللبنانية - السورية على مستوى عالٍ ما أثمر تدخلاً مباشراً من دمشق ومن القيادة العسكرية السورية في بيروت كان واضحاً لجهة وضع حد لما يجري مهما كلف الأمر والعمل من اجل اعادة الوضع الى مجراه الطبيعي في الضاحية. وبادر "حزب الله" وحركة "امل" الى السعي لتطويق المواجهات لأن لا مصلحة لأي منهما في الدخول في صدام مع الجيش، خصوصاً انهما يعتبرانه حليفاً لهما في مواجهته الاحتلال وفي التوجهات الوطنية والقومية لقيادته. ومعروف ان للضاحية خصوصية سياسية وأمنية ناجمة عن وجود المراكز الرئيسة ل"حزب الله" فيها، مما يتطلب السهر على حفظ الأمن بالتعاون مع القوى الأمنية وعدم السماح بافتعال صدامات لن تكون لمصلحة احد. وبينما باشر القضاء اللبناني التحقيق لتحديد الأسباب التي ادت الى المواجهات في ظل المعلومات المتوافرة عن وجود عدد من الموقوفين ومعرفة ما اذا كان هؤلاء ينتمون الى جهات سياسية ام ان تحركهم نابع عن حماستهم الشديدة. وأملت مصادر قضائية رفيعة بأن تتوصل، في ضوء إلحاح رئيس الجمهورية اميل لحود على فتح تحقيق في الحوادث الدامية، الى نتائج تسمح لها بتحديد هوية الجهة التي تقف وراء تحريك الشارع في الضاحية في شكل فاجأ كل القوى السياسية وأحدث إرباكاً في صفوفها وأثار انزعاج دمشق الشديد. واستغرب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط بعد لقائه رئيس الحكومة مساء امس التعرض للجيش "الذي يحمي الجنوب ووطد عقيدته العربية على قاعدة الحلف الاستراتيجي مع سورية". وقال ان الجيش ليس مسؤولاً عن الفساد السياسي ولا عن التأخير في خفض سعر البنزين. وأضاف "اذا كانت هناك تصفية حسابات في مكان ما فالجيش وقيادته لا يتحملان المسؤولية".