تجري في الكنيست السادسة عشرة محاولة جدية لإعداد دستور شامل للدولة اليهودية في مرحلة سيطرة اليمين على الكنيست وعلى لجنة القانون والدستور. وفي نظر اليمين فإن أهم مهمات الدستور، الجاري إعداده، تعزيز تعريف يهودية الدولة. ويشارك في تغطية هذه المحاولة أكاديمياً وإعلامياً حملة"من أجل دستور يعكس اجماعاً"التي تشنها المؤسسة النخبوية التي تعقد مؤتمرات هرتسليا السنوية وهي"المعهد الاسرائيلي للديموقراطية". وقد أجرت هذه المؤسسة أخيراً استطلاعاً للرأي العام بين المواطنين العرب في الداخل تحاول بواسطته بنهج الوصاية على الممثلين العرب، الذي يتبعه الليبراليون الاسرائيليون عادة، أن تفسر للممثلين العرب المنتخبين رغبة جمهورهم المعبر عنها في الاستطلاع بضرورة المشاركة العربية في سن الدستور من خلال الموافقة على يهودية الدولة في الدستور مقابل المساواة الكاملة في الحقوق كصفقة تاريخية. طبعاً لم يوضح الاستطلاع للمستطلعين التناقض الكامن بين المساواة ويهودية الدولة، كما لم يوضح لهم أن اليمين والمتدينين سيكونون العامل الحاسم في تعريف سميك وثخين جديد ليهودية الدولة التي اقتصر تعريفها حتى الآن على كلمة في بداية القوانين الاساس. وهي بداية لم يوافق عليها العرب بل فرضت عليهم، كما فرض البند 7 أ من قانون الكنيست والذي سيعارضه العرب لو تم التصويت عليه من جديد، كما عارضوه في السابق. ولا يجيز هذا البند لحزب لا يعترف باسرائيل كدولة يهودية وديموقراطية أن يخوض الانتخابات البرلمانية. الانقلاب الدستوري الحالي الذي يتم الإعداد له حالياً في اسرائيل هو انقلاب يميني وليس ليبرالياً، على عكس انقلاب التسعينات. وتجري محاولة لضم العرب الى هذه العملية باعتبار ان الدستور هو كلمة ايجابية لديهم. فقد اعتبرت الدعاية العربية خطأً عدم وجود دستور نقصاً في القانون الاسرائيلي ودليلاً الى توسعية اسرائيل وعدم تحديد حدودها، وهذا كلام فارغ ومكرر من دون معرفة لأسباب عدم سن دستور في هذا البلد. والحقيقة ان الدستور سيثبت عناصر ايديولوجية وتاريخية مختلف عليها. والساعي الاساسي الى تثبيتها هو اليمين الاسرائيلي في صراعه الدائم مع المقولة الديموقراطية الليبرالية بأن الدولة لمواطنيها، وبدرجة ثانية مع ليبرالية المحكمة العليا في الإطار الصهيوني. ومهما فصّلنا في أصول ومصادر وديناميكية تطور الديموقراطية الاسرائيلية يبقى سياق تطورها هو السياق الصهيوني. الاتفاق على هدف الدولة كدولة اليهود، وكدولة يهودية تهدف إلى تجميع الهجرات الصهيونية، وما يترتب عن ذلك هو أساس الديموقراطية الإسرائيلية. إنه أساس الانسجام الذي يعوض عن فقدان التاريخ الديموقراطي وفقدان البنية القومية، فهدف بناء الأمة والأدوات التي توفرها الدولة لذلك يخلق الوحدة والانسجام اللازمين لتحمل التعددية والديموقراطية، ويمنع تحولها إلى حرب أهلية طائفية الطابع مثلاً. الصهيونية، وليس المواطنة، هي وعاء الديموقراطية اليهودية، وهي عائق تطورها في آن. فهي في ساعات الأزمات تحديداً لا تعدو كونها ديموقراطية داخل القبيلة. لا يمكن فصل يهودية الدولة العبرية إذاً عن ديموقراطيتها، حتى لو كانت في نص قانوني. فمن الناحية القانونية لم يرد المصطلح المزدوج كتعريف لدولة إسرائيل إلا في القوانين الأساسية الدستورية الطابع المتأخرة جداً."قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته"من العام 1992 حيث ورد في هدف القانون ما يلي:"بند 8أ: هدف هذا القانون الأساس هو الدفاع عن كرامة الإنسان وحريته من أجل تثبيت قيم دولة إسرائيل كدولة يهودية وديموقراطية في قانون أساس."وأيضاً في"قانون أساس: حرية العمل أو اختيار المهنة"من العام 1992، حيث ورد في هدف القانون"بند 2: هدف قانون الأساس هو الدفاع عن حرية اختيار العمل ومن أجل تثبيت قيم دولة إسرائيل كدولة يهودية وديموقراطية." واضح أن الثقافة السياسية الصهيونية السائدة تستشعر خطر توسع تعريف مفهوم الديموقراطية في القانونين الأساسين المذكورين: قانون حرية وكرامة الإنسان، وقانون حرية العمل واختيار المهنة، وذلك لأن هذا التوسع الليبرالي الطابع قد يأتي في النهاية على حساب أن الدولة دولة الشعب اليهودي، أو قد يؤدي في تفسيراته إلى تفسير ديموقراطية الدولة بتناقض مع"جوهرها"essence,nature ، أو"هويتها" identity، أو شكلها وشخصيتها character . أي أن هنالك حساً غريزياً لا يعبر عنه دائماً بشكل صريح، بوجود تناقض بين صهيونية الدولة وتوسع ديموقراطيتها بالاتجاه الليبرالي الذي يؤكد على حقوق المواطن مثلاً. ولذلك، في رأينا, وبغرض إزالة أي لبس عن عملية تشريع القوانين الدستورية الطابع، أصبح وجود العبارة المؤلفة من هاتين الكلمتين"يهودية وديموقراطية"شرطاً لسن أي قانون أساس في الكنيست. لا تكتفي إسرائيل بعد أكثر من نصف قرن على قيامها بالاعتراف بها كدولة ذات سيادة، بل تطالب بالاعتراف بطابعها القومي- الديني. وقد ورد المطلب، بل الشرط الإسرائيلي الأخير، في سياق النقاش في الحكومة الإسرائيلية على ما يسمى ب"خارطة الطريق". وقد قدمت لإسرائيل رسمياً يوم 30 نيسان من العام 2003، وناقشتها الحكومة الإسرائيلية يوم 25 أيار، ولم تقبل الحكومة هذه الخطة الأميركية ولا حتى رسمياً، بل قبلت ب"الخطوات المترتبة عن الخارطة"، مشروطة بأربعة عشر شرطاً. وحتى هذا القرار جاء بغالبية 12 ضد 7 وزراء. وجاء في الشرط السادس:"المطالبة بتنازل فلسطيني عن كل ادعاء بحق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى داخل إسرائيل يُطلَب من الفلسطينيين أن يعلنوا أن إسرائيل دولة يهودية في إطار التصريحات الافتتاحية المطلوبة من الزعماء في بداية خارطة الطريق". ولا شك إذاً أن مطالبة إسرائيل الاعتراف بيهوديتها جاء على خلفية مطالبة الفلسطينيين بالتخلي عن حق العودة قبل التفاوض، وليس على خلفية النقاش حول قرار التقسيم إلى دولتين، ولا على أساس النقاش الجاري بين المتدينين والعلمانيين حول يهودية الدولة، أو النقاش الذي أثاره التيار القومي الديموقراطي في الداخل حول دولة المواطنين. وهكذا تجري حالياً محاولة ليبرالية صهيونية لإشراك المواطنين العرب في إسرائيل في صفقة تاريخية تتضمن موافقتهم على يهودية الدولة في الدستور المزمع سنّه. هكذا فقط تغلق الحلقة. يرتكز قانون العودة الإسرائيلي الى أن إسرائيل غايةً ومنطلقاً هي دولة الشعب اليهودي، هذا ما يؤكده قانون العودة عملياً وينطلق منه، ويصنعه في الواقع. وكذلك حال وثيقة الاستقلال من قبله. وقد وافقت عليها المحكمة العليا كقاعدة دستورية للدولة عندما منعت حركة الأرض من خوض الانتخابات على لسان القاضي اجراناط:"ليست دولة إسرائيل دولة مستقلة ذات سيادة فحسب، وإنما أقيمت كدولة يهودية على أرض إسرائيل، لأن عملية إقامتها تمت أولاً وقبل كل شيء بفعل حق الشعب اليهودي الطبيعي التاريخي في أن يعيش، مثل أي شعب، مستقلاً في دولته ذات السيادة". والفقرة منسوخة تقريباً من وثيقة الاستقلال الإسرائيلية التي تحولت هنا إلى وثيقة ذات قيمة دستورية. وقد أكثر قضاة المحكمة الإسرائيلية العليا من الاستناد إلى هذا الاقتباس في تبريراتهم لقراراتهم بشأن أية قضية يبحث فيها الموضوع قبل أن تشرع الكنيست العام 1985 لمفهوم دولة الشعب اليهودي مانعة الحزب الذي ينفيها في أعماله أو أقواله ضمناً أو علناً من المشاركة في الانتخابات النيابية، وقبل أن تتبنى الكنيست مفهوم الدولة اليهودية الديموقراطية كبند متكرر في قوانينها الأساسية منذ العام 1992. ومن بين الاستخدامات المختلفة التي راجت لهذا الاقتباس في المحكمة العليا الإسرائيلية إلى حين وجدت الكنيست حاجة لتشريعه، نعثر على كلام دقيق لدى قاضي المحكمة العليا دوف لفين بشأن الالتماس ضد قرار لجنة الانتخابات المركزية السماح للقائمة التقدمية للسلام بخوض الانتخابات. كان القاضي لفين من بين قضاة الأقلية الذين صوتوا مع إبطال قرار لجنة الانتخابات المركزية بالسماح للقائمة التقدمية بخوض الانتخابات البرلمانية للعام 1988: "جوهر الدولة هو أنها دولة يهودية، نظام الحكم فيها هو نظام ديموقراطي". الجوهر إذاً يهودي ونظام الحكم، أي شكل الدولة، ديموقراطي. ويذهب القاضي الليبرالي باراك أبعد من ذلك ليضع النقاش بين اليمين واليسار، وبين الليبراليين والمحافظين في إسرائيل في إطار الأيديولوجيا نفسها. يقول القاضي باراك مقتبساً زميليه دوف لفين ومناحيم ألون من القرار نفسه أعلاه:"نحن دولة شابة فيها شعب قديم عاد إلى وطنه. دولة إسرائيل هي تحقيق تطلعات الشعب اليهودي منذ أجيال لتجديد تاريخه القديم، بداية الخلاص، تحقيق الرؤيا الصهيونية. عميق هو الرابط الديني القومي والتاريخي السياسي بين شعب إسرائيل وأرض إسرائيل، وبين الدولة اليهودية والشعب اليهودي". لاحظ أن القاضي باراك يشرع الرؤيا الخلاصية المسيانية في الصهيونية، ويؤكد على أن الرابط الصهيوني هو في الواقع ديني سياسي، وأنه لا فرق لديه في الواقع بين التعابير"دولة يهودية"و"دولة صهيونية"و"دولة اليهود". والموضوع أساسي وحاسم ليس فقط من أجل تحديد طبيعة الجماعة القومية التي تعتبر إسرائيل دولتها كدولة قومية بالمفهوم الصهيوني، وإنما أيضاً من ناحية حق المواطنة فيها. فقانون العودة من العام 1950 ينص بشكل واضح: "بند 1: من حق كل يهودي أن يهاجر إلى البلاد". "بند 4: يتم التعامل مع كل يهودي هاجر إلى البلاد قبل سريان مفعول هذا القانون، وكل يهودي ولد في البلاد قبل سريان مفعوله أو بعده، كأنه هاجر إليها بموجب هذا القانون. 4 أ حقوق اليهودي بموجب هذا القانون، وحقوق المهاجر بموجب قانون المواطنة من العام 1952، وأيضاً الحقوق الممنوحة للمهاجر اليهودي بموجب كل تشريع آخر، تمنح أيضاً لابن وحفيد اليهودي ولزوج ابن وحفيد اليهودي، ما عدا من كان يهودياً وغيَّر دينه بإرادته. 4 ب لغرض هذا القانون، اليهودي هو من ولد لأم يهودية أو تهوّد وهو ليس تابعاً لديانة أخرى". يقول بن غوريون في معرض تبريره لقانون العودة أمام الكنسيت أن"حق اليهودي بما هو يهودي بالعودة الى وطنه"سابق على القانون، بل على الدولة والكنيست. وليس بإمكان قانون إسرائيلي أن يلغيه. بعد ذلك فقط تبدأ الشعوذة الكلامية للتوفيق بين هذا"الحق"ومبدأ المساواة. فالمساواة برأيه في الدولة، ولكن هذا"الحق"سابق على الدولة أخذاً في الاعتبار أن الرجل يتحدث عن قانون تسنه دولة هو رئيس حكومتها وهو يتحدث في برلمانها. لا بد من اعتبار هذا الكلام نوعاً من الميتافيزيقيا السياسية أو السحر والشعوذة."هذا الحق هو الذي بنى الدولة، ويكمن مصدره في الرابط التاريخي الذي لم ينقطع بين الشعب والوطن. وقد أقر قانون الشعوب بهذا الحق في الواقع...". والمقصود بقانون الشعوب بالطبع وعد بلفور وتبنيه في صك الانتداب. أما إذا كان قرار التقسيم هو المقصود بإقرار قانون الشعوب القانون الدولي بهذا الحق، فصحيح أن القرار المذكور يستخدم مصطلح"الدولة اليهودية"و"الدولة العربية"في فلسطين، لكنه يؤكد على مواطنة المقيمين في كل دولة، ما داموا لم يتقدموا بطلب مواطنة في الدولة الأخرى لأنها تعبر عنهم وطنياً. وبموجب قرار التقسيم، لا فرق بين مواطنة العربي واليهودي في الدولة اليهودية، وكلاهما تشتق من إقامتهم في المنطقة التي أقيمت فيها الدولة، لا بفعل"حق عودة"ولا بفعل رابط تاريخي، ديني أو غير ديني، لم يتوقف... وكما هو معلوم لو لم يتم تشريد العرب من الدولة اليهودية طبقاً لخطة التهجير وهدم القرى العربية التي كان من المفترض أن تكون في حدود الدولة اليهودية بموجب قرار التقسيم لشكل العرب ما يقارب 45 في المئة من سكان الدولة اليهودية. أما كيف تم توفيق ذلك مع تعريفها كيهودية، فلا يبدو أنه كانت هنالك حتى محاولة لتبرير ذلك. كان قرار إقامة الدولتين اليهودية والعربية سياسياً وليس أيديولوجياً أو فكرياً. وقد استغلته القيادة الصهيونية سياسياً بغرض تحقيق مشروعها الفكري أيضاً. ولا يمكن لصهيوني في عصرنا تخيل دولة يهودية نصف سكانها من الفلسطينيين. ولكن قادة المشروع الصهيوني قبلوا بهذا القرار في حينه. ومن المهم ألا نمرّ على تصريح بن غوريون أعلاه مرّ الكرام. فهذا التمييز بين عدم المساواة في الحق"على الدولة"وبين المساواة في"الحق في الدولة"هو ما يريدنا الليبراليون الصهاينة أن نقبله بقبول تعريف الدولة اليهودية دستورياً، وان يتم التشريع برضانا. وهو تمييز وهمي تماماً. فنظرياً هذا التمييز غير ممكن، وعملياً ثبت العكس. فالتمييز في الحق على الدولة أدّى الى تهجير الفلسطينيين بعد قبول قرار التقسيم، وأدّى أيضاً الى تمييز في الدولة برؤية من بقي من العرب داخل اسرائيل كعبء او كنتاج تسامح صهيوني. ومن ليس له حق على الدولة يعني ان وجوده فيها مسألة فيها نظر. ولذلك نجد بن غوريون نفسه يقترح في الفترة نفسها في جلسة كتلة مباي في الكنيست 15 كانون الثاني 1951، أي في نفس المبنى، أن تستغل اول مناسبة لطرد المواطنين العرب"لأنهم يريدون رمينا في البحر". هنا يسجل بن غوريون امتيازين: أولاً أنه هو، وليس كهانا، اول سياسي جدّي يدعو الى طرد المواطنين العرب بعد عام 1948، وثانياً انه ربما يكون اول من استخدم مصطلح"رمينا في البحر"في السياسة الإسرائيلية. على كل حال، انه الرجل نفسه، يتحدث عن المساواة في الدولة وليس على الدولة لمن يبقى فيها، ويدعو الى أن لا يبقى عرب فيها، قال ذلك بنَفَس واحد وفي العام نفسه. الممتع أكثر اننا نجد هذه الروح نفسها عند شارون كرئيس حكومة بعد نصف قرن إذ يميز في جلسة الكنيست بين الحق على البلاد والحق في البلاد على نمط بن غوريون نفسه. وعلى حد تعبيره توجد للمواطنين العرب حقوق في البلاد، وليس على البلاد. وهذا يعني بالطبع أن الحقوق القومية على الدولة هي حقوق يهودية وأن صاحب السيادة يمنح الحقوق في البلاد لمن ليس صاحب سيادة. وهذا يعني ان مفهوم المساواة غير ممكن، لأن مفهوم الحقوق معطوب أصلاً. وقد سبق ان تطرقنا الى ذلك بتوسع، ونتوسع في هذا كله أكثر في كتاب"من يهودية الدولة وحتى شارون". كانت يهودية الدولة هي الأداة التي جعلت بإمكان الدولة أن تسن القوانين الرامية إلى مصادرة أراضي العرب باعتبار أن الاستيطان اليهودي واستيعاب الهجرة هي قيم أساسية ولو تناقضت مع حقوق المواطنين غير اليهود، ومن ضمنها حقوق الملكية. وكانت يهودية الدولة أساس سن قانون الوكالة اليهودية والمنظمة الصهيونية العالمية من العام 1952 الذي يمنح هذين التنظيمين اليهوديين الدوليين مكانة خاصة، إضافة إلى ال"قيرن قييمت"، الصندوق القومي اليهودي، و"قيرن هيسود"وغيرها، ويمنحها على رغم أنها مؤسسات غير رسمية مكانة قانونية في مجالات تملك الأرض والاستيطان واستيعاب الهجرة، وهي مهمات تعبر عن يهودية الدولة بامتياز. لقد قدم للكنيست الخامسة عشرة 1999-2003 خمسة عشر قانوناً عنصرياً يجمها جميعاً السعي إلى تكثيف تعريف دولة اليهود أو يهودية الدولة. وأخيراً قدم اقتراح قانون يعزز منع العرب من الاستفادة مما يسمى"أراضي الدولة"، وهي التي تقوم عليها المدن والقرى اليهودية داخل الخط الاخضر. ولا حاجة للاسهاب في شرح مصدر اراضي دولة قامت على احتلال ومصادرة الارض العربية. وحتى الآن كانت اللجان التأسيسية ولجان القبول في المستوطنات التعاونية والأهلية الطابع يشوف كهيلاتي community yishuv تقرر قبول السكان في هذه القرى والبلدات قبل تأسيسها أو بعد التأسيس مباشرة. وكان مفروغاً منه أن العربي لا يستطيع السكن فيها، فقد أقيمت أصلاً بدوافع ولأهداف صهيونية على أرض العربي المصادرة. وقد غيّرت المحكمة العليا هذا الأمر أخيراً إذ أجبرت إحداها على قبول عربي في حالة واحدة وصلت حتى المحكمة العليا. وكان هذا المواطن العربي عبر عن رغبة بالاندماج في المجتمع الإسرائيلي وتحديداً في هذا النوع من المستوطنات داخل الخط الأخضر. ومنذ تلك الفترة أدى تقدم عرب بطلبات للحصول على أرض للبناء في إطار توزيع اراض لدائرة اراضي إسرائيل الى إلغاء مشاريع أحياء في بلدات مثل كرميئيل وغيرها. وقد استخدم بعضها، ولا يزال يستخدم الادعاء أن أراضي دائرة أراضي إسرائيل التي خصصت للبناء أفرزت لها على حساب"الصندوق القومي اليهودي"قيرن قييمت، ومن أملاك هذا الصندوق. وتترك التفاصيل لقضايا المحاكم، المهم بالنسبة الينا هو الانتباه الى حقيقة تاريخية مهمة، أن إسرائيل كدولة لا تزال في مرحلة تاريخية تحدد فيها العلاقة الحقوقية بين الفرد والدولة ليس بموجب المواطنة بل بموجب معيار الانتماء الى شعب - دين، أي إلى هوية جمعية محددة. وهي المرحلة التاريخية نفسها التي يُطلب من العرب فيها الموافقة على أصل هذا المعيار ومصدره، وهو يهودية الدولة في فصل خاص في الدستور. وأخيراً حاول اليمين اختصار هذا النقاش في قانون ينص صراحة كالآتي:"لا يستطيع العربي السكن في مستوطنة أهلية يهودية". رفضت المستشارة القضائية للبرلمان طرح هذا النص على طاولة البرلمان باعتباره عنصرياً، وأصرّت على تغيير نص القانون إلى:"لا يعتبر تخصيص أراض من دائرة اراضي اسرائيل لغرض اقامة مستوطنة أهلية صغيرة تمييزاً حتى لو اقتصرت اقامتها على اسكان أبناء قومية معينة". هآرتس 12/ 10/ 2004 تفاعلت عناصر عديدة في تشكيل هذه الفضيحة ويهمنا منها تلبيس العنصرية الصريحة والمباشرة التي يقوم عليها نظام الحكم وايديولوجيته في اسرائيل بعمومية اللفظ القانوني وحياديته التي تجنبه اللغة العنصرية الواضحة. لقد صودرت غالبية ساحقة من اراضي العرب بواسطة قوانين لا يرد فيها إطلاقاً لفظ عرب او عربي، لكن كان واضحاً ان هذه القوانين التي سنّت في الخمسينات وبداية الستينات استهدفت إيجاد أدوات قانونية لمصادرة الأراضي العربية كما يليق ب"دولة قانون". وهكذا فمن الواضح ايضاً ان المقصود ب"ابناء قومية معينة"في القانون بعد أن أهِّل ليوضع على طاولة البرلمان هو اليهود، والمستثنى هو العرب، إذ لا تقام في اسرائيل بمبادرة الدولة مستوطنات عربية! وينص اقتراح القانون المذكور على أن تخصيص أراض لمستوطنة مقتصرة على ابناء قومية معينة لا يعتبر تمييزاً لكي لا يستطيع مواطن الاستئناف ضد قرارات دائرة أراضي إسرائيل وضد المستوطنة نفسها بحجة التمييز، فالتمييز يعتبر قانونياً بموجب هذا الاقتراح. قامت اسرائيل حتى الآن بسن قوانين عنصرية بألفاظ عامة. ووجدت نفسها أخيراً"مضطرة"لذكر العرب بشكل صريح في قانون يميز ضدهم، إذ ورد ذكر"سكان الضفة الغربية وقطاع غزة"عينياً في قانون سن لمنع منحهم اقامة داخل إسرائيل بواسطة الزواج او غيره. الوحشية في المناطق المحتلة هي وحشية كولونيالية في زمن المواجهات وكل دولة محتلة تطور عنصرية لكي تمارس هذا الشكل من القمع الاحتلالي العسكري. ولكن العنصرية التي تهمنا هنا والمذكورة أعلاه ليست عنصرية المواجهة العسكرية بما فيها من قمع وعنف جسديين، بل هي عنصرية قائمة في زمن السلم وزمن الحرب، باحتلال وبدون مناطق محتلة، ويتعايش معها اليمين المتطرف ومدَّعو الليبرالية ومدَّعو اليسارية الذين قد يعارضون القمع الاحتلالي ومظاهره الوحشية. لا نستطيع باسم أهل البلد الأصليين إسباغ شرعية تاريخية على البنية التي ولدت كل هذا. * كاتب عربي.