أن تصل الحملة الاسرائيلية على لبنان، تحت غطاء "الحرب على الارهاب" حد الترويج لتبرعات من أموال رئيس الوزراء رفيق الحريري لتنظيم "القاعدة"، بعد اتهام وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد ايران ب"تصدير ارهابيين من القاعدة" الى سهل البقاع عبر دمشق... ثم تروج مصادر ديبلوماسية عبر الصحافة الأميركية لشحنات صاروخية تلقاها "حزب الله" أو يتلقاها حديثاً من طهران، ولمعلومات عن حشد عناصر من "الحرس الثوري" الايراني في البقاع "استعداداً لضرب العمق الاسرائيلي ربما خلال أيام"، فذلك لا يعني سوى تنشيط حفلة الإثارة لاطلاق يد رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون في لبنان. هو حقق خطوات كبيرة في توجيه ضربة قاسية الى السلطة الفلسطينية وضربات الى الانتفاضة، وربما بات جاهزاً لنقل حربه الى جبهة الجنوب. أما الغطاء الأميركي فجاهز ايضاً، على رغم كل ما قيل عن خلافات في القمة الأخيرة لبوش - شارون. وإذ يأتي تأكيد الخارجية الأميركية توجيه سلسلة انذارات الى لبنان وسورية وايران خلال الأيام القليلة الماضية، تحت ستار مساعٍ لتفادي فتح "جبهة ثانية"، متناغماً مع حفلة التهييج الاسرائيلية على لبنان وادعاء ايوائه مقاتلين من "القاعدة" يحظون ب"دعم حزب الله"، وعلى سورية قبل التحذيرات الأميركية الملطفة الموجهة اليها في مجلس الأمن، والتلويح بعصا الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة لمعاقبة "الذين يقدمون ملجأ آمناً للارهابيين"... تكتمل ملامح مخطط مشابه لذاك الذي احتمى به شارون لشن حربه على الفلسطينيين. جولة الوزير كولن باول على الشرق الأوسط كانت أعادت جبهة مزارع شبعا الى الثلاجة، ولم يعد سراً انه أبلغ دمشق انذاراً بوجوب ضبط "حزب الله"، وإلا تُركت لشارون حرية الانتقام ورسم مداه. واستوعبت سورية الرسالة بدليل تهدئة المزارع، لأن التوقيت لم يكن مناسباً لرئيس الوزراء الاسرائيلي في ذروة عملية "الجدار الواقي"، وهذا بالطبع في الحسابات الاسرائيلية - الأميركية. أما خطورة اختلاف التوقيت الآن فلعلها تتبدى في طبيعة الانذارات الجديدة: انذارات بالجملة وتحذيرات من ثأر اسرائيلي كبير، قد يشمل غزو لبنان مجدداً واختراق الأراضي السورية، إذا وضع "حزب الله" عمق الدولة العبرية تحت رحمة صواريخه. وخبث شارون وأنصار حربه في الإدارة الأميركية، لا يدع مجالاً للتشكيك في قدرته على إشعال جبهة الجنوب واتهام الحزب بالطلقة الأولى، فكيف اذا كان الأميركيون قلقين ب"نية حسنة" على مصير مؤتمر السلام الصيفي اذا تحركت هذه الجبهة. إن القراءة المعاكسة لسلسلة التحذيرات الجديدة، تفترض سعي شارون الى توسيع حربه شمالاً، لضمان نسف المؤتمر أولاً، على رغم اهدافه الهزيلة، وابتزاز سورية ثانياً من خلال حشرها في زاوية ما يسمى في اسرائيل اللعب على الحبلين: تطمين الأميركيين الى دعمهم في الحرب على الارهاب، و"تحريض" تنظيمات فلسطينية مثل "الجهاد الاسلامي" على تفجيرات ضد الاسرائيليين. والمهم، بعد كل الذي حصل تحت "الجدار الواقي"، هل يقوى أحد في المنطقة على استبعاد جولة أخرى في حرب شارون وعلى مسرح آخر، قد تكون أشد ضراوة، وتنقل المسارين اللبناني والسوري الى مرحلة مغايرة تماماً، مثلما نجحت الجولة الأولى في تطويق الانتفاضة لمصلحة دولة فلسطينية ستبقى شعاراً ربما لسنوات. وما دام ميزان القوى، اقليمياً وعربياً، معروفاً يمكن تخيل نتائج كارثية لما يعد له شارون شمالاً. فماذا أُعد لمواجهته؟ سورية مشغولة بمعارضي التحديث بالتدريج، ولبنان منهمك بمعركة الغاء "أسطول سيارات المازوت"، بعد ملحمة انتخابات مقعد المتن.