سوزان غولدنبرغ، مراسلة "الغارديان" في واشنطن، كتبت تقول ان "بوش مزّق خريطة الطريق ارباً". غولدنبرغ صحافية راقية تعرف موضوعها بعمق وعطف، ومع ذلك فقد سجلت من الحقيقة النصف الخاص بالفلسطينيين. أما النصف الآخر فهو ان الرئيس الأميركي دمّر مشاريع الاصلاح في الشرق الأوسط، كبيراً كان هذا أو صغيراً. الصحف على جانبي المحيط الأطلسي، بما فيها "الغارديان" و"الاندبندنت" في لندن، و"نيويورك تايمز" و"لوس انجليس تايمز" و"كريستيان ساينس مونيتور" في الولاياتالمتحدة، ومعها وكالتا "رويترز" و"اسوشييتدبرس" تحدثت عن الغضب العربي والشعور بالإهانة، بعد موقف بوش الأخير من النزاع العربي - الاسرائىلي، وتأييده مجرم الحرب آرييل شارون تأييداً أحمق لأنه يضرّ بمصالح الولاياتالمتحدة، وباسرائيل نفسها التي سيركب قيادتها الغرور، فتبتعد عن الحل الممكن ويزداد عدد القتلى ويشتد التدمير في دوامة عنف لا تنتهي. الرئيس مبارك قال ان الكره للولايات المتحدة في المنطقة بلغ حداً مخيفاً لم يعرف من قبل، والملك عبدالله ألغى زيارته البيت الأبيض. واذا كان الرئيس بوش يحرج أهم حليفين لبلاده في العالم العربي فإننا نستطيع ان نتصوّر مدى غضب الشعوب العربية كلها وضيقها بالعداء الأميركي لها. كل هذا واضح للقاصي والداني، باستثناء جورج بوش، فهو لا يزال يتحدث عن مشاريع الاصلاح، وعن الشرق الأوسط الكبير، بل انه يفكّر في دعوة زعماء عرب الى قمة الثماني للبحث في الاصلاح، كما يريد إثارة الموضوع داخل حلف الأطلسي، وفي اجتماعات الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي. الرئيس الأميركي لن يحقق شيئاً وهو يعادي 57 دولة عربية ومسلمة، ويفضّل عليها جميعاً اسرائيل. وقد ردّد معلّقون كثيرون في الأيام الأخيرة ما صرّح به الأخضر الابراهيمي، المبعوث الدولي الى العراق الذي قال ان الموقف الأميركي من القضية الفلسطينية يعقّد عمله في العراق. طبعاً كلاب اسرائيل نبحوا على أخينا الأخضر فوراً، غير ان وزير داخلية العراق، السيد سمير الصميدعي، الذي عينته السلطة الأميركية كرّر في اليوم التالي الكلام نفسه، وقال: "ان ما يحدث في فلسطين يعقّد أمورنا هنا". هل يعقل ان الرئيس الأميركي لا يدرك عواقب التزامه مجرم حرب من نوع آرييل شارون؟ يبدو ان بوش لا يرى ان محاولته مساعدة هذا السفاح ضمن الوضع الاسرائىلي الداخلي ستزيد العداء للولايات المتحدة في كل بلد عربي ومسلم، بما في ذلك العراق، أي ان أميركيين سيُقتلون نتيجة لهذه السياسة التي ستدمّر أيضاً عملية الاصلاح المطلوبة. المؤتمر الصحافي المشترك لبوش وشارون والرسالتان المتبادلتان، كارثة على فلسطينوالعراق واسرائيل والاصلاح. وقد قرأت كل المتوافر في الأسبوع الماضي، بما في ذلك تصريحات كولن باول وكوندوليزا رايس، والناطقين الأميركيين، وأيضاً تحليلات مراكز البحث، ووجدت عند بعض أنصار اسرائيل نقاطاً مشتركة، وروبرت ساتلوف وديفيد ماكوفسكي، من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، قررا ان رسالة بوش لا تبعد كثيراً عن المواقف المعلنة للرؤساء الأميركيين الذين سبقوه. وكان دنيس روس، رئيس المعهد، أقرب الى الحقيقة، فهو سجّل ان بوش لم يبتعد كثيراً عن السياسات السابقة الاّ انه لاحظ أيضاً ان تبادل الرسائل بين الولاياتالمتحدة واسرائيل، من دون وجود اتصال أميركي - فلسطيني متزامن، يعني استبعاد الفلسطينيين من التفاوض على حل قضيتهم. وسجّل مارتن انديك، رئيس المعهد الأسبق، رأياً إضافياً هو ان انسحاب اسرائيل من قطاع غزة يعني ان تحلّ الولاياتالمتحدة محلها، وهو فهم بهذا الشكل تعهد جورج بوش ان تقود بلاده جهداً دولياً لمساعدة المؤسسات الفلسطينية على مكافحة الارهاب، ولمنع المناطق التي تخليها اسرائيل من تشكيل تهديد. لن أرفض شيئاً من الأفكار السابقة، ولكن أزيد عليها من عندي: - بوش، بعدم العودة الى حدود 1949 ورفض حقّ العودة وبقاء المستوطنات، قَبِلَ شروط اسرائيل وألغى مبدأ الحل من طريق مفاوضات بين الطرفين كما وضعه أبوه في مدريد. - قبوله الاملاءات الاسرائىلية يعني أيضاً ان الدولة الفلسطينية لن تكون متواصلة، أو متصلة، وقابلة للحياة، كما قال هو نفسه في خطاب 24 حزيران يونيو 2002. - قوله "بالنظر الى حقائق جديدة على الأرض من غير الواقعي ان نتوقع ان نتيجة المفاوضات هي العودة الى خطوط الهدنة لسنة 1949" هو اجترار لعبارة "حقائق جديدة على الأرض" التي صاغها شارون ليبرّر البقاء في الأراضي الفلسطينية، مما يعني ان بوش ردّد موقف شارون. - الرسالة الأميركية لا تطلب شيئاً من اسرائيل على الاطلاق، وإنما كل الطلبات من الجانب الآخر، وهي تقول: أولاً ان على الفلسطينيين مقاومة الارهاب وتفكيك البنية التحتية للمنظمات الارهابية ومنع التحريض على اسرائيل، وثانياً تطلب من دول المنطقة كلها ما تطلب من الفلسطينيين، وعندما تصل الى "ثالثاً" واسرائيل، فهي تعطي اسرائيل حق الدفاع عن نفسها. لا أريد ان أتفلسف على القارئ غير انني أقول انه ربما كان أفضل ما في رسالة بوش انها سيئة جداً، فهي لا تغطي حقيقة الموقف الأميركي المعادي للفلسطينيين والعرب والمسلمين، بل تعرضه بوقاحة تهبط الى درك الإهانة، مما سيجعل رد الفعل أعنف، فربما تدفع ثمن مواقفها الى درجة ان تدرك الخطأ وتعمل على تلافيه، ثم تحدثنا عن الاصلاح.