قد تبدو شؤون اتحاد الكتّاب السوريين شؤوناً سورية مقدار ما تبدو شؤوناً عربية. فالاتحاد الذي سمّى كتّابه السوريين كتّاباً عرباً ما برح يصرّ على انتمائه العروبي وليس العربي فقط وخصوصاً عبر المبادئ والشعارات التي تبنّاها وفي طليعتها مقاومة التطبيع. ولعلّ بقاء الكاتب علي عقلة عرسان في سدّة الرئاسة عقب انفضاض المؤتمر العام للاتحاد يدل بوضوح على شروع الاتحاد في معركة مقاومة التطبيع المقبلة التي ستشهدها الساحة السورية وبعض الساحات العربية أيضاً. فالكاتب علي عقلة عرسان عرف في نضاله العروبي المستميت أكثر مما عرف في كتبه وطغى وجه المقاوم فيه على وجه الكاتب أو الأديب. ولعلّ هذا ما عبّر عنه "الإشكال" الذي حصل بينه وبين الراحل سعدالله ونّوس وكان الأخير استقطب اهتمام الاعلام العربي وكاد يطغى على سواه من الأدباء السوريين. غير أن المؤتمر السادس لاتحاد الكتّاب العرب في سورية أسفر فعلاً عمّا يشبه انتصار الحال الديموقراطية وتراجع مبدأ التعيين المسبق أو شبه المسبق على رغم بقاء الرئيس في الرئاسة، وكذلك بعض الأعضاء في العضوية. فالمستقلون الذين استطاعوا أن يدخلوا المكتب التنفيذي هم في أي حال من أصدقاء الرئيس وليسوا من غرمائه. والأصوات التي لم يألفها المعترك الانتخابي من قبل لم تكن كافية لتعوّض غياب بعض الأسماء الأدبية اللافتة عن الاتحاد أو انسحاب البعض الآخر. بدا المؤتمر الأدبي السوري الأخير "مؤتمراً انتخابياً" بامتياز. فالمكتب لم يسع الى مناقشة الأوراق المتراكمة ولا القضايا الشائكة التي كان من المفترض أن يناقشها. فلا قضية الرقابة طرحت كما يجب ولا قضية محاربة الفساد نوقشت كذلك ولا قضية حرية التعبير أو الفصل بين السياسة والثقافة... وجميع هذه هي من القضايا الملحّة في المعترك السوري وتحتل هموم معظم الكتّاب والمثقفين. فالرقابة التي يضطلع بها مكتب الاتحاد منذ أكثر من ربع قرن هي من المآخذ التي يسجلها البعض على اتحاد الكتّاب. فوظيفة الاتحاد بحسب هؤلاء، هي أن يناضل من أجل الحرية لا أن يكون حاجزاً أمامها، والرقابة الأدبية المسبقة ليست من مهماته، بل من مهمات الأجهزة الرسمية. ولعل المهمة هذه التي أوكلت الى اتحاد الكتّاب تعيد الى الذاكرة النموذج البولشفي الذي سقط مع سقوط المعسكر الاشتراكي ولم يبق قائماً إلا في بعض الأنظمة الصلبة في العالم الثالث. فالكاتب لا يستطيع أن يؤدي شخصية الرقيب مهما كان "رسمياً" أو قريباً من السلطة. ووظيفة الاتحاد تالياً هي أن يناضل من أجل توسيع هامش الحرية والاحتجاج والنقد وتضييق متن الرقابة والمنع وكسر الهيمنة الأحادية وفضح الظلم... وإن كانت الصيغة البولشفية سقطت في الموقع الذي انطلقت منه فهل يمكنها أن تستمر في المواقع التي استعانت بها أو حذت حذوها؟ وإن كان اتحاد الكتّاب العرب في سورية يضمّ الكثير من الأسماء المتطفلة على الأدب، على غرار معظم الاتحادات العربية، فإنّ ما يأخذه البعض عليه هو اندراجه في سياق الحركة السياسية أو انتماؤه الى البنية السياسية وكأنّه أشبه باتحاد العمال أو الفلاحين أو الطلبة. فاتحاد الكتّاب في نظر هؤلاء لا يستطيع أن ينهض إلا على هامش الحركة السياسية الموجهة ولا يقدر أن يكون أداة من أدوات السلطة أو وجهاً من وجوهها. اتحاد الكتّاب هو الوجه الآخر لما يُسمّى حركة سياسية، بل هو الهامش الذي ينبغي أن يتحرّك فيه أصحاب الأصوات المختلفة. غير أن المعركة التي يتهيأ لها اتحاد الكتّاب العرب في سورية والتي رسّخها المؤتمر السادس كإحدى غاياته الأولى ستكون بحق معركة معظم الكتّاب العرب الذين يرفضون التطبيع ويقاومون ما يُسمّى "الغزو" الاسرائيلي. وعلي عقلة عرسان هو خير من يستطيع قيادة مثل هذه المعارك ولو عبر المؤتمرات التي لا تصر عنها سوى التوصيات وهي تتراكم من مؤتمر الى آخر. وما ينبغي أن ينتبه له علي عقلة عرسان هو أن المعركة مع العدو - وخصوصاً في مرحلة السلام المقبل - ستكون أشد ضراوة وقسوة وهي تفترض القليل من الخطابة والانشاء والشعارات والكثير من الوعي والانفتاح والديموقراطية... ولعل معركة كهذه تفترض من الأنظمة العربية أن تمنح مثقفيها المزيد من الحرية والكرامة الوطنية والاجتماعية حتى يتمكّنوا من مواجهة "حضارة" العدو المعاصرة والحديثة جداً. معركة التطبيع التي ستخاض قريباً لا تقوم على فصل بعض المثقفين الذين يؤيدون التطبيع فقط، وإنما عبر امتلاك الأدوات والمبادئ التي تساعد على مواجهة الغزو الاسرائيلي مواجهة علمية وحديثة.