اسرائيل تتوعد سورية ولبنان بعواقب اذا كرر "حزب الله" عمليات شبعا، واميركا ما زالت تكرر انذارها سورية لأن "أداءها" ليس "مرضياً" بعد في الساحة الاقليمية … اسرائيل تواصل التحريض على ايران "النووية" وايران كأطراف اخرى ودول عربية تخفي شماتة بتورط واشنطن بوحول العراق ومقاومته المتصاعدة… وشارون المستاء من انتقادات بوش للجدار الامني، وجد فرصة لتشجيع "حماس" و"الجهاد" على الرد على اغتيالاته، فتنهار الهدنة، وتبقى "خريطة الطريق" مشروع نوايا خادعة. كل ذلك ليس في حسابات الحقل الاميركي الذي بدأ يهتزّ مجدداً، بعد فترة استرخاء قسري في المنطقة، فرضته صدمة السقوط السريع لبغداد في ايدي الاحتلال. ولعل واشنطن قدمت الكثير من الذرائع لأطراف متضررة من كابوس الفراغ الهائل في العراق، كي تشمت بصمت فيما تراقب تعثّر "التحالف" في مستنقعات المقاومة، وذاك المد الشيعي الخارج على عمامة المرجعية التقليدية ليطعن كل يوم في مهادنة الاحتلال وفي شرعية مجلس الحكم الخارج من عباءته. ومن العراق الى لبنانوفلسطين، تبدو المشاريع الاميركية والاسرائيلية وقد نجحت مجدداً في ضخ مزيد من الدماء في شرايين "جبهة الرفض" لا سيما بسبب عنجهية ادارة الرئيس جورج بوش واصرارها على سياسة الابتزاز لفرض مطالبها على الجميع، من دون مقابل، ولا حتى ضمانات "الحد الادنى" من ماء الوجه. واذا كان الوجه الآخر لهذا النهج المتغطرس، امعاناً اسرائيلياً في ابتزاز السلطة الفلسطينية لجرّها الى حمام دم مع الفصائل، واتجاراً بأوهام "خريطة الطريق" كما أثبت الجدار الامني فلا ضمان لشارون بالإفلات من وحل مستنقع آخر في الضفة او جنوبلبنان. حاخام ليكود يرى نجاحات في حربه لتصفية المقاومة الفلسطينية، لكن عملية نابلس ليست فحسب مؤشراً الى كونه استمرأ "لعبة" الدم، تحت ستار واهٍ من تلك الصورة الاميركية الزائفة له، بوصفه "رجل سلام". هو يراهن على فرصة مواتية للتملص من كل وعوده لبوش، وابقاء "الخريطة" شيكاً مؤجل الدفع للفلسطينيين في مقابل التزامات باهظة جداً. لكن ما لا يراه شارون ان فصائل مثل "حماس" و"الجهاد"، لن تمنحه مجاناً فرصة ذبحها، ولو رغبت عملياً في انهيار الهدنة، مثله. "حزب الله" ايضاً الذي تعامت واشنطن عن تصفية مسؤوله الامني علي حسين صالح، ثم فتحت عينيها على عواقب "تصعيده الاستفزازي" لا يخفي استعداده لتكرار ما فعل في شبعا قبل يومين. وبعد "الانذار" الاميركي لسورية ولبنان لضبط جبهة الجنوب، يبقى السؤال ما اذا كانت حسابات "جبهة الرفض" هذه المرة، تلتقي عند تنشيط المقاومة من لبنان الى فلسطينوالعراق حيث يرى بوش "تحسناً" في الوضع الامني ! لكنه لن يستطيع ان يخدع الاميركيين طويلاً، وهم يرون قائمة قتلاهم تطول بوتيرة اسرع بكثير من مشروعه "الديموقراطي" لمرحلة ما بعد صدام حسين. في حسابات "جبهة الرفض" او معسكر الشامتين بالرئيس الاميركي الذي يعد نفسه بولاية ثانية في البيت الابيض، كلما اقتربت انتخاباتها استعجل تسجيل انجازات سياسية، ان يحوّل الغاضبون من عنجهية الاميركي الذي "يروّعهم" بسيف انتصاره في الحرب على العراق، كل انتصاراته هزائم. صحيح ان صدمة بغداد ارغمتهم على الصمت في فترة "الاسترخاء" او الانكفاء القسري، لكن الصحيح ايضاً ان طهران كدمشق تحاول الانتقال من مرحلة تجريب الحوار ومد اليد للتعاون الامني مع الولاياتالمتحدة بعدما أجحفت واشنطن وأنكرت العرفان بالجميل، في افغانستان وفي الحرب على "القاعدة" الى مرحلة الدفاع الوقائي. وكالعادة، ساحات الاختبار معروفة، ولكن يبقى ازدياد حجم الخسائر الاميركية في العراق، على ايدي البعثيين او الاسلاميين او غيرهم، الرهان الاكبر لعل واشنطن تراجع استراتيجيتها مع فريق المتضررين من وجود جحافلها وطائراتها على ابواب حدودهم. في المقابل، يبدو رهاناً خاسراً كلما انصتوا الى الوزير رامسفيلد او الوزير باول، بل بوش نفسه الذي فضّل هذه المرة ان يحدد فترة بقاء تلك الجحافل والطائرات. ببساطة تنتهي مع انتهاء "الحرب على الارهاب"! ولأن "المارينز" لا ينهمكون بزرع الورود على حدود ايران او سورية، يبقى كل الاحتمالات الصعبة وارداً بالنسبة الى البلدين. ... ومعه يبقى وارداً كذلك احتمال الحسابات الخطأ. فلا بوش يتخيل للحظة ان تقوده وحول العراق الى الاعتراف بفيتنام ثانية، وسحب جنوده ببساطة، ولا شارون يقوى على ترك ورقة الامن مجدداً ل"حماس" و"الجهاد" و"حزب الله". وبديهي انه سيسعى الى مزيد من الابتزاز لواشنطن، كلما اقترب موعد الانتخابات الاميركية، وتلك فرصته الذهبية لنسف اي ضغوط من البيت الابيض، وأي هدنة مع الفلسطينيين. اما في الجنوب فالسوابق الشارونية لا تدع مجالاً للتكهن بأثمان التحدي. ومن فلسطين الى لبنانوالعراق، "جبهة" الشامتين بالغطرسة الاميركية الاسرائيلية، تنتعش، لكنها ما زالت في المربّع الضيّق.