مرة اخرى يجد شارون فرصة ذهبية في مسلسل العمليات الفلسطينية الانتحارية، ليتخلص من ادنى فرصة لمواجهة ضغوط في البيت الابيض، أقصاها لإقناعه ببدء خطوات "تجميلية" تمكّن الرئيس جورج بوش من كسب صدقية لشعاره في الحرب على العراق: إزاحة صدام حسين تسهّل السلام في الشرق الاوسط، وتريح الجميع. والخطوات المطلوبة من شارون لبدء تطبيق "خريطة الطريق" لا تعني لفصائل المقاومة الفلسطينية في ترجمتها الاميركية والاسرائيلية، سوى خريطة اخرى لنحرها… بيد حكومة "ابو مازن". واذا كان تصعيد العمليات في القدس وغزة يعقّد مهمة "ابو مازن" الذي تحرص اسرائيل على الاشادة ب"اخلاصه" واعتداله، فهو في المقابل يوحي بقلق "حماس" و"الجهاد" وغيرهما من الفصائل المعارضة، من اقتراب ساعة الاستحقاق الفلسطيني: تجريدها من السلاح، بالتالي إلغاء وجودها وكل ادوات الضغط في يد من يفاوض شارون وحاخاميه. والمشكلة مرة اخرى، وان تفاقمت بإصرار رئيس الوزراء الاسرائيلي على انتزاع نصر نهائي على المقاومة، مماثل لما يعتبره بوش انتصاراً في العراق، ان "حماس" مثل "الجهاد" وكل الفصائل المعارضة لتوقيع صك الطاعة لعصابة شارون، لم تعد تملك اي ورقة باستثناء العمليات المسلحة، وهذه اثمانها معروفة… مزيد من التنكيل بكل الفلسطينيين، ومزيد من الجنون الاسرائيلي الذي ترعاه ادارة بوش. ولن يغضب البيت الابيض لتأجيل رحلة حاخام العصابة الى واشنطن، ما دام "امن اسرائيل" يستدعي ذلك، ويتطلّب ايضاً تسريع المواجهة بين الانتحاريين او الاستشهاديين وبين حكومة "ابو مازن" التي تواجه امتحاناً عسيراً، فيما تحرص الدولة العبرية على دقّ إسفين بينه وبين الرئيس عرفات، لشطب وجود الاخير مرة واحدة والى الأبد. فإن لم يكن التلويح بطرد الرئيس الفلسطيني جديداً، فالواقع بعد تخلص اسرائيل من عبء مفاجآت الحرب على العراق، انها باتت تعتبر يدها اكثر تحرراً من اي ضغط اميركي، بالتالي تعد لمفاجآتها هي، وفي قبضتها ورقة شرعية لرئيس الوزراء الفلسطيني يتوقع ان تستغلها لابتزاز الفلسطينيين، واختزال آخر مرحلة في الوجود السياسي لعرفات… وربما المادي ايضاً. بديهي ان الاهداف الخبيثة لوضع الاخير في خندق واحد مع "حماس" و"الجهاد" في مواجهة "ابو مازن" وسلطته، لن تحيّر رئيس الوزراء الخارج من اول اجتماع مع شارون بعروض بعيدة مئات الاميال عن "خريطة الطريق"… إلا لتحشره في زاوية المستحيل. والمستحيل الذي تعرضه اسرائيل، ومن ورائها واشنطن، ان الثمن لشن حرب فلسطينية على فصائل المقاومة لا يعادل عشر الخريطة بكل مساوئها… ولا يوازي في هزاله سوى فقر الدم في ما حققه بوش من شعارات خرافية، على ارض جعلها سوداء في العراق، وهو يحاول ايهام الاميركيين قبل العراقيين بصنع معجزة. في حساب الخاسر والرابح، لا عرفات ولا "ابو مازن" او المقاومة في وارد جني مكاسب من تصعيد العمليات، او استثمارها في تليين مواقف شارون. واذا كان عزل الرئيس مجدداً في مقره في المقاطعة، لا يقدّم ولا يؤخر في دفع اهداف الحكومة الاسرائيلية، فرئيس وزراء فلسطين هو المستهدف هذه المرة بامتحان اول واخير، ليست فيه حلول وسط في حسابات عصابة تجد بعد الحرب على العراق فرصة لن تتكرر ل"استكمال المهمة" في الحرب الاخرى على الفلسطينيين. ولأن العالم تغيّر بعد سقوط بغداد، وصوت المقاومة الفلسطينية تتقطع أوتاره في الخارج بضغوط اميركية هائلة، وحملات ابتزاز، لا تجد المقاومة سوى ثلاثة "مخارج": هدنة مع الاسرائيلي يستطيع تحويلها استسلاماً، لأنها مرفوضة، او استسلام كامل يعادل الانتحار، او ما يحدث الآن من تصعيد يراهن شارون على جعله سكيناً لذبح الفصائل بيد السلطة. ثلاثة "مخارج" مستحيلة، وحرب اخرى مجنونة.