عندما تقرأ عزيزي القارئ سوانح اليوم تكون أيام عيد الأضحى الأربعة قد انقضت.. وذُبح من الأضاحي ما شاء الله لها أن تُذبح.. ممن يرجو ويريد الأجر من الله.. بالرغم من ارتفاع أسعار الخرفان في هذا العيد.. وثمة حركة دؤبة في الماضي القديم تحدث بعد ذبح الأضاحي في مثل هذه الأيام.. على جميع الأصعدة.. فالنساء يكن مشغولات بفائض اللحوم (تشريحاً وتمليحاً) ليتم نشرها على الحبال في غرف جيدة التهوية مخصصة لعمل (القفر) اللذيذ.. والقفر للذي لا يعرفه هو لحم الخِراف المملح والمجفف.. يُعرف في الحجاز ومصر بالقديد والبسطرمة.. وقد ذقت الاثنين.. إلا أن القفر يظل الأفضل طعماً.. خاصة مع المرقوق (والرغيد) ما علينا.. وطريقة حفظ اللحم بإضافة الملح طريقة معروفة عالمياً وعلمياً من مئات السنين.. وقد درسناها في مادة طب المجتمع (كوميونتي مدسن) قبل أربعة عقود من الزمان أو تزيد.. وحتى الأطفال والصبية (أيام زمان) يكون لهم عيد الأضحى فرصة ذهبية للحصول على الكثير من (الكعابة) لزوم لعبة الكعابة المشهورة آنذاك.. وفي الحجاز يُسمون لعبة الكعابة (الكَبش) ولا تخلو بيوتنا الطينية في الماضي من مضاربات (طفولية) إن تصادف وجود كعب في وجبة الغداء أو العشاء.. فيترك الولد أو الصبي الأكل مشيراً إلى الكعب بقوله (حلي به) إذا كان على السفرة أكثر من ولد يهتم بجمع الكعابة.. ولا بأس من ذكر قصة حدثت لي مع ابن الجيران في المعيقلية قبل خمسة عقود من الزمان أو تزيد.. فبعد ذبح أضحيتنا قامت الوالدة حفظها الله بإعطائي رجل الخروف لأُعطيها جيراننا الملاصق بيتهم لبيتنا (ذواقة) وبعد دقائق قليلة خرج ابن الجيران وهو ينادي باسمي قائلاً: سلمان لقينا في لحمتكم (صولة) وهو كعب كبير يُستعمل في ضرب وتصويب بقية الكعابة الأصغر والمصفوفة في الدائرة أثناء لعب الكعابة.. فأمسكت بتلابيبه وأنا أقول: رجع الصولة.. فالخروف في الأصل خروفنا.. وانا عطيناكم اللحمة فقط.. أما الصولة فيجب عليك أن تعيدها لي.. وتطور الأمر إلى مضاربة تدخل فيها الكبار.. ولا أدري إلى الآن وبعد مرور تلك العقود من السنين.. من احتفظ بالصولة.. ماعلينا ولي صديق كثير السفر.. ويحب إذا سافر أن يأكل مما تأكل الطبقة الشعبية.. وعندما كان في إندونيسيا سمعهم يرددون كلمة (الدن دن) على أكلة يحبونها.. فطلبها ليأكلها.. فلما أُحضرت له ليأكلها.. وجدها لحماً ناشفاً مقدداً.. طعمه لذيذ يجمع بين القفر والخلع.. وأقول إن القفر عرفه القراء من شرحي عن القفر.. أما الخلع.. فأقول إنها قطع صغيرة من إلية الخروف يتم قليها.. ونقوم بأكلها متلذذين بطعمها الذي لا يُنسى.. وهي تقرمش (كريسبي) وكل عام وأنتم بخير.. وإلى سوانح قادمة بإذن الله. *مستشار الطب الوقائي في الخدمات الطبية.. وزارة الداخلية