عودة الى المحافظين الجدد 4 عندما كنت أتابع حملة الدكتور رون بول، عضو الكونغرس الجمهوري من تكساس، على المحافظين الجدد لفت نظري تفسير هذا النائب الجانب الديني في الموضوع. فهو قال ان ماكيافلي وبعده مايكل ليدين وغيره من المحافظين الجدد أدركوا أهمية الحميّة الدينية في دعم الدولة، وزعموا انها ضرورية اثناء استعمال القوة لتنفيذ أجندة الحكم. "وهذا كان صحيحاً على مدى التاريخ ولا يزال صحيحاً اليوم، فكل جانب في نزاع كبير يطلب رضا الله، وجانبنا يتحدث عن حملة صليبية وجانبهم يتحدث عن جهاد حرب مقدسة، وتنتهي الحرب بوقوف إلهنا مقابل إلههم، ويبدو لي ان هذا جهد خبيث لتأمين دعم الجماهير، خصوصاً أولئك الذين قد يقتلون من أجل المروجين للحرب من الجانبين...". اذا كان لي ان أزيد على كلام النائب بول، فهو ان أسامة بن لادن وغيره من أركان "القاعدة" يعتبرون الله في صفهم، كما يصر الأصوليون من مسيحيين ويهود على ان الله في صفهم هم. وأقنعني كلام عضو الكونغرس هذا بأن أكمل بشيء عن العلاقة بين المحافظين الجدد والأصولية المسيحية، او المعمدانيين التبشيريين من حزام التوراة في الولايات الجنوبية من الولاياتالمتحدة، حيث القاعدة الانتخابية الأساسية للرئيس جورج بوش. وكان هذا التحالف أغضب يهوداً أميركيين كثراً لأسباب عدة أهمها اثنان: الأول ان المبشرين حاولوا اقناع اليهود باعتناق المسيحية، والثاني ان المسيحيين الأصوليين يمينيون متطرفون، في حين ان غالبية اليهود الأميركيين ليبرالية معتدلة، ويفترض ألا يجتمع الفريقان في تحالف. غير ان وليام كريستول، أحد منظري المحافظين الجدد البارزين، عكس الرأي السائد في أوساطهم عن ان الغاية تبرر الوسيلة، فقال: "واقع ان الغالبية الأخلاقية تؤيد اسرائيل لأسباب دينية تنبع من الايمان المسيحي ليس سبباً لابتعاد اليهود عن هؤلاء. ما هي المشكلة بالنسبة الينا؟ انه دينهم ولكنها اسرائىلنا". أريد قبل ان أكمل ان أقول انني مدين بكثير من المعلومات والمراجع في الحلقات الجديدة للكاتب والصحافي الأميركي جيم لوب الذي اعتبره من أهم الخبراء في عمل المحافظين الجدد، وللصديق الدائم مايكل سابا الذي كان بين أول من رصدوا نشاط أنصار اسرائيل في الادارة الأميركية وحولها، كما انه والفس دون واغنر رصدا نشاط المسيحيين الصهيونيين في تحالفهم مع المحافظين الجدد. المسيحيون الصهيونيون لبسوا ظاهرة جديدة في الحياة الأميركية، فهم كانوا جزءاً من الأصولية الكنسية في الولاياتالمتحدة منذ منتصف القرن التاسع عشر، الا انهم لم يشكلوا قوة تذكر في المجال السياسي قبل ان يتحالفوا مع اللوبي الصهيوني خلال ادارة رونالد ريغان. وقد تراجع نفوذهم في ولاية جورج بوش الأب وولاية بيل كلينتون، وعادوا بقوة مع جورج بوش الابن لأنهم في صلب قاعدته الانتخابية. ويفترض ان الولاياتالمتحدة بلد علماني الى درجة ان تمنع الصلاة في المدارس، وتحرم المدارس التي تفعل من أي دعم حكومي، مع ذلك نسبت جريدة "ها آرتز" الاسرائىلية الى جورج بوش قوله خلال اجتماعه مع رئيس الوزراء الفلسطيني أبو مازن الشهر الماضي "ان الله أمرني بأن أضرب "القاعدة" فضربتها، والله أمرني ان أضرب صدام حسين وضربته...". ولم ينفِ الأميركيون ما سجلت الجريدة الاسرائىلية، وهو كلام مألوف من أركان الادارة، فوزير العدل جون آشكروفت، وهو مسيحي متطرف هاجم الإسلام وتراجع، قال في جامعة بوب جونز سنة 1999: "أميركا تختلف عن غيرها. ليس عندنا ملك ولكن عندنا يسوع المسيح...". الولاياتالمتحدة بلد مسيحي، مثل أوروبا الغربية، والأرقام الرسمية وشبه الرسمية تظهر ان 95 في المئة من الأميركيين سيقولون رداً على السؤال انهم مسيحيون حتى اذا كانوا غير ممارسين. وهذا يعني ان خمسة في المئة فقط يتبعون ديانات اخرى مثل الاسلام واليهودية وغيرهما. ولا ترتفع هذه النسبة في اي تقديرات عن عشرة في المئة. وسواء كان المسيحيون في الولاياتالمتحدة 90 في المئة أو 95 في المئة، فإنه يمكن تقسيمهم في ثلاث فئات رئيسة هي: الكاثوليك، والطوائف البروتستانتية من مسيحية وأنغليكانية ومنهجية، والمعمدانية من مبشرين جنوبيين، أو ما يعرف باسم المسيحيين المتجددين، مع أقلية تتبع الكنيسة الارثوذكسية الشرقية. ومع ان القس جيري فالديل يزعم ان الاصوليين المسيحيين ثلث الطوائف المسيحية الا ان الواقع ان المعمدانيين المبشرين هؤلاء لا يتجاوزون 18 في المئة الى 25 في المئة من المجموع، فيكون عددهم ضمن حدود ثمانية في المئة من جميع المواطنين. غير ان كارل روف، المستشار السياسي للرئيس بوش صرّح علناً بأن لا يجوز اغضاب القاعدة الانتخابية، أو 18 في المئة من المتدينين المحافظين، بحسب قوله. وقد صوّت 80 الى 90 في المئة من هؤلاء فعلاً لجورج بوش في الانتخابات، وهي نسبة تذكرنا بنسبة مماثلة، فنحو 90 في المئة من اليهود الاميركيين صوتوا ضد جورج بوش في الانتخابات لأن اليهود الأميركيين ليبراليون، وينتمون الى الحزب الديموقراطي. ولا يتوقع اي مراقب سياسي أميركي ان يزيد تأييد جورج بوش في شكل ملحوظ بين اليهود الأميركيين في الانتخابات المقبلة. مع ذلك، وعلى رغم الاختلاف السياسي الهائل بين الصهيونيين المسيحيين والمحافظين الجدد الملتزمين باسرائيل، أو بسياسات ليكود المتطرفة، فإن أركان المحافظين الجدد رحبوا بالصهيونيين المسيحيين في رفقة طريق تخدم اغراض اسرائيل على حساب سذاجة المعمدانيين التبشيريين الذين يفسّرون التوراة في شكل يختلف عن تفسير الغالبية المسيحية في بقية العالم. وأكمل غداً.