منذ عشر سنوات، اهتمت فرق من الشباب السعودي في مختلف المدن السعودية، بإنتاج الأفلام القصيرة، رغم ابتعادهم عن أساسيات تنفيذه، فظهرت غالبية أفلامهم بما يكشف عن ضعف في التناول وضيق في المخيلة السينمائية، وتبين أن جل الأفلام تعاني من هزال في السيناريو وركاكة في التمثيل، وبعد المضامين عن روح البيئة أو سبر ثقافتها، إلى جانب التوظيف غير المتقن لبقية العناصر المكونة للفيلم، وأهمها غياب حساسية احتساب الزمن في المونتاج، والتخبط بين تقنيات الفيلم الطويل والقصير، ويعلو هذا وذاك ضبابية الأفكار في أذهان المخرجين، واستجد على ذلك في السنوات الأخيرة الركون إلى تقليد بعضهم بوضع أنماط محددة في توظيف العناصر الفيلمية والاشتغال عليها كمسلمات أساسية، مثل توظيف صوت العود كخلفية موسيقية، أو الأداء التمثيلي المسرحي والتلفزيوني غالبا. في ذات الوقت، لا يكمن هضم إجادة القلة القليلة من المخرجين لعناصر محددة في أفلامهم القصيرة، فبعض منهم يجيد تحريك الكاميرا واختيار زوايا الالتقاط، وبعض آخر يوفق في اختيار الموسيقى المصاحبة أو المؤثر الصوتي، وثالث يحسن إدارة حركة الممثلين.. لكن السينما، كأي عمل فني، لا تعترف إلا بالعمل المتكامل التي تتوافر فيه الحدود الدنيا من توليفة الحبكة الإخراجية برمتها. واقع معظم هذه الأفلام يخبرنا أن المخرجين قاموا بأنفسهم بكتابة السيناريو عدا قلة وتدخلوا مباشرة في الإنتاج والتصوير والموسيقى المصاحبة، ويستطيع المتتبع لهذه التجارب أن يرى الفقر الواضح في المعالجة الفنية، مع أن ثمة نشاطا كتابيا متصاعدا تشهده المملكة في حقلي الرواية والقصة، لكن برغم ذلك ظل السيناريو خارج دائرة الحياة الثقافية، فلا يوجد كتاب سيناريو متخصصون، باستطاعتهم إعادة كتابة النصوص الأدبية بما يناسب السينما أو ابتداع سيناريو من وحي أفكار مبتدعة تكتب للسينما قصدا، أو حتى صناعة ديكوباجات سينمائية معقولة، ذلك والجميع يعي بديهية القاعدة القائلة: (لا صناعة لفيلم ناجح دون سيناريو جيد). هذا الافتقار إلى كتاب السيناريو المحترفين يصل تأثيره إلى حد التوقف عن العمل السينمائي بأكمله، أو ظهور أفلام بمستوى بائس. ولذلك يربط النقاد نجاح الفيلم بالسيناريو الجيد وبالفكرة الواضحة العميقة والمعالجة الموضوعية عبر اللغة السينمائية، وليس عبر لغة التلفزيون التي تأثر بها الهواة، فبدت أعمالهم كتمثيليات تلفزيونية مرتهنة لتقنيات المسلسلات التلفزيونية أو ما كان يعرف بالتمثيليات. وتؤكد الحقيقة العلمية أن السيناريو حرفة لا يتعلمها المبتدئ إلا عبر طريقتين، أولاهما الدراسة الأكاديمية المصقولة بالتدريب، وثانيتهما الممارسة والتجريب.. فهو نوع أدبي أصيل يحدد تفاصيل الحوار بكلمات وألفاظ وربما بلهجات محددة، ويرشد فني الكاميرا إلى الحركة التي يجب أن تتخذها والزوايا التي عليه أن يصوب نحوها وينصح فني الجمع والتركيب (المونتير) بحجم وطول اللقطة وما يناسبها من مؤثر صوتي أو موسيقي، بل والأهم من ذلك أن يحرك مخيلة المخرج لكيفية بناء المشاهد واللقطات، بما فيها إدارة أداء الممثلين وتنسيق ملابسهم. ولا يغيب على المخرج المبدع أنه ينبغي عليه أن يأخذ دوره في البحث عن موضوعات يمكن تحويلها إلى سيناريو يكشف من خلاله خبايا إمكاناته في تجسد النص وتطويعه ضمن معارفه وخبراته، مع إلمامه بتقنيات التصوير والمونتاج والمزج الفني (المكساج)، وعليه أن يتولى إدارة الفنيين ويشارك في تصميم الأزياء والإضاءة و(المكياج). فالسيناريو السينمائي تصور تعبيري متكامل لكيفية رواية موضوع معين بأسلوب خاص لإحراز التأثير المطلوب. لذلك فإن التعاون بين المخرج ومنفذ الإخراج وكاتب السيناريو ومدير التصوير والمونتير وفني الإضاءة والمكياج، له أثر حاسم في إنجاح الفيلم أو إخفاقه، وهذه الحقائق نفترض أن يدركها المخرجون المبتدئون نظريا، ولكنهم بعيدون عنها عمليا ونظريا. إن كثيرا من مهام مخرج الفيلم الروائي الطويل تنطبق على مخرج الفيلم الروائي القصير، وما يحدث في واقعنا الراهن هو التسرع والاعتقاد من قبل المخرج الهاوي أنه يمتلك كل شيء في تنفيذ الفيلم القصير، غير مدرك للفارق الكبير بين امتلاك كل شيء وإدارة تنفيذ العمل. هذا التسرع والركض المحموم للالتحاق ببعض المهرجانات الإقليمية يتسبب في تدمير هذه الفورة الشبابية، ولا يعاب هنا على المهرجانات، فهي تهدف إلى بث الحماسة، وإن كان يؤخذ عليها قبول الأفلام غير الجيدة دونما اشتراطات مسبقة. لكن الخطيئة تقع على الراكضين وراء الشهرة والهالة الإعلامية الكاذبة، وهم في كل الأحوال ليسوا مبدعين حقيقيين. وهم في غالبيتهم يخلطون خلطا سافرا بين تقنيات الفيلم الطويل وتقنيات الفيلم القصير، ويوظفون ما يلائم الفيلم الطويل في دقائق الفيلم القصير، فيحدث خلل واضح في الحبكة يؤدي إلى نفور المشاهد من متابعة الفيلم، أو إجبار نفسه على مشاهدة مادة فيلمية تثير اشمئزازه وحنقه بل وسخريته وتهكمه على ما يشاهد. ولعل يقينية الحاجة أضحت ماسة إلى الاستفادة من الدور الذي تلعبه السينما الروائية، خصوصا في إطار الاتصال الثقافي بين الدول والشعوب، بل واستطاعتها تناول كثير من الموضوعات الحضارية والثقافية والاجتماعية ومعالجتها بأساليب تغري على متابعتها والاستمتاع والاستفادة منها إعلاميا في البرامج الهادفة إلى التقارب والتواصل الثقافي.. تلك النظرة غابت، ومتوقع أن تظل غائبة في واقعنا المحلي إلى أن يفهم معنى السينما كفن يدخل بالمتفرج إلى عالم سحري افتراضي درامي، ويشعره بأن هذا العالم هو الحقيقة والواقع، بل يدخله في حالة من الإيهام الكامل.. ذلك الإحساس هو الحقيقة السينمائية المستعصية على الفهم السعودي.