في فيلمه الشهير "القيامة الآن" قدم المخرج الاميركي فرانسيس فورد كوبولا، شخصية مثيرة للجدل هي الجنرال كيرتز، احد جنرالات مشاة البحرية "المارينز". وفي خضم الحرب الفيتنامية، يتمرد كيرتز مارلون براندو على قيادته. وترسل هذه جندياً شاباً مارتن شين لاغتياله. ويأسر الجنرال الجندي. وتدور بينهما حوارات قاسية. وفي احد مشاهد الحوار، يتهكم الجنرال المتمرد على التناقض في عقلية القيادة العليا التي تنهى طياري المارينز عن كتابة عبارات نابية على الصواريخ، فيما هي تأمرهم بالقصف والقتل! "أم القنابل" تهكماً ويحضر شيء ما من هذا التهكم في الاسم الذي اختاره جنود المارينز للقنبلة التي جربها الجيش الاميركي أخيراً. والاسم الاصلي هو Massive Ordinance Air Blast. واختصار الحروف الاولى هو MOAB. ويمكن ترجمة الاسم ب "قنبلة هوائية للقضاء الشامل". وأثّر جند المارينز في تحوير الاسم الى "ام القنابل" Mother Of All Bombs، وهي عبارة تتطابق احرفها الاولى مع MOAB. واذ اعتبرت سلاحاً ممكن الاستعمال في العراق، صار سبب التهكم واضحاً. ولكن لماذا يميل الجند دوماً الى اطلاق الالقاب والاسماء، ومن نوع معين، على الاسلحة التي يستعملونها؟ والى اي مدى يشبه ذلك بعض المظاهر الاجتماعية الاخرى مثل الكتابة على الجدران مثلاً؟ والمعلوم ان الكتابة على الجدران من كل نوع، والتي تحضر فيها لغة جنسية قوية، هي من ظواهر الشباب، وهو العمر الذي يغلب في اوساط جند الجيوش عموماً. تشكل هذه الاسئلة نموذجاً صغيراً من نقاشات اكثر عمقاً عن ظواهر علاقة الشباب مع السلاح. وربما يرى البعض ان هذه الظواهر في حاجة الى بحث اجتماعي-نفسي مدقق. بين الردع والحرب وتتألف "ام القنابل" من ثلاثة مكونات هي نترات الامونيوم وبودرة الالمونيوم والبوليستيرن اللزج انظر الغرافيك. وتؤمن نترات الامونيوم العنصر الانفجاري الاولي الذي ينثر بودرة الالمونيوم في الهواء على مساحة واسعة. وتحترق البودرة، وهي من مركب يحتاج الى الكثير من الاوكسجين، وتولد كتلة نار قوية، يساعدها البوليستيرين السائل. ومع الاحتراق السريع للاوكسجين، ينقص وجوده في الهواء بسرعة شديدة، ما يؤدي الى تفريغ سريع في دائرة قطرها كيلومتر. ويندفع الهواء لملء الفراغ، ويضغط بكل "قوته" على كل شيء يقع في تلك الدائرة. وعملياً، فان قوة الهواء تساوي تقريباً قوة الضغط الجوي، لكنها اقل، لأن تفريغ الهواء جزئي فقط. وتساعد في الضغط، موجة تأتي من انفجار ثمانية اطنان من المتفجرات غير التقليدية، اي انها اقوى بكثير من مادة "تي ان تي" المستخدمة في صنع المتفجرات العادية. ويصل الضغط الى 73 كيلوغراماً في كل سنتيمتر مربع من دائرة الكيلومتر. اي ان اي جسم بشري موجود في تلك الدائرة سينسحق تحت ضغط آلاف الكيلوغرامات، فكأنما تدوسه الافيال. ومع مقارنة قوتها بالقنابل الذرية، ينفتح المجال امام نقاش اخلاقي عن "ام القنابل" يشابه النقاش عن قنابل الذرة. والمفارقة ان خبراء السلاح يدرجونها في اطار الاسلحة النفسية. والحال ان استخدامها يهدف اساساً الى احداث اثر نفسي، وهو ما يعرف في العلم العسكري بمصطلح "الردع". وفي كتابه المشهور "الاستراتيجية العسكرية وتاريخها في العالم"، رأى الجنرال الانكليزي ليدل هارت ان اهم اثر للسلاح هو قدرته على التأثير في ارادة القادة الاعداء، وتطويعهم. وهذا منحى دقيق. ويرى البعض ان الأسلحة الأكثر تدميراً ربما كانت اكثر رحمة لأنها تعجل في الوصول الى الردع المطلوب. ومثلاً، يرى البعض ان الدول الكبرى تتعمد الحديث عن اسلحتها وأثرها لكي يفهم "من يهمه الامر"، فلا تضطر تلك الدول الى استخدامها فعلاً. ويؤثر عن ليدل هارت نفسه، مثلاً، انه يرى ان الردع الذي يتولد من دون الاضطرار الى الاستخدام الفعلي للسلاح، وهو ما يسمى "التلويح بالقوة"، ربما كان اشد ذكاءً وأبعد نظراً من الردع الذي يأتي من الدخول فعلياً في الحرب. ماذا لو يحدث ذلك الاثر؟ تأتي الاجابة من ليدل هارت نفسه في عرض مثال ادولف هتلر الذي لم يرتدع قط، وجعل المانيا بأكملها تدفع ثمناً مريعاً. ماذا لو يحدث ذلك الاثر؟ تأتي الاجابة من ليدل هارت نفسه في عرض مثال ادولف هتلر الذي لم يرتدع قط، وجعل المانيا بأكملها تدفع ثمناً مريعاً. وثمة زوايا اخرى من النقاش عن اسلحة شاملة من نوع "ام القنابل". هنالك اولاً الجانب الانساني الذي يصعب غض النظر عنه. فلا يميز اثر التدمير الذي تحدثه MOAB بين المدني والعسكري او البالغ والطفل اوالمستسلم والمتمرد او ما الى ذلك. هناك دمار على دائرة قطرها كيلومتر، أي ما يعادل جزءاً من مدينة كبرى. هل من المقبول، مثلاً، اصابة كل هذا العدد من السكان من اجل تطويع ارادة القيادة العسكرية، واحداث اثر الردع المطلوب؟ ربما يرى البعض في تلك القنبلة حلاً "تقنياً" لمعضلات عسكرية مثل التحصينات المدفونة تحت الارض، او الجنود المحتمين في الخنادق. فماذا عن الاوجه الاخرى لهذه الاسلحة؟