مركز الملك سلمان للإغاثة ينظّم منتدى الرياض الدولي الإنساني الرابع فبراير المقبل    بلسمي تُطلق حقبة جديدة من الرعاية الصحية الذكية في الرياض    وزارة الداخلية تواصل تعزيز الأمن والثقة بالخدمات الأمنية وخفض معدلات الجريمة    "مستشفى دلّه النخيل" يفوز بجائزة أفضل مركز للرعاية الصحية لأمراض القلب في السعودية 2024    وزارة الصحة توقّع مذكرات تفاهم مع "جلاكسو سميث كلاين" لتعزيز التعاون في الإمدادات الطبية والصحة العامة    أمانة جدة تضبط معمل مخبوزات وتصادر 1.9 طن من المواد الغذائية الفاسدة    نائب أمير مكة يفتتح غدًا الملتقى العلمي الأول "مآثر الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- وجهوده في الشؤون الدينية بالمسجد الحرام"    السعودية تستضيف الاجتماع الأول لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب    المياه الوطنية: خصصنا دليلًا إرشاديًا لتوثيق العدادات في موقعنا الرسمي    ارتفاع أسعار النفط إلى 73.20 دولار للبرميل    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    أوروبا تُلدغ من جحر أفاعيها !    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    الطفلة اعتزاز حفظها الله    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صعود الشارونية وشروط اندحارها . إنجازات اسرائيل لا ترقى إلى انتصار استراتيجي ما دامت عاجزة عن فرض الاستسلام على الفلسطينيين 1 من 2
نشر في الحياة يوم 04 - 10 - 2004

تحفز الأحداث التي شهدتها فلسطين في تموزيوليو وآب أغسطس الماضيين، انطلاقاً من قطاع غزة، وامتداداً إلى مناطق مختلفة من الضفة وعنوانها الكبير: الإصلاح، على طرح أسئلة صعبة على الواقع الفلسطيني تتردد أصداؤها في موضوع فساد الأنظمة والحاجة الملحة إلى الإصلاح، على امتداد الواقع العربي، على رغم اختلاف العناصر التي يتشكل منها كل من الواقعَيْن. أما الأسئلة الفلسطينية فهي، على سبيل المثال:
1- كيف يمكن المحافظة على "مكاسب" مشروع سلطة ودولة، تكرست على الأرض وفي الرؤية العالمية، وفي الوقت نفسه المحافظة على حركة التحرير الوطني وإقامة جبهة وطنية تقود معركة التحرير ببرنامج وطني واحد، من دون الاصطدام بين المشروعين، ومن دون الاضطرار لإلغاء أحدهما كي يمكن المشروع الآخر أن يحيا ويستمر، ويعمل لتنفيذ برنامجه؟ وبكلام آخر، هل يتناقض، إلى درجة الاستحالة، وجود سلطة وحركة تحرير وطني في آن معاً؟
2 - هل تمكن إقامة حركة تحرير وطني ينبثق منها ائتلاف جبهوي من فريقي قوى المجتمع الفلسطيني الرئيسين في الداخل: الفريق القومي العلماني والفريق الإسلامي، تكون فوق السلطة الوطنية، وجزءاً من منظمة التحرير الفلسطينية التي يعاد إحياؤها؟
3 - كيف يمكن تحقيق الإصلاح في مجتمع يرزح تحت الاحتلال؟ وهل أسقط مشروع شارون خطة الانفصال كحل منفرد مشروع الدولة، وصار على النضال الفلسطيني ان يتحول إلى الدولة الواحدة على أساس الحقوق المتساوية لكل مواطن صوت أو الدولة الثنائية القومية؟
في غياب عربي لا مثيل له طوال نصف قرن ونيف من الصراع مع إسرائيل، نجح ارييل شارون في استفراد فلسطين وشعبها فدمر وقتل وشرد وسجن من دون رادع سوى كفاح الشعب الفلسطيني وصموده ومقاومته.
ونجح شارون في بلورة موقف أميركي تمثل في "وعد بوش" الذي يخدم مشروع شارون لتصفية القضية الوطنية الفلسطينية، ويندرج في إطار الاستراتيجية الأميركية لإعادة صوغ المنطقة العربية ودمجها في مشروع الشرق الأوسط الكبير، بديلاً من المشروع القومي الذي بلغ ذروته في التاريخ العربي المعاصر مع جمال عبدالناصر، ثم أمعن في التقهقر عبر هزيمة 1967، والحرب في لبنان 1975 1990، والصلح المصري - الإسرائيلي عام 1989، وحرب تدمير العراق بعد غزو نظام صدام حسين الكويت 1990 - 1991، وحرب احتلال العراق ومشروع تغيير خريطة الشرق الأوسط 2004.
استهدف "وعد بوش" العمود الفقري للقضية الفلسطينية: الشعب، والأرض، والالتزام العربي، عبر:
1- الغاء حق العودة: "توطين اللاجئين الفلسطينيين في دولة فلسطين بدلاً من توطينهم في إسرائيل.
2 - اقتطاع جزء كبير من الضفة الغربية وضمه إلى إسرائيل، ما يقضي على مشروع الدولة الفلسطينية: "... من غير الواقعي أن نتوقع أن تكون نتيجة المفاوضات النهائية عودة كاملة إلى خطوط الهدنة لعام 1949...".
3 - الضغط لتطبيع العلاقات العربية - الإسرائيلية بصرف النظر عن التوصل إلى تسوية فلسطينية - إسرائيلية: "... على كل دول المنطقة مسؤوليات تتمثل في... أن تبدأ من الآن في التحرك نحو إقامة علاقات أكثر طبيعية مع دولة إسرائيل..." الاقتباسات من رسالة الرئيس جورج بوش إلى رئيس وزراء إسرائيل آرييل شارون، في 14/4/2004.
وأضيفت "الثوابت" الجديدة في السياسة الأميركية إلى "الثوابت" القديمة المعروفة: الالتزام القوي بأمن إسرائيل من دون تعيين أي حدود لها" حماية تفوقها النوعي على الدول العربية مجتمعة بما في ذلك انفرادها بامتلاك سلاح نووي في الشرق الأوسط" اعتبار القدس الموحدة عاصمة إسرائيل. وأصبحت هذه الثوابت كلها جزءاً من السياسة الأميركية إزاء الشرق الأوسط. فإضافة إلى إدارة بوش الجمهورية تبناها الحزب الديموقراطي في برنامجه السياسي الذي سيخوض على أساسه جون كيري الانتخابات الرئاسية المقبلة. التزام سلامة حليفتنا إسرائيل. المحافظة على تفوقها النوعي وحقها في الدفاع عن النفس. القدس عاصمة إسرائيل ويجب أن تبقى غير مقسمة. حل قضية اللاجئين الفلسطينيين من طريق السماح لهم بالإقامة في دولة فلسطين. من غير الواقعي أن نتوقع من المفاوضات حول الوضع القانوني أن تؤدي إلى العودة الكاملة إلى خطوط الهدنة لسنة 1949 من برنامج الحزب الديموقراطي الأميركي ص 9 موقع وزارة الخارجية الأميركية على الانترنت - 29 تموز 2004. حقق شارون كل ذلك، ويخطط لابتلاع الضفة الغربية على مراحل: في مرحلة أولى، يوسع "الجدار" حدود إسرائيل، ويقيم سداً فاصلاً بين "الحضارة الغربية" و"البربرية العربية والإسلامية". ويقضي على وحدة "المجتمع الفلسطيني" وتواصله في ما يتبقى من الضفة ويحوّل مدنها إلى معازل محاصرة تخنقها المستعمرات، والطرق الالتفافية الخاصة بالمستوطنين، والحواجز العسكرية. ويتطلع شارون بذلك إلى تجفيف سبل العيش في هذه المعازل والهجرة المتدرجة والصامتة، ما يمهد الطريق لجيل إسرائيلي لاحق لاستكمال مشروع الضم الكامل للضفة الغربية. ويعتقد شارون أن الصدى الإيجابي الذي أحدثه قراره بخروج إسرائيل من قطاع غزة من دون الدخول في تفاصيل الإجراءات المرافقة لهذا الخروج مثل السيطرة الإسرائيلية على منافذ القطاع براً وبحراً وجواً، والاحتفاظ ب"حق" العمل العسكري الوقائي، والرد على عمليات المقاومة إلخ. ما يحوّل المنطقة التي يفترض أنها تحررت إلى سجن، يساعده على إرساء أسس ثابتة لمشروعه الذي يتناغم ويتعاضد مع الحرب الأميركية على "الإرهاب"، على أمل أن ينتهي الشق الإسرائيلي من هذه الحرب، بهزيمة المقاومة الفلسطينية، وبالقضاء على حلم الوطن الفلسطيني المستقل، وتشتيت الفلسطينيين، وإعادتهم من جديد إلى غياهب النسيان.
لكن شارون وصل متأخراً عقوداً عدة. فحركة التحرير الوطني الفلسطيني التي قادت المرحلة المعاصرة من كفاح الشعب الفلسطيني منذ أوائل الستينات من القرن الماضي، نفخت الحياة في وحدة الشعب، في الداخل والخارج، وأوقدت جذوة قضيته، وصار حضوره يضاهي حضور إسرائيل نفسها في الساحة العالمية، كما صارت القضية الفلسطينية والحق الفلسطيني أقوى من وقائع الاحتلال الإسرائيلي وأكثر شرعية ورسوخاً في ضمير شعوب العالم، ومنظمات حقوق الإنسان في الغرب بما في ذلك الولايات المتحدة. وآخر انتصارات هذا الحق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد جدار الفصل العنصري 20/7/2004 المستند إلى فتوى أعلى هيئة قضائية دولية محكمة العدل الدولية - لاهاي 9/7/2004.
إن إنجازات شارون، على أهميتها، لا ترقى إلى تحقيق انتصار استراتيجي، ما دامت عاجزة عن فرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني، وتعيين قيادة توقع اتفاق إذعان ينهي القضية الفلسطينية، ويريح إسرائيل ويتيح لها الاستمتاع بنسج علاقات واسعة مع الدول العربية والعالم، ويخفف عن بعض الإسرائيليين من وطأة التشكيك ب"ديموقراطيتهم"، ويحرر بعضهم الآخر من عقدة الذنب التي تمس ب"أخلاقياتهم" وتشوب "طهارة" سلاحهم.
أدرك شارون أنه عاجز عن إنهاء الانتفاضة، لا في مئة يوم، كما وعد، ولا في نحو أربع سنوات، هي الفرصة التاريخية النادرة التي حظي بها وقد لا يتاح مثلها في أي حقبة زمنية مقبلة. فقد تماثلت معه الإدارة الأميركية الأكثر ولاء لإسرائيل في تاريخ العلاقات بين البلدين. وحظي في الجانب الفلسطيني بقيادة لم تتسم دائماً بالكفاية والدينامية الفاعلة في مختلف مراحل إدارة الصراع، ومورست أشكال من العمل المسلح الفلسطيني كان من السهل التشهير بها على أنها "إرهاب" وإدراجها بعد 11/9/2001 ضمن المعركة الشاملة على "الإرهاب العالمي" بقيادة جورج بوش وإدارته الليكودية. وهكذا منح شارون تفويضاً مطلقاً بتصفية منظمات المقاومة باعتبار أنها منظمات إرهابية تهدد إسرائيل، حليف الولايات المتحدة وذراعها القوية في الشرق الأوسط. بل ان القوة الأعظم حمت تجاوز شارون التفويض باستخدام القوة المفرطة لتصفية حركة المقاومة، إلى التواطؤ على تدمير البنية التحتية للسلطة، ودك أسس المجتمع الفلسطيني ومختلف أوجه حياته وتواصله. وتكفلت الدولة الأعظم بشل الدول العربية ومنعها من تقديم دعم فاعل ومؤثر للشعب الفلسطيني في أوج محنته. وبدا العالم العربي "جماهير" متناثرة ومذعنة طوعاً، أو قسراً، وأنظمة يشلها الخوف على مصيرها ومستسلمة لإملاءات واشنطن التي لا تفتأ تخيّرها بين نموذجين: العراق أو ليبيا.
واستمع شارون في مؤتمرات هرتسليا الدورية وخارجها إلى علماء الديموغرافيا الإسرائيليين ينذرون، بإجماع آرائهم، بأن التوازن السكاني، في فلسطين التاريخية، سيختل لمصلحة العرب في أقل من عقدين من الزمن. وأن نماذج 1948 و1949 وحتى 1967 للتهجير القسري، لم تعد مقبولة في عالم القرن الحادي والعشرين، وأن فلسطينيي هذا العصر اكتسبوا مناعة ضد الطرد والتهجير مهما بلغت أشكال الاضطهاد والتنكيل والإفقار، مثلما هو قائم حالياً أمام أنظار العالم كله.
وقد أدهش رجل الاستيطان الأول في إسرائيل العالم حين أعلن أنه سيخلي قطاع غزة، وسينفصل عن العرب ويقيم جداراً يقي الإسرائيليين هجمات "الإرهابيين" وعملياتهم الانتحارية. وثمة من خدع بمبادرة شارون "الخلاقة" وأدرجها ضمن الجهود التي يمكن أن تصب في "خريطة الطريق". وثمة من تواطأ مع شارون وهو يدرك حقيقة المشروع وأغراضه التوسعية، مثل الرئيس بوش وليكوديين آخرين في إدارته. فالجدار يلتهم الأرض الفلسطينية ويقسم القرى والبيوت، ويلتف حول القدس ليقطع أي اتصال بينها وبين بقية مدن الضفة وبلداتها، في وقت تمضي آلة شارون العسكرية في عمليات الاغتيال وهدم البيوت واعتقال كل من تحوم حوله شبهة المقاومة، وعزل التجمعات السكانية الفلسطينية عن بعضها بعضاً بالمستعمرات ومئات الحواجز العسكرية والإسمنتية.
ويتبلور مشروع شارون على الشكل الآتي:
1- توسيع حدود إسرائيل بضم نحو نصف مساحة الضفة الغربية.
2- الجدار والاستيطان ينهيان موضوع القدس ويجعلان الحديث عن تقسيمها في اية مفاوضات مقبلة لغواً لا طائل منه.
3 - جعل الحياة شبه مستحيلة في المعازل الفلسطينية المغلقة، فكأن على كل مدينة أن تكون دولة قائمة بذاتها، لها مدارسها وجامعتها، ومشفاها وإدارتها وخدماتها وعليها أن توفر الأعمال لأبنائها. وهو شرط تعجيزي الغرض منه فتح الباب أمام النزوح الطوعي فقر وبطالة ومداهمات عسكرية إسرائيلية ليلاً ونهاراً واعتقالات ومنع تجول إلخ..
4- قطاع غزة هو وطن الفلسطينيين، وإذا ضاق بكثافتهم السكانية فبإمكانهم التمدد باتجاه مساحات من صحراء سيناء الملاصقة للقطاع.
5- الأردن خيار آخر للفلسطينيين إذا شاؤوا.
6- إنجاز مرحلة متقدمة من المشروع، لا مانع من بدء مفاوضات مع "شريك فلسطيني" يعثر عليه شارون في الوقت الملائم.
وبهذا يكون شارون حقق طموحه في متابعة ما أنجزه بن غوريون عام 1948 ودخل تاريخ الحركة الصهيونية كواحد من كبارها.
ومع أن الصحافة الإسرائيلية تتناول الخيارات البديلة للفلسطينيين في غزة وسيناء والأردن من دون حرج، فإن الرئيس بوش لا يتوقف عن إعلان شروطه لعودة المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية وهي مطالبة الفلسطينيين بالإصلاح وتغيير قيادتهم ووقف كل أشكال "الإرهاب" ضد الإسرائيليين حتى ولو كانوا جيشاً نظامياً ومستوطنين مسلحين في الأراضي الفلسطينية ولا يمل ترداد إعلان شعار إقامة دولة فلسطينية تعيش بسلام إلى جانب إسرائيل، من دون أن يضيف أي توضيح في شأن هذه الدولة، بل على العكس، فإن "وعده" لشارون جرد القضية الفلسطينية من عناصرها الأساسية، وأجاز له المضي في إرساء "حقائق الأمر الواقع" وعلى رأسها جدار الفصل العنصري الذي يخترق عمق الأراضي الفلسطينية ويسبب المآسي الحياتية لمئات الألوف من الفلسطينيين، والأهم من ذلك أنه يلغي حدود إسرائيل على "الخط الأخضر" كما رسمته اتفاقية الهدنة الأردنية الإسرائيلية عام 1949.
وفي مقابل شبه إجماع عالمي قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المستند إلى فتوى محكمة العدل في لاهاي يمضي شارون في تنفيذ مشروعه بدعم غير محدود من حلفائه المخلصين في إدارة الرئيس بوش، غير آبهين بالعزلة التي تحيط بهم في هذا الموضوع ما داموا مطمئنين إلى أن منطق القوة أقوى من منطق العدالة والحقوق المشروعة. وإذا كان قصر نظر بعض اليمين الإسرائيلي وغلوه في تقويم قدراته لا يمكّنه من "إدراك" بُعد النظرة التاريخية لآرييل شارون، فإن البعض الآخر لليمين قوى دينية وعلمانية والوسط شينوي و"يسار" شمعون بيريز حزب العمل يؤمّنون لشارون أكثرية إسرائيلية تدفع باتجاه تحقيق مشروعه.
في هذا الوقت الذي يشكل فرصة جديدة لاستنهاض فلسطينيي الداخل والشتات وإعادة الروح والحياة إلى الشعوب العربية، للاستقواء بالدعم العالمي للحق الفلسطيني مهما طغى استبداد القوة، انفجر الوضع في غزة، وخيم على فلسطين شبح الفوضى والحرب الأهلية والاحتكام إلى السلاح العشوائي، مفسحاً في المجال لمزيد من التضليل الشاروني إزاء الرأي العام العالمي وكأن لسان حاله: أرأيتم؟ إن الجدار ضروري لحمايتنا وبالتالي لحماية الحضارة الغربية وكلما توسعت الرقعة التي يحميها هذا الجدار كلما ضاق الخناق على "الإرهاب" تمهيداً للقضاء عليه. ومع ذلك ليس مفهوماً منطق قيام إحدى منظمات المقاومة في اليوم التالي لقرار محكمة العدل الدولية في لاهاي بإهداء شارون عملية انتحارية داخل إسرائيل.
يستحق الشعب الفلسطيني قيادة أفضل، وإدارة شفافة وفاعلة تخفف من معاناته في مختلف شؤون حياته اليومية وتساعده على الصمود. وإني لارتعد لمجرد التفكير بأن مسؤولاً فلسطينياً يسرق مال هذا الشعب المجاهد الصابر المضحي، ليعيش حياة مترفة متمتعاً بالتسهيلات الإسرائيلية مصدقاً أنه هو VIP، علماً أن المقاومين الشرفاء هم وحدهم VIP تحت الاحتلال وفي السجون الإسرائيلية، أو أن موظفاً يزيد من معاناة هؤلاء الناس بعرقلة أعمالهم أو إهمال معاملاتهم، تقاعساً، أو جهلاً، أو طمعاً برشوة.
ألم يكن من واجب القيادة الفلسطينية، سلطة وفصائل، أن تتوقف بعيد الحدث الأميركي العالمي المِفْصَل 11/9/2001 لدرس أو مناقشة ما يفرضه هذا الحدث، وتداعياته اللاحقة، من إعادة تقويم سياساتها المباشرة، وأساليب نضالها، وخطابها، وتكتيكاتها؟ هل فوتت الفرصة عندما استمرت في ممارساتها بتلقائية تثير الاستغراب، وكأن شيئاً لم يحصل؟ ألم يؤد ذلك إلى ارتكاب أخطاء أساءت إلى المسيرة النضالية للشعب الفلسطيني وأثرت سلباً في ما كان ينبغي أن تحصده من نتائج؟ إن الفرص متاحة دائماً للذين يملكون العقل والإرادة والكفاية والعزيمة. وهي صفات يزخر بها الشعب الفلسطيني في الداخل وفي الشتات، ومن الغريب ألاّ تحشد هذه الكفايات جميعها في مركز الصراع في أكثر مراحل النضال الفلسطيني مصيرية وحسماً.
وليست أحداث غزة والضفة فرصة جديدة للتصحيح فحسب، بل هي أيضاً - وربما الأهم - إنذار. فهل يدرك الذين يتحملون مسؤولية قيادة الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة، ما ينبغي أن يقوموا به فوراً ومن دون تردد أو مماطلة؟
عودة إلى الأسئلة
أردنا في هذا العرض أن نبين حجم الخطر الذي يمثله مشروع شارون على القضية الفلسطينية، وعلاقة مواجهة هذا المشروع بإصلاح مؤسسات السلطة، وبتعبئة طاقات الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وحشد دعم عربي وعالمي. ولا تهدف العودة إلى الأسئلة المطروحة في أول هذا المقال إلى صوغ أجوبة عنها، فالأجوبة عند الشعب الفلسطيني بمختلف فئاته وتنظيماته وقواه الفاعلة وقياداته، ولكن لتوسيعها وتعميقها وسبر جوانبها المختلفة. فمواجهة المشروع الشاروني وإحباطه يفرضان تعبئة كل إمكانات الشعب الفلسطيني الفكرية والثقافية والسياسية والمالية والنضالية، في الداخل والخارج، مدعومة من قوى عربية وعالمية منظمة تحسن توظيف الدعم وتوسيعه باستمرار من خلال كسب مساحات نشاط جديدة، وضم قوى إضافية إلى صفوفها.
* مدير مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.