سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مستشار الاسد يحذر من "قنبلة موقوتة" في قلب الاقتصاد ... ويؤكد ان الشراكة الاوروبية "اطار مثالي" للحل . نبراس الفاضل ل"الحياة": اصلاح القضاء غير ممكن من دون بعد سياسي ... ولا بد من معالجة جريئة
اكد الدكتور نبراس الفاضل مستشار الرئيس السوري للشؤون الاقتصادية ان الاصلاح القضائي "غير ممكن من دون بعد سياسي"، لافتاً الى ان الدستور السوري للعام 1972 يضمن "استقلال السلطة القضائية عن بقية السلطات التنفيذية والتشريعية والسياسية وعدم تدخل الانتماء الحزبي في تعيين القضاة ونقلهم وترفيعهم"، مشدداً على ضرورة "معالجة حازمة وجريئة لممارسات خاطئة تراكمت وترسخت في العقود الماضية". وقال الفاضل في حديث الى "الحياة" ان المؤشرات الاقتصادية التي تسير في "شكل معاكس تماماً لما هو مطلوب" في السنوات المقبلة تشكل "قنبلة موقوتة في قلب الاقتصاد والمجتمع السوري" الامر الذي يتطلب حلولاً موضوعية ل"ابطال مفعول" هذه القنبلة. وبعدما اكد مستشار الاسد ان اتفاق الشراكة الذي يوقع بالاحرف الاولى في بروكسيل في 19 الشهر الجاري تشكل "اداة استراتيجية للاصلاح والتنمية" وتوفر "اطاراً مثالياً لبرنامج العمل المطلوب وخلال الفترة الزمنية الملائمة لخصوصية الاقتصاد السوري"، حذر من ان "مهارة سورية وحدها في استخدام هذه الأداة وإيجاد التوازن بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية هي التي ستحدد مقدار الفائدة التي ستجنيها منها". وفي ما يأتي نص الحديث: تحدث الرئيس بشار الأسد في افتتاح مؤتمر المغتربين عن "عقبات" أمام "خطة الإصلاح الطموحة"، ما هي أهم هذه العقبات؟ - ضعف الجهاز التنفيذي في شكل عام، وغياب ثقافة المصلحة العامة في مختلف مستويات الهرم الإداري يشكلان عقبتين أساسيتين ليس أمام التطوير فحسب بل أمام تسيير أعمال الدولة العادية واليومية. في الحقيقة، العقبة الاهم على المدى القصير أمام نيات الإصلاح هي عدم وجود برنامج متكامل وشامل ومعلن للحكومة يترجم الرؤية المستقبلية لسورية في الأعوام المقبلة وكيفية مواجهة التحديات الخطرة التي ستعترض مسيرة التنمية. البعد الاقتصادي هو جزء من المشكلة إلا أن البعد التنظيمي للدولة والإدارة والبعد القضائي والاجتماعي والسياسي لا تقل أهمية. وكلها أمور مترابطة ومتداخلة تحتاج إلى معالجة في إطار منهجي ومهني مناسب يجب أن يضمن الاطار مشاركة وطنية واسعة. فتحديد مستقبل البلد ليس حكراً على أي جهة وهو مسؤولية الجميع وله انعكاساته على الجميع. على المدى المتوسط، العقبة الأهم هي نقص الخبرات والكفاءات كماً وكيفاً اللازمة لترجمة البرامج إلى واقع وعدم قدرة الإدارة على "إنتاج" هذه الكوادر من داخلها بالسرعة اللازمة. هذا يعني بالضرورة جلب هذه الكفاءات من خارج الإدارة وفي شكل اوسع من خارج البلاد ما يتطلب آليات جديدة لتطعيم الإدارة بالكوادر وتكاليف مادية عالية. قيل أن إحدى العقبات عدم وجود آلية لتنفيذ التوجهات والقرارات العليا. هل توافق على ذلك؟ - الآلية الموجودة هي الادارات الحكومية التي تشرف عليها الحكومة. المطلوب هو تحسين قدرتها على المتابعة والانتقال من العقلية "التسييرية" إلى العقلية القيادية، ومن سياسة "إطفاء الحرائق" إلى سياسة البناء والإنجاز. ولمتابعة العمل الحكومي وتنفيذ التوجهات أو القرارات الاستراتيجية يمكن أن نتصور تشكيل "فريق متابعة" مرتبط برئاسة الجمهورية أو بالأمانة العامة للحكومة. لكن المتابعة والمحاسبة ستبقيان صعبتين إذا لم نعتمد لكل موضوع مهم أهدافاً ومهمات ومنهجاً وخطة عمل زمنية وصلاحيات وإمكانات واضحة ومتفق عليها بين الأطراف المعنية. هذا هو الأساس ونقطة البداية السليمة التي يجب أن ننطلق منها. احدى توصيات مؤتمر المغتربين الاول إنشاء "هيئة عليا لإدارة الإصلاح"، وهو امر تحدثت عنه سابقاً. هل من توضيحات وتفاصيل عن الآلية والأهداف؟ - من المفيد أن المؤتمر سلّط الأضواء على هذا الموضوع. انني مقتنع بضرورته من حيث المضمون اذ سبق وقدمت منذ أشهر مقترحات هيكلية وعملية لتحقيق الهدف نفسه، أعني قيادة الإصلاح وإدارته، في إطار مشابه. لست متأكداً من أن صيغة الهيئة هي الصيغة المناسبة، لكن عوامل النجاح الأهم تتعلق بالدعم السياسي، وبالإمكانات المادية والبشرية الموضوعة تحت تصرف البنية، وبالتنسيق والتكامل مع أجهزة الدولة خصوصاً مع رئاسة مجلس الوزراء. لا أريد أن أخوض في التفاصيل أو أن استبق القرارات التي قد تتخذها الدولة في هذا المجال. لكني اعتقد أن هذه البنية هي المكان الطبيعي لإنجاز برنامج الإصلاح الشامل الذي تحدثنا عنه والذي طالب به مؤتمر المغتربين. هل صحيح أن "مشروع الإصلاح الإداري" استهدف خلق هذه الآلية؟ - نعم. بطبيعة الحال مشروع الإصلاح الإداري تضمن توصيفاً لكيفية قيادة عملية الإصلاح الإداري واقترح حلولاً مشابهة لما ذكرناه سابقاً. جرى تغيير وزيري الاقتصاد والصناعة. هل يمكن القول ان الوزيرين الجديدين "إصلاحيان"؟ -الممارسة والإنجاز على رأس وزارتهما هما اللذان سيحددان ذلك وليس السيرة الذاتية السابقة. فالأكاديمي أو الخبير الإصلاحي والمتميز ليس بالضرورة إدارياً أو قيادياً ناجحاً. الوزراء هم على رأس جهاز الدولة التنفيذي ومهمتهم في شكل عام هي تنفيذ سياسات الدولة وخططها. هذا يتطلب أن تكون هناك سياسات وخطط واضحة لمختلف القطاعات. بعض الوزارات يمتلك بعض القدرة على صياغة السياسات والخطط والبعض الآخر يحتاج إلى المساعدة وتغطية العجز في القدرات والكفاءات. من هذا المنظور، الصناعة والاقتصاد هي من الوزارات التي ليست في وضع تحسد عليه بالمقارنة مع غيرها. يحتاج تقويم الأداء إلى مرجعية ومعايير. ومن المفيد أن تحدد لكل وزير في بداية مهمته الأهداف والأولويات التي يجب أن يركز عليها وهذا يمكن أن يأخذ مثلاً شكل رسالة خطية من رئيس مجلس الوزراء إلى كل وزير جديد. في بعض البلدان يصدر مرسوم رئاسي لكل وزير بعد فترة وجيزة من التشكيل الحكومي يتضمن المهمات والصلاحيات والإمكانات الموضوعة تحت تصرفه. حالياً المرجع الوحيد لذلك في سورية هو مرسوم إحداث الوزارة وأغلبها وضع منذ عقود ولا يمكن أن يغطي خصوصيات وأولويات المرحلة التي نعيشها. أخيراً، إن قدرة الفريق الاقتصادي الحكومي المال، الاقتصاد، الصناعة، التخطيط على العمل الجماعي والمنسجم والمنسق تلعب دوراً كبيراً في مدى النجاح الذي سيحققونه كأفراد وكمؤسسات، واتمنى لهم جميعاً التوفيق. بعد "الإصلاح الاداري" و"المناطق الاقتصادية الخاصة" و"اتفاقية الشراكة الأوروبية" و"مشروع الإصلاح المالي"، تعمل مع خبراء فرنسيين على الإصلاح القضائي. ما هي التوجهات لهذا المشروع؟ - بدأ المشروع في الربيع الماضي وتنص مهمة الفريق على مساعدة السلطات السورية على تحديد التوجهات الأساسية والأولويات في إصلاح الجهاز القضائي وتقديم اقتراحات عملية لتنفيذها. قام الفريق بزيارة استكشافية أولى في آذار مارس الماضي سمحت له بوضع تشخيص أولي وتحديد عام للمحاور التي سيتم التركيز عليها. ثم قام الفريق اخيراً بزيارة ثانية مطولة ومفصلة هدفها الاطلاع الميداني على عمل الأجهزة القضائية على مختلف اختصاصاتها. حالياً نقوم بإنجاز التقرير، ومن المفترض أن يقدم إلى السلطات السورية قبل نهاية العام. التوجهات الحالية تتعلق في شكل أساسي بالنواحي التنظيمية أولاً ومعالجة القضايا الجنائية ثانياً، وحل النزاعات التجارية والاقتصادية ثالثاً. زرت مع الوفد الفرنسي عدداً من السجون السورية القائمة وقيد التنفيذ. كيف وجدت حالتها؟ وهل هناك أي بعد سياسي لهذه الزيارة والإصلاح القضائي؟ - دعني أجيب في البدء على القسم الثاني من السؤال لأقول أن الهدف من زيارة السجون كان فنياً بحتاً وأتى في إطار تغطية سلسلة معالجة القضايا الجنائية بدءاً من قسم الشرطة ومروراً بقضاة التحقيق والإحالة وجلسات المحاكم ومرافعات الدفاع وانتهاء بتطبيق العقوبات في السجون. الملاحظة الثانية أن الفريق زار بالإضافة إلى السجون الحالية مشاريع السجون الجديدة والتي سيدخل بعضها قيد الاستخدام في الشهور المقبلة. بالنسبة لحالة السجون القائمة لا أريد أن استبق نتائج المهمة وأرجو أن لا تعتبر ذلك تهرباً من الإجابة. لكن كيف يمكن إصلاح القضاء من دون أي بعد سياسي؟ - من قال أن ذلك ممكن؟ لكن يجب أن نتوخى الدقة والوضوح ونبتعد عن العموميات العقيمة. فإذا كنت تقصد مثلاً استقلال السلطة القضائية عن بقية السلطات التنفيذية والتشريعية والسياسية وعدم تدخل الانتماء الحزبي في تعيين القضاة ونقلهم وترفيعهم فهذه أمور يضمنها الدستور. لكن هناك ممارسات خاطئة تراكمت وترسخت خلال العقود الماضية يجب تصحيحها بحزم وجرأة ولا اعتقد أن هناك خلافاً على ذلك من حيث المبدأ. أما إذا كنت تقصد كمثال آخر عدم وجود مرافعات شفهية في القضايا الجنائية التي قد تقتضي عقوبات سجن مؤبد أو إعدام فهذا أمر تنظيمي وفني بحت مخالف للقواعد الدولية القانونية المتعارف عليها يجب تصحيحه ولا أرى فيه بعداً سياسياً بالضرورة. هناك برود أو توتر سوري - فرنسي، لكن التعاون الفني مستمر. كيف يتم ذلك؟ - العلاقات بين الدول هي كالعلاقات بين الأفراد تتعرض للمد والجزر. والعلاقات السورية - الفرنسية تاريخية وأصيلة وهناك مصالح عميقة مشتركة ورؤية متقاربة حول مواضيع استراتيجية. والتعاون الفني يجسد عمق العلاقة واستمراريتها في الأوقات الصعبة. هذه العلاقات لها كبوة حالياً على المستوى السياسي وأنا واثق من أن الجهود ستتضافر في الوقت المناسب لتجاوزها بما فيه مصلحة الطرفين. هل توافق على الاعتقاد بأن باريس ستعرقل اتفاق الشراكة السورية - الأوروبية؟ - لست ضارباً بالرمل، لكن بصراحة لا اعتقد ذلك ولا أرى أين المصلحة الفرنسية في تعطيل التوقيع. اذا كانت هناك مشكلة فلا اعتقد أنها اكثر من مسألة توقيت آنية. الشراكة استغرقت أكثر من سبع سنوات من المفاوضات فأسبوع "بالزايد أو بالناقص" ليس دراماتيكياً. وفي كل الأحوال تم تثبيت تاريخ 19 الشهر الجاري موعداً للتوقيع بالأحرف الأولى في بروكسيل. أنت من دعاة ضرورة وجود التزام دولي لتحقيق الإصلاح وقلت بوجود مثالين: الأردن ومنظمة التجارة الدولية، تونس والشراكة. هل ترى الشراكة مع أوروبا عامل التزام لتنفيذ الإصلاحات في سورية؟ - تقصد الإصلاح الاقتصادي؟ مثلا؟ - العوامل التي تجعل الإصلاح الاقتصادي في سورية ضرورة حتمية هي في شكل أساسي داخلية بحتة. دعني أشرح باختصار المعطيات. المشكلة الأولى والأهم هي الضغط الكبير على سوق العمالة. هذا الضغط لن ينحسر خلال السنوات العشر المقبلة على الأقل. ويتطلب امتصاصه نسبة نمو حوالى ستة في المئة وهذا يعني مضاعفة نسبة النمو الحالية. في المقابل إن نضب الموارد النفطية وتحول سورية تدريجاً إلى مستورد صاف للطاقة النفطية يعني، إذا بقيت الأمور الأخرى على حالها، انخفاضاً في الناتج القومي أي في مستوى المعيشة وانخفاضاً أكبر نسبياً في موارد الدولة. اذاً، تسير المؤشرات الاقتصادية تلقائياً في شكل معاكس تماماً لما هو مطلوب وهذا بمثابة "قنبلة موقوتة" في قلب الاقتصاد والمجتمع السوري. أمامنا بضع سنوات فقط لإبطالها. الاحتياط الضخم ومستوى الدين المنخفض قد يعطينا "مهلة اضافية" بسيطة، ولكن لن يغير جوهر المشكلة. لست من هواة التهويل والمبالغة، لكن هذه حقيقة تستند الى معطيات موضوعية. ويتطلب الوضع تحولات جذرية في بنية الاقتصاد السوري سبق ان تطرقت إليها في مناسبات سابقة. وبدأت الدولة باتخاذ منحى جاد في هذا الاتجاه، لكننا في حاجة الى برنامج عمل واقعي ومتدرج وإطار زمني ملائم. هل اتفاق الشراكة يساعد على ذلك؟ - كل هذه المقدمة لأقول أن اتفاقية الشراكة وبالتحديد الفترة الانتقالية خلال السنوات المقبلة استعداداً لتطبيقها، توفر إطاراً مثالياً لبرنامج العمل المطلوب وخلال الفترة الزمنية الملائمة لخصوصية الاقتصاد السوري. اتفاقية الشراكة بما تتضمنه من استحقاقات وخطوات وتوجهات هي إلى حد كبير العمود الفقري لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المطلوب ولخطته الزمنية. أضف إلى ذلك أنه يحمل توقيع الدولة والتزاماتها. الفرصة إذاً تاريخية بكل معنى الكلمة. ما هي منعكسات ذلك سياسياً واقتصادياً على سورية؟ - أذكر ويذكر معي زملائي في الوفد المفاوض في ربيع العام الماضي عندما كلفت بمتابعة الموضوع، درجة الإحباط الكبيرة لدى الطرفين السوري والأوروبي بعد سنوات من المفاوضات. إن إعلان الوصول إلى اتفاق في نهاية 2003 وتجاوز الصعوبات التي ظهرت لاحقاً والتوقيع قريباً هي إنجازات كبيرة يحق لكل سوري أن يعتز بها. وهذا الإنجاز لم يكن ممكناً لولا دعم الرئيس بشار الاسد ورعايته المباشرة. مع هذا الإنجاز ترسل سورية إلى الداخل والخارج رسالة أنها تقبل بالقواعد الحديثة للتعامل الاقتصادي العالمي وأنها لا تخشى العولمة وقادرة على أن تستخلص منها ما يفيدها وترفض ما يسيء لها ولقيمها ولثوابتها. باختصار ترسل رسالة ثقة بالنفس وبالمستقبل. في الوقت نفسه من الخطأ الاعتقاد أن للشراكة آلية ذاتية تحقق انعكاسات إيجابية وتحل مشاكل تنموية تلقائياً بمجرد توقيعها. الشراكة ليست أكثر من أداة استراتيجية للإصلاح والتنمية. مهارة سورية وحدها في استخدام هذه الأداة وإيجاد التوازن بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية هي التي ستحدد مقدار الفائدة التي ستجنيها منها.