وقعت هذه القصة منذ سنوات، أيام كان النظام المصري شمولياً وكان الاقتصاد موجهاً يتربع على عرش القطاع العام. كان الزمن يشير الى قرب اقتراب العيد الكبير، وهو العيد الذي يذبح فيه المسلم خروف العيد. كنا مجموعة من الأصدقاء، وكان الحديث يدور عن خروف العيد وكان القطاع العام قد قرر ذلك العام منافسة القطاع الخاص، وطرح خروف قطاع عام لا تمكن منافسة أسعاره. وتساءل أحدنا عن الفرق بين خروف القطاع الخاص وخروف القطاع العام، وتصدى صديق يساري الاتجاه فقال ان الفرق هائل، انه الفرق بين الاستغلال والرفق، بين الاستحالة والإمكان، ان الخروف البلدي أو خروف الفلاح يصل سعره إلى 600 جنيه أما خروف الحكومة فيبدأ من 120 جنيهاً ولا يزيد على 200 جنيه. قال صديق يميني الاتجاه: لاحظوا أن لحم الخروف البلدي يختلف عن لحم الخروف الحكومي المستورد، ان البلدي يؤكل أما الآخر ففي طعمه شك وفي أكله شكوك. احتدم الصراع بين اليمين واليسار على نوعية اللحم، وكان واضحاً أن أصحاب الاتجاه الارستقراطي الذين يأكلون اللحم ويفرقون بين أنواعه كانوا أقلية في المجلس، كان واضحاً أن الفقر العام هبط بالذوق العام فلم يعد هناك من يميز البلدي عن الأفرنجي، وصار المعيار الوحيد للحكم على الأشياء هو سعرها، إذا كان رخيصاً كان طعمها حلواً، وإذا كانت غالية كان طعمها سيئاً. ووسط هذا الجو استقر رأي صديقنا ن على شراء خروف الحكومة، كان أخوف ما يخافه أن يكون هذا الخروف محتاجاً الى نفوذ للحصول عليه، لقد وصل الخروف إلى أيدي البيروقراطية، وهذه لا تعرف الرحمة... ولكنه كان مخطئاً. ذهب الى وزارة التموين التي استوردت خروف القطاع العام فوجد تسهيلات لم يكن يتخيلها ابداً. وخرج من الوزارة وهو يسحب الخروف من رقبته. حينما وصل الى بيته كانت المشكلة الاولى التي واجهته هي أين يضع الخروف. عرض على البواب ان يضع الخروف فوق السطوح، ولكن البواب انبأه ان ليس هناك سطح، فقد بناه صاحب العمارة على اساس انه شقة جعل السطح حديقتها وأجّرها لناس مستغلاً ازمة المساكن. قال صاحبنا للبواب: هل تحتفظ به عندك حتى يأتي العيد فنذبحه؟ قال البواب ضاحكاً: اين اضعه يا سعادة البك، ان عندي ثمانية ابناء ونحن نسكن في غرفة واحدة ولا مكان بيننا لعود كبريت، ثم انني لا اضمن ان لا يأكل أبنائي الخروف حياً ويحرجوني مع سيادتك. بعد هذا الرفض المهذب، لم يجد صاحبنا امامه الا ان يحمل الخروف الى بيته، وقاوم الخروف صعود السلالم فاضطر للاستعانة بالبواب، اخيراً وصل الى بيته، كانت زوجته نائمة فوضع الخروف في "البلكونة" وجلس يتفرج على التلفزيون وكان البرنامج سخيفاً فنعس قليلاً، ثم استيقظ على صوت صرخة قصيرة. بحث عن مصدر الصوت واتجه الى "البلكونة"، وهناك وجد زوجته تقف أمام الخروف وقد سمرها الرعب. قالت له: ما الذي جاء بهذا الكلب هنا. قال الزوج: ليس هذا كلباً، إنما هو خروف العيد، وقد اشتريته لك وكل سنة وانت طيبة. قالت الزوجة: هذا الحيوان لا يشبه الخروف. قال الزوج: اقسم بالله العظيم ان هذا خروف، وهو خروف القطاع العام اي انه خروف ميري. قالت الزوجة: الخروف له "ليّة" وهذا له ذيل كالكلاب، والخروف يقول "ماء" وهذا لا يقول شيئاً... انه يكح فقط، ثم ان وجهه يشبه وجه الجحش لا الخروف، يجب ان يخرج هذا الحيوان من البيت على الفور، لقد ضحكوا عليك وباعوك جحشاً صغيراً على انه خروف. اسمع... إذا بات هذا الجحش في البيت فلن أبيت فيه، اختر بيننا... انا او الجحش... هذا بيت محترم وليس زريبة للبهائم. وتصاعدت حدة الحوار بين الزوج والزوجة، وكلمة من هنا وكلمة من هناك واشتعل الموقف بين الزوجين، وكاد خروف القطاع العام ينسف الأسرة لولا انصياع الزوج وتراجعه ولم يبت الخروف في البيت، وخرج مهزوماً يهز ذيله.