يُشبه الصيارفة الاردنيون التعامل بالدينار العراقي بأنه "لعبة قمار" يشارك فيها ويدورها "سماسرة الاموال" و"المهربون" وكبار الصيارفة في العراق والاردن ودول الجوار العراقي و"مفتاحها" في واشنطن حتى الآن بينما لا يزال الصداميون انصار صدام والتجار الذين بنوا ثروات في عهده يضخون الملايين من فئاتها المختلفة في الاسواق العراقية وفي الدول التي تتعامل فيها لتمويل مشتريات بضائع تُشحن الى العراق. وتراوح النسخ المختلفة للدينار بين "السويسري" و"الصدامي" و"ابو الحصون" و"الدينار البغدادي" او "الملاحف" او "الدينار الاحمر". ويراهن تجار العملة على امكانية تحقيق ثروات كبيرة من الاحتفاظ بثروات كبيرة وودائع من الدينار العراقي بفئاته المختلفة على اساس ان مصيره قد يكون كمصير الدينار الكويتي قبل التحرير!. في حزيران يونيو الماضي أعلن في بغداد عن طبع كميات من العملات العراقية المختلفة تمهيداً لطرحها للتداول في العراق بدلاً من العملات القديمة. وأدت هذه الخطوة إلى إرباك سوق الصرافة في الأردن، إذ توقع الصيارفة الأردنيون أن تحل العملة الجديدة محل النسخ المختلفة من الدينار العراقي المصور منها والأصلي. وخلال أسبوع واحد فقد الدينار العراقي بنسخه المختلفة نسبة كبيرة من سعره وصلت في بعض الأحيان إلى 40 في المئة. لكن الأمور ما لبثت أن عادت إلى ما كانت عليه، وعاد الدينار العراقي بنسخه المختلفة إلى التداول في سوق الصرافة الأردنية. وخلال أكثر من شهرين على طبع العملة الجديدة، التي لم تصل إلى الأسواق الأردنية عاد سعر الدينار العراقي إلى الارتفاع تدريجا حتى أصبح سعر المليون دينار عراقي اليوم قريباً من ضعف سعره قبل الحرب على العراق، وعبر حالات ارتفاع وتراجع ارتفع سعر الدينار العراقي في الأردن ليراوح اليوم بين 400 و450 ديناراً أردنياً لكل مليون دينار عراقي في نسخته المصورة، وتأخذ المفارقة حجمها من أن هذا الدينار بنسخه وفئاته المختلفة كان خرج عملياً من سوق الصرافة بعدما انتهت الحرب ما يفسر أن عدداً كبيراً من مكاتب الصرافة التي اتصلت بها "الحياة" أكدت أنها لا تتعامل بالمصور بفئاته ونسخه كافة. "الدينار الصدامي" و"الدينار الصدامي"، أي الذي يحمل صورة الرئيس العراقي صدام حسين، كان أفضل حالاً فخلال الأيام الأولى للحرب اعتقد كثيرون أنه سيخرج من التداول بسبب وجود صورة الرئيس السابق عليه، لكن سعره ارتفع إلى نحو 35 ألف دينار أردني لكل مليون دينار عراقي، غير أنه عاد إلى الانخفاض مجدداً حتى استقر أخيراً ليراوح سعره اليوم حول 11.5 ألف دينار أردني لكل مليون دينار عراقي للشراء، وحول 12.5 ألف دينار لكل مليون دينار عراقي للبيع. "أبو الحصون" أما الدينار الذي يسمى "أبو الحصون" أي النسخة التي تحمل صور خيول بيضاء فيراوح سعره حوالى 15.5 ألف دينار أردني لكل مليون دينار عراقي للبيع، وحوالى 15 ألف دينار أردني لكل مليون دينار عراقي للشراء. وكان الدينار العراقي حافظ على سعر يراوح عند سبعة آلاف دينار أردني لكل مليون دينار عراقي من العملة الأصلية من نسخة "أبو الحصون"، ونحو ثمانية آلاف دينار أردني لكل مليون دينار عراقي من العملة "الصدامية"، وذلك على مدى عشر سنوات تقريبا، أي منذ عام 1993، لكن ارتفاعاً طرأ على هذا السعر مطلع السنة الجارية بعد صدور قرار الأممالمتحدة بعودة فرق التفتيش إلى العراق للتحقق من عدم وجود أسلحة كيماوية او نووية على أراضيه، وارتفع سعر المليون دينار عراقي من العملة التي تحمل صورة الخيول من سبعة آلاف دينار أردني إلى ما بين 11.5 و12 ألف دينار أردني، وارتفع سعر المليون دينار من العملة التي تحمل صورة الرئيس العراقي إلى ما بين 10 آلاف و10.5 الف دينار. أما الدينار العراقي في نسخته المصورة فقد راوح سعر المليون منها حوالى 500 دينار أردني كما ذكرنا. ولا شك أن تساؤلا مشروعاً يطرح نفسه عن سبب بقاء الدينار العراقي بفئاته ونسخه المختلفة قيد التداول في السوق الأردنية بعد الإعلان عن طبع عملة عراقية جديدة وبعدما عادت المنطقة الشمالية من العراق جزءاً من العراق، وذلك بعد أكثر من عشر سنوات بقيت خلالها هذه المنطقة ملاذاً آمناً لسكانها من الأكراد والعرب والتركمان خارج نطاق سيطرة النظام العراقي السابق، وحيث كان الدينار العراقي في نسختيه الأصليتين "الصدامي" و"أبو الحصون" قيد التداول حتى سقوط النظام العراقي. التجربة الكويتية حين طرحت "الحياة" السؤال على صيرفي في "مكتب الشنواني للصرافة" قال إنه لا يعرف... لكنه يقدر أن المتعاملين بالدينار العراقي يتوقعون أن تعمد الحكومة العراقية التي ستشكل عاجلاً أم آجلاً، إلى تبديل العملات القديمة بأخرى جديدة. وأعاد صيرفي آخر إلى الأذهان هزيمة الجيش العراقي أمام قوات التحالف عام 1991 وعودة الحكم في الكويت إلى سابق عهده حيث تم بعد ذلك بوقت قصير استبدال الدنانير الكويتية التي كانت خرجت من التداول خلال فترة الاحتلال بدنانير جديدة وبسعرها الذي كانت عليه قبل عام 1990. ومن شأن قرار مثل هذا، إذا صدقت التوقعات، أن يحقق لمن يتداول بالدينار العراقي أرباحاً شبيهة بتلك التي تحققت لمن تاجر بالدينار الكويتي خلال الفترة التي احتلت خلالها القوات العراقيةالكويت بعدما بدل دنانير كويتية اشتراها بثمن بخس بأضعاف السعر الذي اشتراها به بعد عودة الكويت إلى أهلها. ومن المعروف أن قيمة الدينار الكويتي الذي كان يعادل 2.3 دينار أردني قبل غزو الكويت انخفض خلال فترة الاحتلال إلى نحو نصف دينار أردني. وفي تلك الأيام أصدرت قوات الاحتلال العراقية قراراً ساوت فيه بين قيمة الدينارين الكويتيوالعراقي الذي كان لا يساوي أكثر من 25 سنتاً آنذاك. وهناك سبب آخر يجعل بعض الصيارفة والمواطنين العاديين يستمرون في تداول الدينار العراقي في نسخه المختلفة، وهو القياس على حالة مشابهة تعرض فيها الدينار العراقي إلى الإلغاء الرسمي لكنه استمر قيد التداول بعد الإلغاء الذي تم قبل نحو عشر سنوات. ففي أيار مايو 1993 اتخذ مجلس قيادة الثورة العراقي آنذاك قراراً بإلغاء الورقة النقدية العراقية من فئة 25 ديناراً. وكان عنصر المفاجأة الأكبر أن العملة الملغاة كانت الأصلية في نسختيها "الصدامية" و"أبو الحصون" أما النسخة المصورة، أي تلك التي كانت تصور في بغداد بكميات كبيرة على آلات تصوير بدائية وتطرح في الأسواق، فقد أبقاها قرار مجلس قيادة الثورة قيد التعامل وتحولت إلى العملة الرسمية للبلاد. وكان لهذه الخطوة أثر سلبي كبير ليس على تجار العملة والصيارفة فقط، بل على المواطنين الأردنيين العاديين الذين كانوا يحتفظون بكميات هائلة منها في منازلهم، وبعضهم لا يزال. اعتقد الجميع آنذاك بأن الدينار العراقي الأصلي خرج من التداول، خصوصاً أن فئة ال25 ديناراً كانت الأكبر وبالتالي فهي الأكثر تداولاً. غير أن الدينار العراقي بقي قيد التداول في سوق الصرافة الأردنية، على رغم أن المصارف كانت أوقفت تداوله عقب حرب الخليج الثانية، وكان السبب في استمرار تداوله في الأردن هو استمرار التعامل به في المنطقة الشمالية من العراق التي كانت تحولت منطقة ملاذ آمن عام 1991، كما أن تجار عملة خليجيين استمروا في التعامل به. وعلى رغم أن الحكومة العراقية آنذاك اتخذت الإجراء المذكور للمحافظة على سعر الدينار العراقي فإن ما حدث حقا هو أنه فقد جزءاً كبيراً من قيمته، فعشية اتخاذ قرار الإلغاء كان سعر الدينار في الأسواق العراقية وصل إلى نحو 65 ديناراً للدولار الواحد، وخلال عام من اتخاذ الإجراء ارتفع سعر الدينار العراقي في السوق السوداء العراقية بما يعادل نحو عشرة أضعاف، وبلغ سعر الدينار العراقي مقابل الدولار في أيار مايو 1994 نحو 650 - 700 دينار للدولار الواحد، وكانت تلك بداية ارتفاع شاهق لسعر الدينار العراقي أوصله عام 1995 إلى نحو خمسة آلاف دينار للدولار الواحد، لكنه عاد إلى الانخفاض مرة أخرى حتى وصل عشية الحرب الاخيرة إلى نحو 1800 دينار للدولار الواحد. حتى ذلك الحين كان سعر الدينار العراقي في سوق الصرافة الأردنية مرتبطاً بسعره في بغداد، لكنه منذ قرار الإلغاء وضع لنفسه سعره الخاص، وهو سعر كان يتبدل على إيقاع الأحداث السياسية التي شهدها العراق والمنطقة خلال الأعوام التالية. "الدينار البغدادي" او "الملاحف" او "الدينار الأحمر" لكن الدينار العراقي لم يعد في الأعوام التالية ديناراً واحداً كما كان من قبل، بل أصبح هناك أكثر من دينار، أي أكثر من نسخة، ولكل من هذه النسخ سعر، وهناك الدينار المصور أو "البغدادي" وطبعت منه نسخ عدة من بينها نسخ عريضة أطلق عليها الصيارفة الأردنيون اسم "الملاحف" لكبر حجمها، وهناك "الدينار الأحمر" بسبب لونه الأحمر الفاقع غير المتقن بسبب بدائية آلات التصوير التي تستخدم في طباعته، وأصبح لكل من هذه النسخ سعره الخاص. المقامرة وإن يكن الدينار العراقي مر بكثير من التعرجات وحالات الانخفاض والارتفاع في السابق فإن وضعه هذه المرة غير قابل للتكهن فلم يعد تجار المنطقة الشمالية في العراق يطلبون سوى فئة العشرة دنانير، أما باقي الفئات فلا طلب عليها. وشبه صيرفي في مكتب "السعودي للصرافة" التعامل بالدينار العراقي بالمقامرة فأي عملة هذه التي يصل سعر المليون منها إلى 50 ألف دينار أردني المقصود خلال فترة الحرب وبعد شهر يكون مصير العملة برمتها محل تساؤل!؟ ووافقه الرأي صيرفي في مكتب "مأمون السادات للصرافة" أما "مكتب العلمي" فذكر ل"الحياة" بما سبق وقاله مرات إنه لا يتعامل بالدينار العراقي لأنه عملة غير مستقرة ولا مستقبل لها منطلقاً من أن عملة تشهد كل هذه التقلبات والتحولات لا يمكن المراهنة عليها.