أتابع نشاط أنصار اسرائىل في الادارات الاميركية المتعاقبة منذ 25 سنة، وقد رأيتهم يدخلون الحكم ويخرجون، في ما يشبه الباب الدوار، ويعملون في مراكز البحث حول هذه الادارة او تلك، الا انني اعترف بأنني لم اتصور ان يأتي يوم يسيطرون فيه على السياسة الاميركية كما هي الحال الآن مع ادارة جورج بوش، فقد رأيتهم يمارسون نفوذاً، وتوقعت ان يقدموا مصلحة اسرائىل على مصلحة الولاياتالمتحدة، وان يتجسس بعضهم لاسرائىل، الا انني لم اتوقع ان يصلوا الى الحكم، وان يحاولوا تدمير القضية الفلسطينية والعراق، وان يوجهوا السياسة الاميركية لمحاربة العرب والمسلمين في كل مكان. اكتب اليوم مقدمة، فمنذ ستة اشهر، وأنا اخصص كل ساعة فراغ عندي لجمع المعلومات عن عصابة اسرائىل في الادارة الجمهورية الحالية. وكنت انوي ان اكتب تحقيقاً عن الموضوع، الا ان المادة التي جمعتها مع باحثين، وكتبتها بالانكليزية مع زميلة متخصصة في الموضوع مثلي بلغت 60 صفحة، نصفها عن صعود "الصقور" او "المحافظين الجدد"، أي الليكوديين الشارونيين، ونصفها الثاني عن ابرز اعضاء العصابة، فهناك نبذة وافية عن كل منهم. من دون تواضع فارغ، او تفاخر ممجوج، اعتقد انني كتبت اوثق دراسة ممكنة عن عصابة اسرائىل، فقد توافرت لي مصادر بحث ممتازة، ثم ان اهتمامي القديم بالموضوع كان يعني امتلاكي الخلفية المطلوبة قبل ان ابدأ. وسأنشر ما كتبت على حلقات في هذه الزاوية، فإذا جمعها القارئ المهتم فهو سيجد في حوزته في النهاية ملفاً كاملاً عن عصابة اسرائىل يرجع اليه ساعة الحاجة، وهو واثق من المعلومات فيه. استطيع ان اعود بالموضوع الى تاريخ محدد هو التاسع من آذار مارس 1978، ففي ذلك اليوم ضبط الصديق مايكل سابا، وهو اميركي من اصل عربي واسع الثقافة والقدرة، ستيفن بريان، المسؤول في لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس في حينه ونائب مساعد وزارة الدفاع لسياسة الأمن الدولي بعد ذلك وهو يعرض على وفد اسرائىلي زائر وثائق البنتاغون عن القواعد السعودية، ويرسم معهم "سياستنا"، اي السياسة الاسرائىلية في وجه الادارة الاميركية التي يفترض انه منها ويمثلها. كان بريان والاسرائىليون حول طاولة في مطعم فندق ماديسون، وكان مايكل سابا يجلس الى طاولة مجاورة، وسجل الحديث الذي وصل اليه من دون طلب. وكنت في تلك الايام انزل في فندق ماديسون وأنا اعد لفتح مكتب جريدة عربية جديدة تصدر من لندن هي "الشرق الاوسط". وسمعت بموضوع بريان الذي جعله الصديق مايكل محور جهده الوطني كله، وتابعته منذ ذلك الحين، وخصوصاً بعد ان فتحت مكتبي الخاص في مبنى ماديسون للمكاتب الملاصق للفندق بعد ذلك بسنتين. ستيفن بريان اوقف عن العمل بعد ان شكا مايكل سابا رسمياً، وبدل ان يحاكم ويعاقب ضمه ريتشارد بيرل، وكان وكيل وزارة الدفاع، اليه في الوزارة مساعداً. اذا لم يكن افراد عصابة اسرائىل اسفل اهل الارض، فهم بالتأكيد الاوقح. وستيفن بريان متهم بتسليم صور القواعد السعودية الى اسرائىليين، فينتقل الى وزارة الدفاع حيث الاسرار الدفاعية للشرق الاوسط كله. وبعد 25 سنة يُتهم المحافظون الجدد، او عصابة اسرائىل اياها، بالتخطيط لتدمير العراق خدمة لاسرائىل، فيرسلون احدهم الجنرال المتقاعد جاي غارنر، من المعهد اليهودي لشؤون الامن القومي الى العراق ليترأس بلداً من 24 مليون عربي ومسلم. ربما كان الموضوع ابعد من مجرد وقاحة، فما يجمع بين اعضاء العصابة كلهم عنصرية او فوقية تجعلهم يحتقرون الناس الآخرين، فهم افضل واسرائىل اهم. وثمة حلف معروف بين انصار اسرائىل والمسيحيين المتجددين من قاعدة جورج بوش الانتخابية في الولايات الجنوبية، او ما يعرف بحزام التوراة، الا انني اشعر بأنهم يحتقرون المسيحيين الاميركيين مع العرب والمسلمين، ويستعملونهم لحاجتهم، من دون نسيان انهم "افضل". وقد ازيد هنا ان نفوذ المحافظين الجدد اكبر كثيراً من حجمهم، وتحالفهم مع المسيحيين الجدد مثل طيب على ذلك. فهؤلاء لا يزيدون على 17 في المئة من جميع مسيحيي اميركا، والكنائس الاميركية الأخرى كلها اصدرت بيانات واضحة جداً ضد الحرب على العراق، ومع ذلك فهم متحالفون مع جناح بوش من المعمدانيين الجنوبيين، اي الاقلية الحاكمة. وأهم من ذلك انهم هم اقلية بين اليهود الاميركيين، فهؤلاء في غالبيتهم العظمى من الديموقراطيين الليبراليين، وجورج بوش لم يحصل على اكثر من عشرة في المئة من اصوات اليهود الاميركيين، ولن تزيد هذه النسبة كثيراً في الانتخابات المقبلة. ارجو من القارئ العربي وهو يقرأ الحلقات عن عصابة اسرائىل ان يتذكر ان هؤلاء اقلية، وان غالبية اليهود الاميركيين تؤيد السلام بين الفلسطينيين والاسرائىليين، ومع العرب والمسلمين كلهم. وكما ان بعض اسوأ اعداء القضية الفلسطينية والعراق وايران وسورية وغيرها من صقور اسرائىل في الادارة الاميركية وحولها، فإن بعض افضل المدافعين عن القضية الفلسطينية هم ايضاً من اليهود الاميركيين. وأسوأ ما يمكن ان نرتكب هو ان نرد على العنصرية بمثلها. اليوم مقدمة، وأرجو ان يهتم القارئ بالموضوع الى درجة ان يجمع الحلقات التي تبدأ غداً.