إن متابعة واقع الشارع السوداني، والمظاهر التي طغت على حياتنا الاجتماعية والثقافية، كفيلة بجعلنا ندرك ان التراث السوداني الهائل الممزوج بمعاني الوطنية الخالصة يجب ان يحترم، وعلى رغم مظاهر المد المتعصب، وثقافة الحرب في السنوات الماضية. فمعاني الوطنية غابت عن حياتنا، أو ميعت معانيها الحقيقية، وطمست دلالاتها لتصبح مجرد كلمات جوفاء نتذكرها في المناسبات، وسرعان ما نهجرها أو نضعها على رفوف منسية. فبطلت فاعليتها في استثارة الهمم، لتصبح مجرد رد فعل على كارثة. إن رصد ما تطرحه الصحافة السودانية ودنيا الثقافة في الحوارات والتحقيقات، وما يردده رجل الشارع والنخبة المثقفة، يعكس كثيراً من الحقائق المفزعة والجديدة التي حدثت في دارفور مذابح مدنيين أبرياء وحرق قرى بالطائرات. فيجب ان نتوقف أمامها متسائلين عن أسبابها، ومتأملين نتائجها في محاولة للتغيير قبل ان تنفجر القنبلة الموقوتة في وجوهنا جميعاً. اننا نرقص على حافة تفتيت السودان. وكلنا مدركون اننا ندور في متاهات الانغلاق والخوف من حرية التفكير والتعبير عن الرأي، والاجتهاد الفكري الحقيقي في ظل رؤية ضبابية تطمس ملامح الهوية الحقيقية، وتحول دون فعل النقد، ومراجعة النفس. ونحن في حاجة الى ان نسترد الوعي، ونطرح على أنفسنا اسئلة بسيطة، وإن كانت ذات أهمية بالغة من قبيل: من نحن وماذا نريد؟ ومن هو الآخر، وما موقفنا وموقعنا منه وموقعه منا؟ وأين مكمن الخطأ؟ ولماذا لا نتفق، معارضة وحكومة وأين ارادتنا؟ علينا فتح الحوار الصادق في ظل مناخ حر ديموقراطي نناقش فيه مظالم وقضايا المناطق المهمشة دارفور وجبال النوبة وشرق السودان وجنوب السودان بصدق وأمانة وروح وطنية، مدركين ضرورة ان يحل صوت العقل وروح الاعتدال والمقولة الصائبة من يأتي بحوار يتوج بسلام أفضل من الذي يأتي على ظهر دبابة أو يحمل سلاحاً لتحقيق مطالبه، ومؤكدين ان مراجعة الذات والاعتراف بالاخطاء، وقبول الآخر، ليست عيباً. وهذا لا يعني التفريط في وحدة السودان أو هويته. والسودانيون، بكل أطيافهم، بلغوا النضج الكافي ليدركوا ان الحروب يجب ان تتوقف بعد عقدين. ويكفي سقوط مليوني سوداني راحوا ضحية للسياسات الخاطئة وغير المسؤولة. وهناك ما لا يقل عن اربعة ملايين لاجئ نازح خارج بلاده، الى اقتصاد مثقل بالديون، وإهدار للثروات الطبيعية والبشرية، الى معسكرات ارهابية، وأسلحة محظورة، وانتهاك حقوق الانسان... القاهرة - حسن آدم كوبر [email protected]