منذ بداية الفن السابع العربي، والسينما المصرية تحتل المراتب الأولى في إنتاج الأفلام في المنطقة العربية، يرافقها انتاج كبير في الكتابات النقدية والدراسات التي تتناول هذه الأفلام. وعلى رغم كثرة النقاد المصريين، وتنوع كتاباتهم، إلا انهم لم يتعاملوا في شكل معمق مع المادة الفيلمية على انها لوحة فنية متحركة. وركزت كتاباتهم على الفكرة والمضمون والرسالة، مستغرقين في الوصف على حساب التحليل العلمي للصورة ودلالاتها وارتباطها بالمضمون. لا ينفي هذا وجود محاولات تتناول العناصر الفنية في الفيلم، إلا انها لم تشكل حتى اليوم تياراً نقدياً واضحاً. من هنا، ربما نستطيع اعتبار ما قدمه د. ناجي فوزي، في كتابه "قراءات خاصة في مرئيات السينما المصرية" الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة، واحدة من هذه المحاولات الباحثة عن مواطن جديدة للإبداعات المرئية في السينما المصرية، من خلال إعادة قراءة عدد من الأفلام المصرية، المتنوعة في مضامينها والغنية بعناصرها الفنية، مع تعمد اختلاف المخرجين، ومديري التصوير ومهندسي الديكور وفناني المونتاج... وإن لم يتم تناول دور كل واحد منهم في العملية الإبداعية. الفن اولاً كان التركيز اولاً على العناصر الفنية كالإضاءة والديكور والإكسسوار والأزياء والحركة...، وثانياً على العلاقة بين هذه العناصر والشخصيات للوصول الى صورة متكاملة متناسقة مع المضمون. لكن هل استطاع الكاتب ان يستوفي جميع العناصر البصرية، من خلال خياراته الفيلمية؟ كان الديكور والأكسسوار اول ما تناوله في فيلم "بداية ونهاية"، منتقلاً الى البعد الرابع الزمني في فيلم "المومياء" المحقق من طريق الضوء والشكل واللون والحجم... كما اهتم بكيفية توظيف اللقطات وأنواعها في فيلم "الشوارع الخفية" وصولاً الى الشكلانية الخالصة لتقنيات التصوير السينمائي في فيلم "زوجتي والكلب"، والتطرف في تباين المرئيات بين ما هو اسود وأبيض في "ليل وقضبان" ودراسة الحركة بإمعان في "العصفور"، لينهي الكتاب بما أسماه الملحمة البصرية المتجسدة في فيلم "شفيقة ومتولي". لا تكفي العناوين لكشف اهمية ما تناوله الكاتب في كل فصل، فقد اوضح في "بداية ونهاية" مثلاً، العلاقة بين المفردات المرئية في النص الأدبي لرواية نجيب محفوظ ونظيراتها من مفردات مرئية في الفيلم السينمائي، خصوصاً ان ادب نجيب محفوظ زاخر بوصف المرئيات التي أفاد منها المخرج، وربما طبقها حرفياً في كثير من المشاهد. نرى هذه العلاقة في شكل مغاير تماماً في فيلم "ليل وقضبان" المأخوذ عن رواية "ليل العبيد" والذي يختلف عنها كلياً في كيفية تناول الشخصيات وفي تأكيد حالات التباين في المرئيات السينمائية، التي تصل الى حد التطرف... لاحظنا في الفيلمين السابقين، إما انحياز الشكل الفني للعمل الأدبي بقوة، او الاختلاف عنه. اما معادلة الجمع بين الاتجاه الفكري للأديب واجتهاد الفنان السينمائي فقد تحققت في فيلم "الشوارع الخلفية" المأخوذ عن نص ادبي ايضاً. الضرورة الفنية وتحقيق هذه المعادلة ينجي الفيلم من الاستغراق في الشكلانية، كما في "زوجتي والكلب" اذ تم استنفاد الطاقة الشكلية الكامنة بين ثنايا التقنيات، والتي افرد لها الكاتب حيزاً كبيراً موضحاً من خلالها انواع اللقطات في معظم الأفلام وقياس العدسات، وكيفية الحصول على إضاءة ما، كالإضاءة غير المباشرة في فيلم "المومياء" وربط كل ذلك بالضرورة الفنية للتعبير عن حال نفسية او كلمات وضعت على شريط الصورة لا الصوت. واهتمام الكاتب بالتقنيات جعله يكثر من المصطلحات، قسم منها عام ومتعارف عليه، والقسم الآخر خاص بالكاتب فقط مثل اداء الأشياء اي الأغراض والأكسسوارات المرتبطة بعلاقة مع الشخصيات... لم يحلل الكاتب جميع العناصر الفنية في الفيلم الواحد، بل تناول عنصراً معيناً من كل فيلم، واستطرد فيه مع اشارة مختصرة الى بقية العناصر محاولاً تحقيق تكامل في تناول العناصر الحركة، الإضاءة، الديكور... من خلال الأفلام كافة. لكن الاستطراد في شرح العنصر الواحد سبب الملل احياناً، مثل دراسة الحركة في فيلم "العصفور" والتي وجد الكاتب ان معظم تصميماتها الدالة الى النتائج السلبية تأتي معبرة عن اتجاهها من يمين الصورة الى حافتها اليسرى... كان يكفي مثال او اثنان لإيضاح الفكرة المرجوة، لكن الكاتب احصى جميع المشاهد وذكرها، وأوجز في بقية انواع الحركة... سبب الملحمية وفي الكتاب محاولة لاستكمال جوانب لم يتم ذكرها في مقالات نقدية سابقة على رغم الإشارة الى ما كتبه بعض النقاد وتأييد جزء منه ونقض الآخر، كما في فيلم "شفيقة ومتولي" مبيناً ان الجانب الملحمي ليس بفعل وجود الراوي، إنما لتحقق عناصر بصرية متكاملة تجعل منه ملحمة بصرية. مهما يكن من ثغرات يمكن تجاوزها في الكتاب، وأهمها عدم تنظيم تلك الدراسة او استكمالها، إلا ان اهميته اتت، من كون القراءات في مرئيات السينما جديدة العهد في منظومة النقد السينمائي في مصر، اضافة الى سلاسة الأسلوب للدارس والمهتم بالسينما وليس للقارئ العادي الذي سيصطدم بالمصطلحات وأنواع اللقطات وقياس العدسات... ما يجعل الكتاب جافاً بالنسبة إليه خصوصاً أنه يفتقر الى رسوم توضيحية تكسر طول السرد. ويبقى اختلاف هذا الكتاب، محرضاً للنظر في شكل تحليلي الى الإبداع السينمائي، ومانحاً القدرة على قراءة ما يكتب على الشاشة.