في أول تحد من نوعه يواجهه مجلس الحكم الانتقالي في العراق، تحول الاجتماع الموسع الثاني الذي عقدته اللجنة الاستشارية لشؤون المرأة في العراق برئاسة المهندسة نسرين برواري وزيرة البلديات والأشغال العامة في بغداد أمس إلى تظاهرة مناهضة للقرار 137 الذي أصدره المجلس نهاية كانون الأول ديسمبر الماضي ويحيل قضايا الأحوال الشخصية إلى محاكم مذهبية. وقالت برواري ل"الحياة": "بعض أعضاء مجلس الحكم من الرجال كانوا ضد القرار ومن المقرر أن تشكل لجنة مشتركة من المجلس وقوات التحالف لدراسته". وأضافت: "آلمني جداً اسلوب اتخاذ القرار أكثر من مضمونه، لقد قاتلنا كثيراً من أجل الوصول إلى هذه المرحلة ويجب أن نعمل على اتخاذ القرارات بأسلوب أكثر شفافية وبحوار أوسع. ومجلس الحكم يتحمل مسؤولية تاريخية لأنه يمثل الشعب العراقي، والمطلوب منه أن يتحسس هموم الشارع العراقي وشرائحه كافة". وأعربت عن "أملها في رفض القرار، مؤكدة أن مضمونه سيؤثر في العائلة العراقية والعلاقة بين أفرادها، والتسرع في اتخاذ هكذا قرارات سيؤثر في العملية الديموقراطية المستقبلية في العراق ووجود اعتراضات داخل المجلس يمنحني الأمل برفضه". القرار الذي ينتظر دوره للتوقيع على مكتب الحاكم الأميركي للعراق، السفير بول بريمر لم يحظ بالموافقة النهائية على ما يبدو. وتقول ماندانا هندسي، مستشارة شؤون المرأة في سلطة الاحتلال ل"الحياة": "ما أعرفه أن مجلس الحكم الانتقالي قرر استبدال هذا القرار بقانون الأحوال الشخصية المعمول به في العراق الذي لن يكون نافذ المفعول إذا لم يحظ بموافقة قوات التحالف". وأكدت ان بريمر لم يوقع القرار لأنه "غير عملي". رئيسة "التجمع النسوي العراقي المستقل" المرشحة لمنصب وكيل وزارة الثقافة، ميسون الدملوجي، تحدثت عن أجواء اتخاذ القرار فقالت: "لم يستغرق الاجتماع الذي عقد في فترة الغداء للتصويت على القرار أكثر من خمس دقائق ولم يحظ القرار إلا بموافقة 11 صوتاً من أصل واحد وعشرين من أعضاء مجلس الحكم". وأضافت ساخرة: "قرار اتخذ في خمس دقائق لا يختلف كثيراً عن قرارات مجلس قيادة الثورة العراقي السابق". ولم تذهب الآراء القانونية بعيداً عن الآراء الرافضة للقرار. وتقول المحامية ميادة غالي ل"الحياة": "القرار يتضمن إلغاء قوانين الزواج والطلاق والإرث والحضانة والنفقة وكل ما يخص قانون الأحوال الشخصية وجعلها خاضعة للمذهب والطائفة الدينية. وهذا يعني مشاكل كثيرة حيث سيقود كل هذا إلى تعدد القوانين وصعوبة تطبيقها لأن أكثر العائلات التي ستعاني من تبعاتها هي تلك التي تضم أزواجاً من مذاهب مختلفة وأظن أن الأبناء في الغالب هم الذين سيدفعون الثمن". ولم تخفِ بعض الأصوات النسوية الشيعية مساندتها للقرار في بادئ الأمر، لأنه يفتح المجال واسعاً أمام تطبيق تشريعات المذهب الجعفري الذي عمل النظام السابق على تغييبها طويلاً عن ساحة القضاء، إلا أن هذه الأصوات سرعان ما خفتت ما أن اكتشفت المحاذير التي قد ينطوي عليها تطبيقه من مخاطر تكريس الطائفية في المجتمع العراقي. إلا أن هذا لم يمنع بعضهن من مواصلة تأييد القرار، وتقول المحامية سعدية سلمان اللامي، مديرة المركز العراقي للنشاطات الإنسانية: "أنا مساندة للقرار لأنني لا أرى فيه أي ضرر للمرأة أو المجتمع بل العكس فهو يحفظ حقوق المرأة". وتضيف المحامية التي بدت متمسكة بفكرة الاحتكام إلى فقه المذهب الجعفري: "مارستُ المحاماة طوال 26 عاماً وأرى أن القرار نابع من الشريعة الإسلامية ولا يحتوي على ضرر". الاجتماع الذي عقدته اللجنة الاستشارية لشؤون المرأة في العراق للمطالبة بتمثيل نسوي لا يقل عن 40 في المئة في مجلس الحكم الانتقالي والمجالس البلدية في المحافظات تحول إلى قوة سلمية كبيرة مناهضة لمجلس الحكم الانتقالي اعتصمت في ساحة الفردوس في خطوة يقول المنظمون انها ستكون مقدمة لتحرك نسوي فاعل على الساحة السياسية العراقية لإبراز ثقل المرأة ودورها وضرورة عدم تغييبها عن ساحة صنع القرار، لا سيما القرار الذي يخصها ويخص حياتها مباشرة.