طغى الوضع الأمني في طرابلس على جلسة مجلس الوزراء اللبناني التي كادت أن تكون «طرابلسية» بامتياز وشهدت سجالاً تسبب به وزراء من قوى 8 آذار باستثناء وزراء «حزب الله» وحركة «أمل»، على خلفية تحميلهم مسؤولية ما جرى للمجموعات الإسلامية المتشددة ولعدد من نواب تيار «المستقبل»، معتبرين هؤلاء تولوا التحريض المذهبي والطائفي وتسعير الاحتقان في المدينة، ما اضطر وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي الى الرد منوهاً بالموقف الذي صدر عن رئيس الحكومة السابق سعد الحريري رافضاً فيه الخروج عن الدولة أو القبول بمظاهر الخروج عنها وداعماً الجيش اللبناني لإعادة الهدوء إليها. وعلمت «الحياة» من مصادر وزارية أن رئيس الجمهورية ميشال سليمان تدخل للرد على الاتهامات مشيداً بالدور الإيجابي للحريري ولرئيس كتلة «المستقبل» النيابية فؤاد السنيورة وفاعليات المدينة، ودور مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار لوأد الفتنة. وكشفت المصادر نفسها أن الوزيرين محمد فنيش وعلي حسن خليل حرصا على تمييز موقفيهما عن الوزراء الآخرين في «8 آذار»، وقالت إن الأول شدد على ضرورة التهدئة والتصرف بحكمة في معالجة الوضع المتأزم في طرابلس والتعاطي مع كل ما يحصل من زاوية تقدير الظروف الدقيقة التي يمر فيها لبنان، فيما رأى الثاني أن لا بديل من الحوار، وأن دعم الجيش والقوى الأمنية ضروري للسيطرة على الوضع وإعادة الاستقرار الى المدينة. ولفتت الى الموقف الذي عبّر عنه العريضي، ونقلت عنه قوله إن الجميع مع تدعيم دور الجيش والقوى الأمنية لحفظ الأمن ووقف الاقتتال في طرابلس وأن لا مصلحة لأحد في استحضار الطابع الطائفي والمذهبي وأن البعض يحاول أن يوجه اتهاماته الى فريق معين مع أن هذا الطرف بالذات لعب دوراً في التهدئة وبادر الى توفير الغطاء لتمكين الجيش من الانتشار لحفظ الأمن، مع أن لديه القرار في ذلك. وأيد سليمان قول العريضي بأن الجيش لا حاجة له لاستصدار قرار، وقال: «عندما حصلت أحداث جرود الضنية كنت قائداً للجيش ولم أسأل أحداً عما يجب القيام به، لأن القرار موجود، وهذا من صلب مسؤوليات الجيش». صحة تسريبات ونوّه العريضي بموقف فنيش، وأكد -كما نقلت عنه المصادر- ضرورة التصرف بحكمة تقديراً للظروف الراهنة للبلد «لأن الحكمة تقتضي منا التعاون لتطويق أي مشكلة أمنية قبل حصولها بدلاً من أن نلجأ الى بث السموم وتوجيه الاتهامات للآخرين، ولا نعرف نحن ماذا نقول. ولا أظن أن أحداً يقف ضد الحزم والتشدد لكن لا بد من أن تكون هناك معايير واحدة وموحدة لحفظ الأمن». وتوقف العريضي مطولاً أمام تسريب المعلومات من حين الى آخر من خلال بعض وسائل الإعلام عن اكتشاف شبكات إرهابية أو توقيف مجموعات تقوم بتهريب السلاح، وسأل: «الى متى سنستمر في هذا الأسلوب؟ أليس من حقنا في مجلس الوزراء أن نحاط علماً بما يجري في هذا الخصوص بدلاً من أن نطلع عليه في الإعلام ومن ثم نكتشف لاحقاً أن معظم ما سرب ليس صحيحاً؟». وأضاف: «في السابق قيل الكثير، يا فخامة الرئيس عن توقيف مجموعات تقوم بتهريب السلاح وفوجئنا جميعاً، الى هذه الطاولة، في اجتماع المجلس الأعلى للدفاع برئاستك، أن للتهريب طابعاً تجارياً وليس سياسياً. فهل يجوز أن نطلق الاتهامات ونكتشف بعدها أن بعضها عارٍ من الصحة؟». وشدد في معرض حديثه عن الوضع المتأزم في طرابلس على أن «هذه المدينة محرومة ومتروكة، وأن هذا الفريق أو ذاك يلعب فيها من دعم المجموعات الإسلامية الى دفع الأموال بدلاً من أن توظف لتنفيذ مشاريع تنموية. إن طرابلس في حاجة ماسة الى احتضان وعندما تقع الواقعة نرى أن البعض انكفأ ونقوم بتحميل المسؤولية للآخرين». وزاد أن «الحل الأمني ضروري لطرابلس لكنه ليس الوحيد، ولا يحل مكان الحل السياسي والتنموي، وجميعنا يعرف تركيبة الجيش اللبناني، وأنت يا فخامة الرئيس من موقعك كقائد سابق للجيش أعلم به، لكن لا بد من العودة الى ما حصل في مخيم نهر البارد، ولولا الطائفة السنية الكريمة وقياداتها لما تمكن الجيش من إنهاء البؤر الأمنية والإرهابية وبالتالي تحقق الانتصار». وأضاف: «إن هذه الطائفة لم تغير رأيها ولا مصلحة لنا في إطلاق الاتهامات وإلا نكون قد ظلمناها، وما المصلحة في أن يقوم البعض برفع شعارات ضد هذه الطائفة واستهدافها بلا سبب؟ ولماذا لم نحاكم الموقوفين الإسلاميين حتى الساعة؟ وما المانع؟ وكلنا يتذكر الموقف المسؤول الذي اتخذه الرئيس الشهيد رفيق الحريري فور اندلاع الأحداث في الضنية». وتابع العريضي: «ألم يكن الرئيس الحريري حينها في المعارضة واتخذ الموقف، بينما من كانوا على رأس السلطة ترددوا في اتخاذه. والآن الموقف نفسه يتكرر. سعد الحريري وفؤاد السنيورة لم يترددا في اتخاذ الموقف الداعم للجيش، وهما ساهما في تأمين الإجماع على إعادة الهدوء الى طرابلس. المشكلة لا تعالج بالتحدي ولا بتوزيع الاتهامات أو بالحديث عن الأمن بالتراضي». وقال: «سمعت كلاماً من بعض الوزراء عن الأمن بالتراضي، لكن الناس تسال عن معيار واحد لحفظ الأمن والاستقرار وتطلب أن يتصرف الجيش هنا كما يتصرف هناك. ولماذا التركيز على طرابلس، مع أننا نؤيد كل التدابير لوقف الفلتان، ولا يصار الى التركيز على ما يحصل في المناطق الحدودية بين لبنان وسورية ولا على منع الجيش من دخول بعض القرى في البقاع لتوقيف من اعتدوا عليه وعلى المواجهات التي قوبل بها عندما حاول مؤازرة قوى الأمن الداخلي لإزالة مخالفات البناء على الأملاك الخاصة والعامة». مجلس الوزراء اخر من يعلم وسأل العريضي عن صحة ما نشر في وسائل الإعلام من أن جهازاً أمنياً غربياً كان وراء المعلومات التي أدت الى توقيف الشبكة الإرهابية، وقال: «هل أن مجلس الوزراء هو آخر من يعلم ونقرأ كل شيء في الصحف؟ نحن لا نعترض على التنسيق، لكن هل نلبي طلبات الأجهزة الغربية في وقت نتهم الغرب بالتآمر على لبنان وبتسليح المعارضة في سورية وبالضغط لإقامة ممرات إنسانية؟ ولماذا غياب التنسيق بين الأجهزة الأمنية؟ وأين دور القضاء؟». ثم قال وزير العدل شكيب قرطباوي إن دولة عربية تدخلت في قضية توقيف الشيخ القطري (عبدالعزيز بن خليفة العطية)، وإنه الآن موجود في المستشفى وستجرى مقابلة بينه وبين أحد الموقوفين من الشبكة (وتبيّن لاحقاً أن المواجهة حصلت أمس وأن الموقوف هو شادي المولوي). وهنا سأل العريضي: «لماذا أخرج الشيخ القطري وأعيد لإجراء مواجهة بينه وبين أحد الموقوفين؟». وتابع قرطباوي: «القرار الظني في الدعوى على الموقوفين الإسلاميين سينجز قبل نهاية الأسبوع وسيفرج عن بعضهم لأنهم أمضوا عقوبة تتجاوز الأحكام التي ستصدر بحقهم، فيما البعض الآخر سيحال على المحاكمة فوراً». أما في خصوص الإنفاق المالي، فإن مجلس الوزراء أخفق مرة جديدة في التوصل الى تسوية، وانتقد العريضي الطريقة المتبعة في معالجة هذه المسألة داعياً الى ربط كل تسوية بالأسباب الموجبة لتفادي الوقوع في أخطاء وقعنا فيها سابقاً، ومؤكداً أن وزراء «جبهة النضال الوطني» مع الإنفاق لتسيير أمور المواطنين، لكن لا بد من توفير الغطاء له بلا أي ثغرات وإلا لا نعرف الى أين نحن سائرون في ظل استمرار هذه المشكلة وكنا اقترحنا تسوية للإنفاق يوم حضر رئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط الى البرلمان. ونحن لا نتحمل مسؤولية ما حصل. إلا أن مجلس الوزراء فوجئ بموقف لوزير المال محمد الصفدي قال فيه بالحرف الواحد: «إن سلفة الخزينة للعام 2011 كانت مخالفة للقانون. هذا هو رأي وزارة المال». ولوحظ أن معظم وزراء «8 آذار» فوجئوا بموقف الصفدي، واضطر الوزير جبران باسيل الى الرد بأن طلب سلفات الخزينة لم يشكل مخالفة للقانون، فأجابه الصفدي: «هذا هو رأي وزارة المال». وأيد سليمان كلام الأخير مؤكداً: «أن هذا هو رأي الوزارة». واقترح الصفدي تخصيص 150 بليون ليرة لإنماء طرابلس فيما تحدث الوزير فيصل كرامي عن الحرمان الذي تعانيه المدينة، مبدياً تأييده، وإنما بهدوء، لبعض ما قاله عدد من وزراء «8 آذار». وقبل أن ترفع الجلسة، سأل العريضي عن صحة ما تناقلته أخيراً بعض وسائل الإعلام عن ربط تسوية الإنفاق المالي بإصدار التعيينات الإدارية، بمعنى أعطونا التعيينات وخذوا المخرج لتسوية الإنفاق. وحاول باسيل الرد على العريضي لكنه عدل عن ذلك استجابة لنصيحة من فنيش الذي سمعه عدد من الوزراء يقول له: «لا تردّ».