جدد المكتب الدائم للاتحاد العام للأدباء والكُتّاب العرب في اجتماعه الأخير هذا الشهر رفضه لطلب قدمه اتحاد الأدباء في العراق لإعادة عضويته، مع إعادة النظر في قرار تعليق عضوية الاتحاد المعلقة منذ عام 2003، بحجة أن اتحاد الأدباء في العراق قد رفض شرطي العضوية في الاتحاد، وهما إدانة الاحتلال وإجراء انتخابات حرة وديمقراطية لاختيار الأعضاء. وجاء هذا الرفض بعد إصرار ممثلي خمسة اتحادات عربية على رفض العودة، في اجتماع عقد في القاهرة مؤخرًا، حيث رفضت وفود كل من ليبيا وتونس وسورية والأردن وفلسطين رفضًا باتًا عودة العراق إلى الاتحاد العربي، مهددين بالانسحاب من الاتحاد في حالة الموافقة على عودته. فيما طالبت وفود تسع دول بإعادة اتحاد أدباء العراق، إلا أنها عجزت عن إقرار مقترح بالتصويت على ذلك. وأشاروا إلى أن وفد المغرب أصر على ضرورة عودة العراق، وهدد بالانسحاب من الاجتماع إذا حصل عكس ذلك. هذا الرفض من قبل الاتحاد العام للأدباء والكُتّاب العرب وجد المناوأة من قبل الأدباء العراقيين، حيث قام ممثله ياسين النصير في الاجتماعات الأخيرة بتقديم وثائق تدل على هذه الانتخابات الحرة التي أجريت لانتخاب هيئة جديدة، إلا أن جهوده فشلت في إقناع المشاركين بقبول عودة التنظيم العراقي، إلاّ أن الدكتور محمد السلماوي الأمين العام للاتحاد اتخذ إزاء هذه الضغوط والتهديدات موقفًا مدافعًا عن حق اتحاد الأدباء والكُتّاب العراقيين في العودة، والدعوة إلى استصدار بيان يشار فيه إلى أن الأمانة العامة قد قررت تثبيت عضوية الاتحاد في الاتحاد العام للأدباء والكُتّاب في العراق. «الأربعاء» رصد صدى هذا الرفض وتفاوت وجهات النظر بين الأعضاء بشأن اتحاد الأدباء والكُتّاب العراقيين مع عدد من المثقفين والأدباء والنقاد العراقيين تجاه هذا القرار، وما آل إليه مصير اتحادهم العراقي. استرداد الحق الشرعي بداية علق رئيس الاتحاد العام للأدباء والكُتّاب في العراق والمنتخب مؤخرًا فاضل ثامر على قرار السلماوي قائلًا: “هذا القرار بالتأكيد لا يلبّي طموحاتنا لاسترداد حقنا الشرعي، لكنه على الأقل يقطع الطريق في المستقبل على أية جهة تحرّض على تشكيل اتحاد بديل ليحل محل اتحادنا، وهو خطوة وإن كانت متواضعة على استعادة عضويتنا خلال الاجتماع القادم للمكتب الدائم، الذي سيعقد بعد ستة أشهر حيث يعيد النظر في هذا القرار بعد الاطلاع على التقرير، الذي سيرفعه وفد من الأمانة العامة يفترض أن يقوم بزيارة العراق للاطلاع على بعض التفاصيل الخاصة بالآليات التي اعتمدت في انتخاباتنا الأخيرة، خاصة بعد تلبية جميع مطالب المكتب الدائم السابقة”. وأضاف ثامر: “إن التطرف والإصرار قد بلغ بالاتحادات الرافضة لعضويتنا تونس وليبيا بخاصة حد رفض إجراء تصويت عددي لإصدار قرار بذلك، وهددت بالانسحاب من عضوية الاتحاد العام للأدباء والكُتّاب العرب في حال إجراء هذه الممارسة الديمقراطية المعتمدة من قبل النظام الداخلي للاتحاد كما نصت المادة 11 منه”. ويختم ثامر بقوله: “إننا من باب الحرص على وحدة الأدباء والكُتّاب والمثقفين العرب وتماسك مواقفهم إزاء القضايا المصيرية المشتركة، نؤكد أننا لا نريد أن يكون تمزق اتحاد الأدباء العرب أو انسحاب بعض أعضائه ثمنًا لعودة اتحادنا، فنحن من دعاة وحدة الكلمة والإرادة والفعل، رافضين مختلف أشكال التشرذم والتشرنق والانشقاق، التي كنا نقاومها طوال سبع سنين عجاف من علاقتنا باتحاد الأدباء والكُتّاب العرب”. قراءة مبرأة ويعتقد الناقد والمسرحي خالد السلطان أن اتحاد الأدباء والكُتّاب العرب هو الذي بحاجة إلى اتحاد الأدباء والكُتّاب العراقيين. ماضيًا إلى القول: إننا نشكر جميع الاتحادات التي كانت منصفة وعادلة وأمينة في مواقفها المساندة لنا، وفي المقدمة منها اتحاد كُتّاب مصر، واتحاد أدباء المغرب، واتحاد أدباء الإمارات، واتحادات السودان وعُمان والكويت ولبنان والجزائر والبحرين، ولا نريد أن نلحق في العتب على أشقائنا الذين اعترضوا على عودة اتحادنا، ولكننا نهيب بهم أن يحتكموا إلى ضمائرهم، ويعيدوا قراءة المشهد الثقافي والسياسي في العراق قراءة مبرأة من الهوى والضغينة والنوايا المسيسة، وأن يتخذوا قرارًا شجاعًا بإنصاف أشقائهم أدباء العراق من سلالة المبدعين الكبار.. مبدعي الثقافة العربية الموصولة بجذر وطني وقومي وإنساني عميق. خيارات انعزالية أما الدكتور عادل الثامري الناقد الأدبي والمترجم العراقي، فيرى أن اتحاد الأدباء والكُتّاب العراقيين ليس بحاجة إلى أية عضوية تفرض عليه نوعًا من الإلزام السياسي، أما إذا أراد الاتحاد العربي إعادته إلى خيمته، فهذا أمر الاتحاد العربي الذي هو بحاجة إليه، وليس اتحاد الأدباء والكُتّاب العراقيين. مضيفًا: “سيأتي يوم يتراكض الاتحاد العربي وراء اتحادنا لكي يكون جزءًا منه، ورغم كل شيء نحن حريصون على أن يظل العراق دائمًا جزءًا فاعلًا من الجسد الثقافي العربي، ولا نريد أن يكون أي اتحاد عربي سببًا مباشرًا أو غير مباشر في قطع صلتنا الطبيعية بالثقافة العربية وبالهموم والإشكاليات الثقافية والسياسية والاجتماعية التي نعاني منها بصورة مشتركة، ولا نريد لأحد من أشقائنا أن يتحمل مسؤولية دفعنا بعيدًا عن الصف العربي، وهو هدف يسعى إليه البعض في العراق وخارجه، والبحث عن خيارات انعزالية أو إقليمية أو دولية بديلة، ونقول للأشقاء: “إن أدباء العراق، كما عرفتموهم دائمًا، منهل عذب للإبداع والابتكار والكلمة الخلاقة النظيفة والصادقة، وهم دائمًا مثال للوطنية والعفة والإحساس بالمسؤولية، فلا تخسروهم لدوافع باتت غير مقنعة، وتفتقد إلى المنطق والحجة بعد أن اتضحت جميع الحقائق”. مرويات مزورة الروائي والناقد السينمائي إحسان السامرائي طالب بإعادة التشكيل القديم لاتحاد الأدباء والكُتّاب العراقيين قبل الاحتلال، مشيرًا إلى أن هذا سيمكن الاتحاد من الاعتراف به عربيًّا، وأن هذا سيمكّن الأدباء والمثقفين العراقيين من المشاركة حتى في الملتقيات والمؤتمرات. ماضيًا إلى القول: “إن رفض عضوية العراق في الاتحاد العربي هو استمرار للنهج المسيس السابق منذ مؤتمر الجزائر عام 2003 وحتى اليوم، والذي حُرم فيه الأدباء العراقيون من حقهم الشرعي في استعادة عضويتهم لأسباب وحسابات وأجندات سياسية بعيدة عن المعايير الثقافية والمهنية والنقابية، فجميع الأدباء والكُتّاب العرب يعرفون الأسباب الحقيقية لتعليق عضوية اتحاد الأدباء في العراق، حيث لم يسمح لهذا الاتحاد بالدفاع عن نفسه أو اعتماد الوثائق التي يقدمها، بينما كان يجري الاعتماد على مرويات مزورة وملفقة يقوم بها بعض المتعصبين ضد الثقافة العراقية، وكان المكتب الدائم يعتمدها بوصفها معلومات موثقة ودقيقة، ومنها الزعم القائل بأن اتحاد الأدباء في العراق يؤيد الاحتلال، والحقيقة أن الاتحاد العام للأدباء والكُتّاب في العراق كان وما يزال معاديًا بشكل صريح وواضح لوجود الاحتلال الأمريكي، وللحرب التي أدت إلى احتلال العراق، لكنه رفض أن يكون في خنادق الإرهابيين وقوى العنف والتطرف الطائفي، وآثر أن يخوض نضالًا سياسيًّا وثقافيًّا من أجل استكمال شروط السيادة الوطنية، وإنهاء كل مظهر من مظاهر الاحتلال”. الرأي الثقافي سينتصر وقال الشاعر والإعلامي عبدالسادة البصري: “نحن نحتج أشد الاحتجاج على هذه الممارسة المنافية للتقاليد والأعراف الثقافية التي يعتمدها الاتحاد العام للأدباء والكُتّاب العرب، ونحن على ثقة بأن الرأي العام الثقافي والأدبي سينتصر في النهاية على غلاة المتطرفين من أعداء العراق وثقافته، وسيعود الأدباء والكُتّاب العراقيون إلى موقعهم الطبيعي مرفوعي الرؤوس إلى عضوية الاتحاد العام للأدباء والكُتّاب العرب. فإننا في العراق سنظل أمناء على رسالة الثقافة العراقية، وعلى إعلاء دورها ومكانتها في المجتمع العراقي، وانتزاع حقوقها التي كفلها دستور جمهورية العراق، هذه الحقوق التي تنكر لها رجل السياسة في العراق جهلًا أو عداء، وركنها جانبًا وفشل في التعامل الإيجابي مع الشأن الثقافي وبناء استراتيجية ثقافية مشتركة للمجتمع العراقي وللدولة العراقية، وهو ما يجعلنا نتطلع بأمل كبير إلى المرحلة القادمة، التي نأمل أن تفتح السلطتان التشريعية والتنفيذية الملف الثقافي، وأن تجيدا قراءة تفاصيله، بل والتعلم منه، للحد من أميّة الكثير من رجال السياسة في العراق والذين –للأسف– غلبتهم المصالح الشخصية والنزاعات الحزبية والطائفية، وغضوا النظر عن أبسط مسؤولياتهم في بناء دولة ديمقراطية تعددية اتحادية، ومنها دعم الثقافة دعمًا صادقًا لا من خلال الأعطيات والصدقات والمكرمات، بل من خلال تشريعات تضمن التعامل مع الثقافة بوصفها مقومًا أساسيًّا من مقومات بناء المجتمع المدني الحديث. انشغال بالظرف المحلي ويعلق الدكتور والناقد العراقي عبدالله إبراهيم الذي يعش خارج العراق قائلًا: “إن الوهج الثقافي للعراق لم ينطفئ، وما مر على العراق من محن سوف تصقل وتثري ثقافته. ويعرف الجميع أن العراق قد تعرض إلى محن كبيرة قد تكون شغلت الناس عن الاهتمام بالأدب، لكن هذا لا يعني أن المخيلة العراقية قد انتهى عطاؤها، فالثقافة العراقية غنية، ولها تقاليد راسخة في الشعر والسرد والفنون التشكيلية والمسرح، وسرعان ما تلتقط أنفاسها في حقبة تتعرض فيها لنوع من الضغط والتهديد. وسوف تستأنف هذه الثقافة إشعاعها على الثقافة العربية، ولا أجد أن هناك تراجعًا ثقافيًا بالمعنى الكامل، إنما هناك انشغال بالظرف الصعب، الذي تمر به البلاد من حرب شبه أهلية واحتلال واستبداد. ولم يعد المثقفون العرب يعرفون ما الذي يجري في العراق، لكن البلد ظل نتاجًا متميزًا في مجال الشعر والرواية والمسرح والفن التشكيلي.