حينما مثل دور هنيبعل الذي حارب الرومان نجح في إبراز فضائل القائد الفينيقي، وحين امتطى جواد المتنبي برع في تسليط الضوء على عظمة شعره وارتفاع مكانته التاريخية، وحينما آل إليه حكم أشبيلية أظهر بمهارة طمع المعتمد بن عباد وحنكته... غسان صليبا صاحب الصوت الرخيم والشخصية الجذابة والحضور اللافت استطاع أن يقتحم المسرح الغنائي الرحباني ويصبح أحد عناصره المهمة... ويطل الفنان اللبناني في الثالث عشر من شهر تشرين الأول أكتوبر المقبل، في عمل مسرحي جديد... لكن اطلالته ليست رحبانية. إذ يشارك في أوبرا غنائية تقدم في مناسبة افتتاح المدينة الجامعية في قطر باسم "أوبرا ابن سينا" وتعتبر من اضخم الأعمال الغنائية في العالم العربي. ويرى صليبا في العمل الجديد خبرة مهمة يضيفها إلى رصيده الفني، خصوصاً أنها تحمل تواقيع كبار العاملين في مجال الكتابة والموسيقى والتمثيل والإخراج... هذا فضلاً عن كونها تتطلب الغناء المباشر اكثر من الأداء المسرحي. ويؤدي صليبا في العمل دور ابن سينا الفيلسوف العالم والطبيب الذي تفانى في خدمة مرضاه وتخطى الدافع الإنساني لديه الأبعاد السياسية، فكان يهب لمعالجة كل مريض يطلب المساعدة حتى ولو كان من ألد أعدائه. وغالبية الأدوار التي قدمها صليبا في المسرح الغنائي كانت تاريخية، إلا ان ذلك لا يجعله يخشى الوقوع في التكرار، فلكل من تلك الشخصيات سماتها الخاصة، كما ان العمل التاريخي بنظره يتمتع بميزة خاصة تتجلى في استعادة التاريخ بمسرى غنائي، فيهرب الكاتب من خلاله ليجعل التاريخ منذراً يحرض على نبذ الواقع والبحث عن البديل. غير ان صليبا يقر بأن الدور الذي لعبه في المسرحية الرحبانية الأخيرة "ملوك الطوائف" كان عادياً جداً. ويقول ان الدور الذي كتبه منصور الرحباني للمعتمد بن عباد، لم يضف أي جديد إلى شخصيته الفنية، لا على صعيد الغناء أو الأداء المسرحي. الدور كان عادياً مقارنة بدور كارول سماحة التي تنقلت بين شخصيات الغسالة والملكة والأم الحنون وحاكمة البلد الحكيمة القريبة من الشعب، الصادقة بوطنيتها وعروبتها، ما جعل المشاهد يتعاطف معها أكثر. أسهم المسرح الرحباني في انتشار صليبا وسلط الضوء على موهبته. فالمسرح الذي امتاز بالالتزام والجدية وطرح قضايا الإنسان وعالجها بروح شاعرية، تميز بنكهته الخاصة وروحه الفريد وصنع جمهوراً كبيراً لا في لبنان وحسب بل في العالم اجمع. "مسرح يشهد عليه تاريخ طويل وعمل جدي كتابة دقيقة وانتقاء متقن لكوادر العمل كافة". ويفصح غسان صليبا عن تراجع الدور الذي تلعبه الأغنية الرحبانية في المسرح اليوم. فهي لم تعد توظف إلا لخدمة النص ولا تستعمل إلا لمصلحة الحبكة الدرامية. لذا لم تعد أغاني الأعمال الأخيرة تلاقي الصدى نفسه الذي توجت به أغاني المسرحيات القديمة ولم تعد تتردد وتنتشر خارج المسرحية فيشكل كبير. ويرفض صليبا هذا التوجه إذ ان الأغنية تكمل النص وتحمل الرسالة نفسها، "فما المانع من ان تنتشر الأغنية ويحبها الناس ويطلبوها" غير ان اختلاف دور الأغنية الرحبانية لا يعتبر مؤشراً إلى اختلاف المسرح الرحباني أو اختلاف أسلوب أغنيته التي ما زالت قائمة على مبدأ البساطة والسهولة والامتناع. ومن هذا المنطلق، يؤكد بطل العمل الرحباني أن المسرح الرحباني لم يتغير في هيكليته إذ بقي متألقاً بكل عناصره الفنية الأساسية. ما اختلف هو الاهتمام بالحركة المسرحية والجانب التقني والديكور والملابس... ويعترف صليبا بأن عمله المسرحي أبعده عن جمهور الغناء والمهرجانات وشاشات التلفزيون والكليبات. إلا ان المطرب اللبناني يطل قريباً على جمهوره الواسع من خلال ألبوم جديد يبصر النور خلال الأيام المقبلة. ولا يجد فارقاً بين الأغنية القديمة وتلك الحديثة من ناحية النغمة الموسيقية، لذا تراه يبحث دوماً عن الإيقاع الجديد والتوزيع الجديد شرط ان يكون مصحوباً بالكلمة واللحن الجميلين. يشارك في الألبوم الشعراء: ميشال جحا، سمير نخلة، نبيل أبو عبدو وطوني أبي كرم، والملحنون: شاكر الموجي، زياد بطرس، وسام الأمير، والياس الرحباني. وينتظر المطرب اللبناني من الفنان الكبير وديع الصافي لحناً جديداً وهو أول تعاون بينهما. ومن المتوقع أن يثمر عملاً مميزاً يجمع بين موسيقى وديع الصافي الأصيلة وحنجرة صليبا المشبّعة بالحس اللبناني الشرقي.