على رغم أن الحكومة السورية اتخذت قراراً استراتيجياً، بدخول مفاوضات رسمية لتوقيع اتفاق شراكة مع أوروبا يؤدي الى ازالة الحواجز الجمركية والعقبات الواقفة أمام تدفق البضائع في الاتجاهات كافة واقامة منطقة تجارة حرة متوسطية تجمع الاتحاد الأوروبي ودول جنوب المتوسط، إلا أنها تدرك أن ذلك سيؤدي الى عقبات اجتماعية واقتصادية كبيرة. والأهم أنها تعطي أولوية للبعد الأول، الأمر الذي دفعها في الأعوام الأخيرة الى اتباع سياسة تدرجية في تحرير الاقتصاد بعد انهيار الكتلة الشرقية الحليف الأساسي اقتصادياً وسياسياً لسورية، بهدف تجنب الآثار الاجتماعية اذا أمكن تخفيف مساوئها الى الحد الأدنى. أي أن السياسة الاقتصادية تقوم على تخفيف النتائج السلبية طالما ان تلافيها أمر صعب في ظل العولمة الاقتصادية وتطبيق معايير "منظمة التجارة العالمية" W.T.O على الشركاء الدوليين. لذلك فإن اختيار دمشق دخول العولمة عبر البوابة الأوروبية جاء على خلفية الآمال المعقودة على أمور عدة منها: دعم أوروبا للموقف السياسي للطرف العربي، وتقديم الاتحاد الأوروبي مساعدات مالية وتقنية الى المؤسسات السورية، وتدريب بعض الاداريين للتكيف مع التغيير الجديد، مع الحفاظ على خط دقيق وحساس بالنسبة الى السوريين وهو عدم التدخل في السياسة الاقتصادية الوطنية، وهو الأمر الذي يراعيه الأوروبيون. وأفضل مثال على ذلك، مشاركة الاتحاد الأوروبي في تطوير القطاع المصرفي العام مع أن الدول الأوروبية مقتنعة بعدم كفايته وضرورة السماح للقطاع الخاص والمصارف الأجنبية بفتح فروع لها في سورية. ويعتبر الاتحاد الأوروبي العميل التجاري الأول لسورية، إذ تستورد منه نحو 36 في المئة من وارداتها وتصدر اليه 60 في المئة من صادراتها في العام 1995 بلغت قيمتها 44.5 بليون ليرة سورية حسب سعر الصرف الرسمي البالغ 11.25 ليرة للدولار منها 87 في المئة صادرات نفطية. ويصدر السوريون 38 في المئة من الصادرات الزراعية الى دول الاتحاد الأوروبي. وقبل البدء في المفاوضات الرسمية التي سيدشنها رئيس المفوضية الأوروبية جاك سانتير خلال زيارته التي تبدأ اليوم الأربعاء، كشفت المفاوضات التمهيدية عمق الهوة بين الموقفين ومدى الآمال التي يعقدها الخبراء السوريون على اتفاق الشراكة، وطول المسافة التي ستقطعها المفاوضات الرسمية في ضوء تلك الفجوة. ومن خلال جلسات التفاوض الأولية التي ستتكرر في شكل رسمي في السنتين المقبلتين مدة المفاوضات، والمعلومات التي توافرت ل "الحياة" عن تلك الجلسات يمكن تقديم الحوار الآتي بين الطرفين لاعطاء فكرة عن مسيرة المرحلة المقبلة. الطرف السوري: طالما ان الاتفاق تضمن نصاً يقضي بازالة الرسوم والقيود الكمية، الأمر الذي سيلحق ضرراً كبيراً ببعض الصناعات السورية المحمية لعدم قدرتها على منافسة البضائع الأوروبية. هل يمكن استثناء بعض الصناعات السورية من شرط التحرير الكمي الفوري واعطاء الوقت الكافي لمواجهة المنافسة؟ - الطرف الأوروبي: في ظل اتفاقات الشراكة يفضل استعمال طريقة أخرى غير القيود الكمية لحماية النشاط الاقتصادي وذلك بواسطة "التعرفة". ويمكن استثناء بعض الصناعات لكن يجب أن تكون محدودة ويتم التفاوض عليها، كما يجب أن يتم ذلك من خلال وضع برنامج زمني لالغائها. هناك مواد ممنوعة كلياً من الاستيراد بهدف حماية المنتجات المحلية مثل الأقمشة والأحذية والتلفزيون لأنها تنتج محلياً، هل يمكن الاستمرار في هذا المنع الاستثنائي في ظل الاتفاق؟ - يجب أن نتذكر ان المفهوم العام والتوجه الأساسي للاتحاد الأوروبي، تأسيس منطقة تجارة حرة اضافة الى أن الاتحاد الأوروبي ملتزم ب "منظمة التجارة العالمية". وعلى رغم ان سورية ليست عضواً في هذه المنظمة فاننا من جهتنا ملتزمون قوانينها وقواعدها. وعلى الجانب السوري الاطلاع على البند 24 من اتفاقية "غات" الذي نص على أن أي اتفاق شراكة يجب أن يفحص من قبل كل الأطراف المشتركة في منظمة التجارة الدولية للتدقيق ولمطابقتها بالاتفاق في ما يخص الدول الأعضاء اذ أنه في نهاية المرحلة الانتقالية يجب أن تكون جميع الرسوم الجمركية والقيود ملغاة. وهناك ثلاث طرق هي: أولاً، الغاء التعرفة والمنع. ثانياً، تحول تدرجي. ثالثاً، هناك مجال صغير لبعض الاستثناءات يجب أن لا تشمل قطاعات كثيرة. ويجب أن لا تكون لدينا قيود كمية وليس باستطاعتنا استثناء قطاع كامل. والحظر الكامل يمكن حصره فقط بما له علاقة بالكنوز الوطنية والصحة والمخدرات وليس بالمنتجات الصناعية. في حال الضرورة هل يمكن الابقاء بعد الفترة الانتقالية على بعض القيود الكمية والتعرفة أم لا؟ - في حال الاضطرار الشديد يمكن لسورية ذلك لكونها ليست عضواً في "غات" اما المجموعة فلا يمكنها ذلك لأنها عضو في هذه المنظمة. تشكل الزراعة عنصراً مهماً لسورية والقطاع الزراعي يشكل أهم المرتكزات الاقتصادية لذلك نحن مهتمون به والتعديل الهيكلي للزراعة في القطر يستغرق وقتاً طويلاً لذلك نرى ضرورة التعجيل في تطوير التبادل التجاري للمنتجات الزراعية في ظل الشراكة، ما هو رأيكم حول الاستعجال بالبدء بأسرع ما يمكن لجدولة تحرير التبادل الزراعي بدلاً من الفترة التي ذكرت في مشروع الاتفاق وهي خمس سنوات؟ - هناك مكونان لاتفاقية الشراكة مع دول أخرى هما: مفاوضات لتسهيل الوصول الى الأسواق الزراعية وهو فوري، والتزام ضمن الشراكة بمفاوضات لاحقة. إن موضوع الزراعة هو مكون رئيسي ومهم بالنسبة الى أوروبا كما هو لسورية ويجب أن يكون لدينا جهد ورغبة لتحسين التنازلات من الطرفين وإذا كان هناك بعض العقبات فيجب مناقشتها سوية وان فترة خمس سنوات هي ليست الزاماً بل هي فترة يمكن الاتفاق عليها. ان العديد من منعكسات الشراكة السلبية أو غير المرغوبة المحتملة من جهة ستظهر فور توقيع الاتفاق أو في المدى القريب ومن جهة ثانية يرجح وقوعها فعلاً، أما المنعكسات الايجابية فإن العديد منها من جهة سيظهر في المدى المتوسط أو البعيد ومن جهة وقوعها غير مؤكد والسؤال ما هي صيغ وأشكال وحجم المساعدات التي يمكن أن يقدمها الاتحاد الأوروبي لمواجهة هذا الوضع؟ - حول الفوائد والكلفة الحاصلة تحت ظل الاتفاقية فإن هناك فوائد على المدى القصير وأخرى على المدى البعيد ويوجد طرق للحصول على الفوائد على المدى القصير وهذا يتعلق بالشروط المسبقة ومسيرة الاصلاحات. في ما يتعلق بالنفقات والكلفة على المدى القصير يعتمد على كيفية تنظيم اتفاقية الشراكة وخاصة في ما يتعلق بنمط الغاء التعرفة وأثره على موارد الخزينة، فلدى سورية فترة انتقالية 12 سنة ويمكن أن يحصل الالغاء بشكل تدرجي يتيح امتصاص الصدمة وجعلها أخف، ثم هناك الاصلاحات في مجال التحديث الذي يمكن أن تقوم به سورية سواء في اطار البيئة الاستثمارية أو في تنظيم قطاع التجارة وتوحيد أسعار الصرف، الاصلاحات يمكن أن تخلق صدمات والموضوع يناقش في سورية ويمكن تقديم المساعدة من الطرف الأوروبي في هذا المجال. فور اعلان الاتفاقية سيسيطر على رجال الأعمال الخوف من محدودية الحماية والغائها. اننا نتحدث عن المساعدات في اطار ما هو معروف في العلاقات الاقتصادية الدولية وفي اطار ما تتطلبه اقامة الشراكة بين جانبين احدهما متقدم اقتصادياً والثاني نام اقتصادياً؟ - ان اتفاقية الشراكة يمكن أن تكون ضمن توجه تدرجي لمسألة انتقالية مما يعني اصلاحات وبعض التغيرات للقوانين الناظمة. بعض الأمور ضرورية جداً مثل توحيد سعر الصرف أو تحرير قطاع الأعمال بما في ذلك المصارف وكذلك تحديث المناخ الاستثماري، هذه الأمور هي شروط مسبقة لإنجاح الشراكة الأوروبية السورية، هذه الاصلاحات ستؤدي الى اعباء ولكن يجب أن يكون هنا تدرج معين في الاصلاحات. لا نتصور أن الاتحاد الأوروبي سيكون اللاعب الوحيد في هذه التغيرات فهناك "بنك الاستثمار الأوروبي" و"البنك الدولي" و"صندوق النقد الدولي" وكذلك الدول الأعضاء في الاتحاد، وهناك لاعبون آخرون يمكن أن يساهموا في الاستراتيجية وهناك سبل متأصلة موجودة لتحفيز الموارد وتعبئتها. ان "بنك الاستثمار الأوروبي" لديه حوالي 250 مليون يورو وحدة نقد أوروبية من البروتوكولات السابقة للتعاون مع سورية وأتصور سيكون لديه مبلغ مساوٍ له من موارد اتفاقية الشراكة وهناك مبلغ 55 مليون يورو في اطار برنامج "ميديا" رصدت منها مبلغ 35 مليوناً والباقي من أجل مدرسة ادارة الأعمال في سورية. هناك أيضاً مبلغ 100 مليون حتى نهاية 1999. الأوروبيون أشاروا الى أن البنك الأوروبي سيربط تقديم أي قروض الى سورية بوجوب حل مشكلة متأخرات القروض المستحقة الى المانيا الاتحادية التي تبلغ قيمتها نحو 900 مليون دولار أميركي. لكن نريد معرفة الصيغ وحجم المساعدات الفنية والمالية التي يمكن أن تقدم لتخفيف المنعكسات السلبية وللمساهمة في رفع القدرات التنافسية؟ - في مجالات تحديث الإدارة وإعادة هيكلة قطاع الأعمال وموضوع الصناعة والقطاع الاجتماعي وستحدد سورية القطاعات التي هي بحاجة الى مساعدة لتقليص هذه المنعكسات كي نقدم المساعدة. ان نائب رئيس المفوضية مانويل مارين وعد في مجلس الاتحاد السوري - الأوروبي في العام 1996 بمساعدة سورية في مجال الاصلاحات واننا ندرك المشاكل التي يمكن التعرض لها عند فتح السوق السورية. وسنعمل في مشاريع عدة تتعلق بإعادة هيكلة قطاع الأعمال في القطاعين العام والخاص ورفع مستوى الصناعة.