Mercedes Garcia-Arinal. Islamic Conversion. تحول إسلامي. Maison Neuve et Larose, Paris. 2002. 460 pages. يتضمن هذا الكتاب مداخلات باللغتين الفرنسية والانكليزية لباحثين في التاريخ والعلوم الاجتماعية في الشرق والغرب، في اطار مشروع بحث تموّله "المؤسسة الأوروبية للعلوم" Fondation Europeenne de la Science بعنوان "فرد ومجتمع في العالم الاسلامي المتوسطي". وتأخذ كلمة Conversion في اللغة العربية معنى استبدال وتغيير أو اعتناق لدين. اما من منطلق اسلامي محض فتكون ترجمتها "إسلاماً" اذا تم التحول من دين آخر الى الاسلام، أو العكس، أي "إرتداداَ" اذا تم التحول من الاسلام الى ديانات اخرى. كذلك تأخذ الكلمة صيغا مختلفة حسب تداولها سياسياً أو اجتماعياً. ففي أرشيف الدولة التونسية وقبل بداية نظام الحماية، توجد الوثائق المتعلقة باعتناق الاسلام ضمن ملف عنوانه باللغة العربية "اعتناق الاسلام". اما في فترة نظام الحماية بين 1881 و1916 فقد وضعت الوثائق ذاتها في ملف عنوانه باللغة الفرنسية "ارتداد"، معبرة عن وجهة نظر السلطة الفرنسية بمن تخلى عن دينه الأصلي ليعتنق الاسلام محمد كرو. ويتطرق العدد الأكبر من المداخلات الى موضوع اعتناق الاسلام منذ بداية الفتح الاسلامي، مروراً بمرحلة الاستعمار والانتداب حتى نشأة الدول الحديثة، وذلك في محيط البحر الأبيض المتوسط - ذاك الحيز المميز الذي تلتقي وتتعايش فيه مجموعات دينية وعرقية وطوائف متعددة منذ بدايات التاريخ البشري. كما يتطرق الى ظاهرة التحول من دين الى دين: مثلاً بين المسيحية واليهودية، وداخل الأديان عامة من مذهب الى مذهب كميليا ادنغ، أو من طائفة الى اخرى. كما يتابع مسيرة أفراد وجماعات ارتدوا عن الاسلام ولو كانت اعدادهم قليلة. وتروي وثائق ارشيف الارساليات الاميركية الى الخليج العربي ما بين 1889 و1983 كيف فوجئ مرسلوها بأمة متمسكة بدينها ومعتقداتها وتقاليدها وحياتها الاجتماعية، تعتبر دينها خاتمة الاديان وتهمّش القلائل المرتدين. فيقول أحد هؤلاء المرسلين عن الاسلام: "باب يفتح نحو الداخل وليس نحو الخارج" جرزي زدا نووسكي. في المقابل، هناك مثلاً المؤسسة العسكرية التي تمثل محور تحول من دين الى دين عبر التاريخ: مقابل الحرس المسيحيين لبني نصر في غرناطة، هناك حرس ملوك قشتالة الذين اعتنقوا المسيحية في القرن الخامس عشر ليتمكنوا من دخول مؤسسات الجيش وحرس القصر، بحيث ان هؤلاء الهاربين من الصراعات الدامية في الأندلس أمّنوا على حياتهم وعيشهم. اما الملوك، فكسبوا رجالا متدربين على مهنة السلاح ليس لديهم اي انتماء اجتماعي أو عائلي ولا يشكلون أي خطر على السلطة أنّا اشوفاريا اورسواغا. ان التحول من دين الى آخر هو عبارة عن مسيرة دخول في عالم جديد من الإيمان والطقوس والممارسات الاجتماعية. ويربط الكتاب بين هذا التحول وبناء الهويات الثقافية والاجتماعية والسياسية للأفراد والجماعات. ففي الأبحاث الحديثة فريديرك بارث يتم تحديد الانتماء عبر مفهوم "الحدود"، بمعنى آخر، المقاييس التعريفية للانتماء هي التي تبرز وتبقى عبر الاحتكاك بالآخرين اكثر مما هي مقاييس ثابتة أو جامدة تحدد نفسها. ففي بدايات الفتح الاسلامي، هناك عدد من اليهود اعتنقوا الاسلام، لكن ليس بكثرة الجماعات المسيحية الموجودة في هذه المناطق. لماذا؟ حسب ديفيد وسريتين في دراسة حول أسلمة اليهود، ان الدين اليهودي عند ظهور الاسلام، كان على وشك الاختفاء، مثله مثل الوثنية، وكان اندثر لولا الفتوحات الاسلامية. فاليهود كانوا قليلي العدد، مبعثرين، من دون لغة مشتركة، غير معترف بهم شرعياً ومستواهم الثقافي متدنٍ. والإسلام وحّدهم في نظام سياسي وثقافة واحدة ولغة مشتركة كما اعترف بوجودهم الثري. فبرزت ثقافة يهودية جديدة لتعطي ثمارها في القرون الوسطى. اما في المغرب، فبين القرن السادس عشر والتاسع عشر، هناك أفراد وجماعات أتوا من شتى أنحاء العالم انكلترا وهنغاريا مروراً باليونان وقد اعتنقوا الاسلام أطفالاً أولاد اسرى مثلاً أو ناضجين، بقرار منهم أو اكراهاً، وكان فيهم أرقاء كما كان فيهم أحرار. وكان من الصعب التفرقة بينهم وبين المورسكيين الهاربين من اسبانيا بعدما اجبروا على اعتناق المسيحية مع انتصار الملوك الكاثوليك على المسلمين في الاندلس. الطرفان يعملان في القرصنة أو في الجيش، كمترجمين أو كتّاب. ويلعبون دور الوسيط بين الغرب والاسلام بينما يبقون على هامش المجتمع من دون ان تزول الشكوك في ما خص صدق اسلامهم. وقد أنتجوا أدباً خاصاً ساعدهم على بناء هوية اسلامية وعلى الاندماج في هذا المجتمع الجديد، فنشروا كتبا دينية تدافع عن الاسلام وتناقض المفاهيم السيحية التي عاشوها عن قرب ج ا ويغرس. ويطمح الكتاب إلى طرح اشكالية جديدة تخص الإسلام والتحول الديني. فلهذا المفهوم - عندما يُيستعمل في العلوم الاجتماعية عامة - تاريخ موروث عن الدين المسيحي عبر كتابات الأوائل مثل القديس بولس أو القديس اوغسطين صاحب "الاعترافات"، الذي يصف عملية التحول كمسيرة داخلية وروحية شخصية عميقة هي أقرب إلى التصوّف في الإسلام من اعتناق الدين الإسلامي بحد ذاته. واستعمال هذا المفهوم بأبعاده التاريخية المسيحية لدراسة الظاهرة نفسها في الإسلام مجرد إسقاط يسيء الى فهم خصوصيات الاعتناق في الدين الإسلامي. وتدرس جيوفانا كلاسو في مقال محوره كتاب الطبقات وسر أهل البصرة لابن سعد، وصف اعتناق الإسلام الذي يُختصر بكلمة "أسلم" الشخص. فلا رواية لما قبل تلك اللحظة ولا وصف للتحول الحاصل، ويتبين أن اعتناق الدين الإسلامي، عكس المسيحية، ليس هو إلا بداية طريق محوره الجماعة. فالشهادة تكفي للدخول إلى الأمة الذي بعده يتم التعرف على التعاليم والممارسات الدينية. ومن خصوصيات الإسلام المشار إليها التركيز على "الفطرة" إذ، كما تردد الكتابات الدينية والشرعية، "ان كل إنسان هو مسلم عند ولادته لكن الأهل هم الذين يلحقون أبناءهم بأديانهم على أشكالها". وتتلاقى هذه النظرة مع نظرة الغربيين الذين اعتنقوا الإسلام باعتباره أقرب إلى منطق الفطرة والدين الطبيعي - هذا المفهوم الذي انتجه عصر التنوير في أوروبا القرن الثامن عشر - من أي دين آخر. يقول لسيج، وهو من أبرز مفكري هذه الحركة الأدبية والفلسفية والتي تميزت بتحكيم العقل على كل شي، مدافعاً عن آدم نوسر الذي أسلم في القرن السادس عشر، ان أفضل دين هو الذي يضيف الأقل إلى منطق الفطرة، وان الإسلام بتركيزه على الأولويات التوحيد، الرسالة/ الأمة، الايمان أقرب إلى الدين الطبيعي وإلى العقل البشري كما خلقه الله من المسيحية ومعتقداتها المعقدة دومينيك دي كورسيل. لقد عاش العالم الإسلامي في تنوّع ديني وطائفي وعرقي متميز. تؤثر فيه كل فئة على الأخرى بتفاعل بين الحضارات والثقافات، ما أعطى للمنطقة خصوصيتها. ففي بلاد الشام بين القرنين السابع عشر والثامن عشر، وفي مدن القدس وحلب ودمشق بشكل خاص، تتكاثر الديانات والطوائف وتندمج. التاجر الحلبي المسيحي يتبع في بيته ولباسه وحياته الاجتماعية النموذج الفارسي والتركي المرتكز على التقاليد الإسلامية. اللغات الثلاث، التركية واليونانية والعربية، معممة والأماكن المقدسة مشتركة وجوهر العلاقة بالمقدسات مشترك، كما نرى من خلال الطقوس الجماعية للكنيسة الشرقية. ويبدو المسيحي الشرقي أقرب إلى المسلم مما هو إلى المسيحي الغربي. وحاولت السلطة العثمانية ضبط الأوضاع وابقاء التفرقة بين مسلم وغير مسلم عبر اصدار القوانين الشرعية، لكن المجتمع حافظ على الاندماج، فلا ضرورة لاعتناق دين الآخر، والتحول من دين إلى آخر أمر نادر، إذ من الممكن استعارة أو تبادل التقاليد. لكن يشكّل الدخول الأجنبي الغربي إلى المنطقة تحوّلا للقضية الدينية، من قضية داخلية في أراضي النفوذ الإسلامي العثماني إلى نقطة توتر وتلاعب في العلاقات الدولية. وسيقوى الفصل بين الديانات والطوائف بشكل تدريجي من مرحلة نظام الوصاية إلى مرحلة الاستعمار والانتداب.فتطور التبادل التجاري وشبكات الاتصال يساعد على انتشار النفوذ الأوروبي، بينما تتحول النظرة المسيحية انتظار الآخرة إلى واقعية في العمل الديني منذ اكتشاف أميركا والاصلاحات البروتستانتية والكاثوليكية. فتعمل الارساليات الغربية على جذب المسلمين والمسيحيين الشرقيين من خلال الخدمات الطبية والتعليم وتنظيم بعثات الشباب إلى أوروبا للدراسة، كما تعمل على تعميد المرضى المحتضرين في فترات انتشار الأوبئة. كذلك بدأ الدخول إلى الكنيسة اللاتينية يشكل احتمال تطور اجتماعي خصوصاً للمسيحيين الشرقيين. فتحركت الكنائس الشرقية وراحت تشكو إلى السلطات العثمانية من هذا الاعتداء على رعاياها، تقدمه كاعتداء على سلطة الدولة وتحد لها من قبل القوى الغربية الأجنبية. فكانت الارساليات على علاقة وثيقة بالبعثات الديبلوماسية في الشرق الأوسط، لا سيما الايطالية والانكليزية والفرنسية حامية الكاثوليكية والثورة الفرنسية. أما العثمانيون، فكانوا يتكلون على نظام الطوائف لحفظ الأمن والقانون وتحصيل الضرائب. فلم تكن تناسبهم التحولات من طائفة إلى طائفة، لكن ضغطهم على الكنائس الكاثوليكية اللاتينية بات محدوداً ضمن اللعبة الديبلوماسية فريدريك أباكاسيس. وفي القرن التاسع عشر، ولمواجهة هذا الوضع، اتبع الأتراك سياسة إعادة أسلمة المجتمع بأكمله ببنائهم المدارس القرآنية والجوامع وارسال علماء الدين إلى كل أنحاء الدولة العثمانية، كما قاموا بحملات تدعو الجماعات غير المسلمة إلى الإسلام.وقد بدأت حملتهم سنة 1891 باقناع الاكراد اليزيديين المنشقين عن الاسلام، والمعتبرين عبدة الشيطان، والذين تحتاجهم الدولة العثمانية كعسكر لها، بحيث ارسلت بعثة تضم قيادات محلية وروحية تمكنت من اقناعهم بطريقة سلمية عبر المحادثات وبناء المدارس والجوامع وغيره. لكن سرعان ما عادوا الى دينهم وممارساتهم القديمة، ما جعل القائد العسكري للمنطقة يشن حرباً ضدهم ويكرههم على اعتناق الاسلام، وهذا ما تسبب بسفك الدماء من الطرفين. بعدها قام الاكراد بتقديم شكاوى الى الباب العالي في اسطنبول والى الفرنسيين فأرسلت بعثة تحقيق من قبل السلطة العثمانية وأجبرت القائد العسكري على الاستقالة. وأخذ الاكراد اليزيديون الجنسية التركية سنة 1914 مع بقائهم على دينهم سليم درنجل. وتعزز الربط بين السياسة والدين في مرحلة الانتداب ورافق نشوء وبناء الدول الحديثة في المنطقة، فاصبح التوجه من دين الى دين جزءا من الصراع الدائر بين قوى الاستعمار والمقاومة من أجل الاستقلال.ف في بدايات القرن مثلاً، انضم بعض الجنود الايطاليين الفارين من التجنيد الاجباري في بلادهم الى السنوسيين الذين قادوا حرباً ضد الاستعمار الايطالي. وأعلن هؤلاء الايطاليون عن اسلامهم تأييداً لهذه القضية التي يعتبرونها قضية حق سلفتور بونو. كذلك في المغرب، أصدرت السلطات الفرنسية في فترة الانتداب، بتاريخ 16 أيار مايو 1830، قراراً بالغاء تطبيق الشرعية الاسلامية في مناطق البربر لصالح تطبيق القانون المدني، ضمن سياسة إلحاقهم بسلطة الانتداب والغرب. فأطلق الوطنيون العرب حملة ضد هذا القرار وضد التفريق بينهم وبين اخوانهم البربر المسلمين، وضد السياسة الاستعمارية الفرنسية، في كل أنحاء العالم العربي مثلاً المؤتمر الاسلامي في القدس سنة 1931 وارسلوا لعدة سنوات برقيات شكوى الى جمعية الأمم في جنيف. محمد كنديب. أما في أوروبا فاستعان المعارضون البولنديون للسلطات النمسوية والروسية والهادفين لاستقلال بلادهم وتحريرها منها، بالدولة العثمانية بين 1831 و1849 في حرب خاضوها ثم خسروها. وهذا ما دفع عددا من الضباط البولنديين الى اعتناق الاسلام فدخلوا في صفوف الجيش العثماني وحصلوا على الجنسية العثمانية هرباً من التهديد بإعادتهم الى النمسا وروسيا اللتين طالبتا بهم كرعايا لهما وبهدف محاكمتهم ومعاقبتهم كخونة لبلادهم. واعتبر العدد الأكبر من البولنديين الوطنيين اللاجئين الى تركيا وأوروبا خطوة الضباط الذين حافظوا على مناشدتهم لتحرير بلادهم من موقعهم الجديد وضمن اسلامهم، خيانة للقضية البولندية. وهم لم يقتنعوا بالهدف إذ ان علاقة بولندا بالكنيسة هي علاقة مقدسة بالنسبة لهم. وقد عاش هؤلاء الضباط على هامش المجتمعين العثماني والبولندي في تركيا، فقراء ومعزولين جرزي زدانوسكي. وبهذه الدراسة يختتم الكتاب الذي يطرح اشكالات تعني الكثيرين، لا سيما من يتجرأون على القيام بهذه الخطوة.