مؤتمر الجزائر الذي عقده أخيراً الاتحاد العام للكتّاب العرب لم ينجم عنه سوى التجديد للأمين العام علي عقله عرسان للمرّة الثالثة على رغم احتجاج عدد من أمناء الاتحادات العربية مثل اتحاد الكتّاب في فلسطين والمغرب والأردن والبحرين... ونزولاً عند رغبة هؤلاء الأمناء تمّ "استحداث" منصب جديد في الاتحاد العام وهو منصب الرئاسة وحلّ فيه رئيس اتحاد الجزائر عز الدين الميهوبي. وهكذا استطاع علي عقله عرسان الذي يتربّع على كرسيّ اتحاد الكتّاب السوريين منذ ربع قرن أن يجدّد لنفسه أيضاً أميناً عاماً لاتحاد الكتّاب العرب كاسراً قانون الاتحاد و"هازماً" حلم فاروق خورشيد رئيس اتحاد الكتاب المصريين وكان يأمل ب"كرسي" عرسان أولاً ثم بنقل مركز الاتحاد من دمشق الى القاهرة. ليس المهمّ التوقف عند هذه "الخزعبلات" التي يمارسها بعض الأمناء العامين في مؤتمرات الاتحادات، ولا عند إقدام علي عقلة عرسان على طرد وفد الكتّاب العراقيين من المؤتمر العربي العام متهماً اياهم ب"المزيفين" ومصرّاً على شرعية الأدباء البعثيين الذين استقالوا هم أنفسهم من "مدرسة" البعث العراقي، ولا أيضاً تهميش دور الوفد الفلسطيني الذي حمل الى المؤتمر مشروعاً اصلاحياً ظلّ حبراً على ورق... المهم هو المشهد "المأسوي" وربما الهزلي الذي ندّ عنه المؤتمر العربي وهو يمثل "الحالة" التي آل اليها الاتحاد العربي العام والكثير من الاتحادات المحلّية. اتحاد عام هو صورة شاملة عن الاتحادات المنفردة التي أضحت وقفاً على أسماء معيّنة أو على جهات رسمية وغير رسمية أو على أحزاب وتجمّعات تسعى الى فرض رؤيتها السياسية والايديولوجية بغية تحقيق أهداف لا علاقة لها بالأدب ولا بالثقافة. ويكفي استعراض الكثير من الأسماء المنتمية الى الاتحادات العربية كي تنجلي خلفية الواقع الراهن ويبرز جوهر "المأساة" أو المهزلة التي "يكابدها" معظم الاتحادات. وليس مفاجئاً أن يكون معظم الكتّاب الكبار والحقيقيين والجدد خارج اتحاداتهم، بعضهم غير مرضيّ عليهم "حزبياً" وبعضهم مطرودون أو مبعدون أو مهمّشون، على أن بعضهم يحتجون على "اتحادهم" ويرفضون الالتحاق به لأسباب شتى، سياسية وثقافية... لم يستطع الالتحاق بالاتحادات أن يكون معياراً أدبياً حتى وإن سيطرت هذه الاتحادات على الحركة الأدبية واحتلّت واجهتها العريضة. بعض الاتحادات تضم أدباء جهلة لا يجيدون العربية، وهناك أمناء عامون يرتكبون من الهفوات اللغوية ما لا يُحصى وقد تكون "البيانات" أو "التقارير" التي يصدرونها خير شهادة على جهلهم اللغوي وقصورهم الفكري... وقد لا تُعتبر هذه المآخذ فادحة إزاء سياسة معظم الاتحادات العربية، التي نجحت في الدمج بين "الثورية" والرجعية، بين "الايديولوجيا" والتخلّف، بين المصلحة الخاصة والمصلحة "الرسمية"... نادراً ما دافع اتحاد كتاب عربي عن قضية شائكة أو خاض معركة كتاب مصادر أو نص ممنوع... ونادراً ما أعلن موقفاً يزعج المراجع المسؤولة أو أصدر بياناً يحتج فيه على ظلم "رسمي" أو بادرة رسمية سلبية تسيء الى الكاتب أو المواطن... نادراً ما خاض اتحاد كتّاب عربي معركة نقابية أو شارك في اضراب أو تظاهرة، انطلاقاً من دوره المدني والنقابي المؤتمن عليه! كتّاب وأمناء عامّون يهوون التقاط الصور مع الرؤساء في المناسبات، يرفعون بيانات التهنئة في الأعياد الرسمية وبيانات التأييد في "المواعيد" الوطنية، وهمهم، كلّ همّهم، نيل رضا السلطات في بلدانهم، أياً كانت... كتّاب غائبون عما يجري في الأدب العالمي وعمّا يحصل من ثورات ثقافية. قابعون في "كهوفهم"، يخشون العواصف، وإذا حاربوا فإنّما على طريقة دون كيشوت... ماذا فعل اتحاد الكتّاب اللبنانيين سوى "التلاعب" على قانونه ليجدّد لأمينه العام؟ ماذا أنجز هذا الاتحاد من فعل حقيقي، بعيداً من البيانات الخطابية؟ هل شارك في حركات الاحتجاج التي قامت بها النقابات الأخرى مطالبة بحق الحياة والحرية والكرامة؟ ماذا حقق اتحاد الكتّاب في سورية سوى مراقبة الكتب والتعبئة القومية وفصل أدونيس وآخرين وتجاهل ما تعرّض له الأدباء من اعتداءات وسواها؟ ماذا فعل اتحاد الكتّاب العراقيين سابقاً سوى تمجيد "الطاغية" البعثي والإشادة بعبقريته؟ ماذا فعل اتحاد الكتّاب الليبيين سوى تلميع صورة الرئيس، مفكراً وأديباً؟ ماذا فعل اتحاد الكتّاب المصريين سوى التغاضي عن قرارات المنع والمصادرة والمضيّ في لعبة التجاهل ولو على حساب الأدب والأدباء؟... طبعاً هناك اتحادات قليلة سعت الى كسر "الهالة" الرسمية وحققت في منأى من أي تبعية، مشاريع مهمة وناضلت واحتجت واعترضت... لكنها تبقى قليلة وربما نادرة. وبعضها دفع باهظاً ثمن التحرّر من الهيمنة الرسمية. أين هي الاتحادات العربية الآن؟ ماذا تفعل؟ هل تملك أحلاماً ما أو آمالاً وطموحات؟ هل هي موجودة حقاً خارج "البيانات" والخطب والمنابر؟ هل استطاعت أن تنجز مشروعاً ما؟ هل استطاعت أن تنمّي الحركة الأدبية؟ هل تدرك حجم غيابها عن المعترك الأدبي الحقيقي؟ أسئلة كثيرة طرحها مؤتمر الجزائر الذي عقده الاتحاد العام للكتاب العرب أخيراً، وهي أسئلة تشمل الاتحادات نفسها مقدار ما تتوجّه أيضاً الى الكتّاب العرب الذين تفصلهم عن اتحاداتهم "هاوية" بات من المستحيل اجتيازها!