هل فكّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب عميقاً قبل أن يصرح أخيراً بأنّ كيم جونغ أون، رئيس كوريا الشمالية، قدم تنازلات كبيرة لقاء قمة بين الرئيسين، فيما لم تقدّم أميركا شيئاً؟ لماذا لا تبدو اليابان سوى مستاءة، بل كوريا الجنوبيّة نفسها باتت أشد اعتناءً بعلاقاتها مع روسيا والصين (والأخيرة راعية معروفة لنظام كيم) على حساب علاقاتها الوطيدة تاريخياً مع أميركا؟ في السياسة، ربما تسهل الإجابة عن تلك الأسئلة وما يشبهها، لكن ربما كان هناك بعد آخر أشد خفاءً في الصورة الإستراتيجية الكبيرة لذلك الصراع. جاءت القمة بعد استعراض عضلات متكرر من كوريا شمالية، لقدراتها في الردع الإستراتيجي الذي تمثلة الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، والقنابل الذريّة والنوويّة. ومنذ الحرب العالمية الثانية، بات السلاح النووي سقفاً للردع الإستراتيجي، باعتباره سلاح الدمار الشامل الأقوى والأشد تدميراً. وضمن تلك الرؤية، جاء التهليل الترامبي بما أعلنته كوريا الشمالية. هل الأمر كذلك فعليّاً؟ هل النووي هو الأشد تدميراً؟ ربما يمكن تلمّس الإجابة عن ذلك السؤال عبر الالتفات إلى أحد الجيران البارزين لكوريا الشمالية: روسيا. واستطراداً، يجدر التفكير في المدى الذي بلغته موسكو في تطوير الأسلحة التقليديّة وقدراتها في التدمير، قبل الركون إلى مقولة أن السلاح الذري هو الأشد تدميراً. في الآونة الأخيرة، شهدت صناعة القنابل التقليديّة تطورات بارزة، تدفع الى إعادة التفكير في الفارق فعلياً بينها وبين القنابل النوويّة. وفي مطلع القرن 21، في عهد الرئيس الجمهوري السابق جورج دبليو بوش، استخدمت أميركا للمرَّة الأولى قنابل من نوع «ديزي كاتر»Dizzy Cuter، فقصت بها معاقل «القاعدة» في جبال «تورا بورا» في أفغانستان. وبعد ذلك بزمن قليل، استعمل الجيش الأميركي للمرَّة الأولى أيضاً، صورايخ ضخمة تقدر على اختراق الملاجئ الأشد تحصيناً، خصوصاً صواريخ «جي بي يو-28» GBU-28، التي استخدمتها أميركا في غزوها العراق في 2003. وتستمد تلك الصواريخ جزءاً من قوتها من صلابة رؤوسها المصنوعة من اليورانيوم المستنفد Depleted Uranium. ما لم يعد سراً قاتلاً في سياق الغزو الأميركي للعراق أيضاً، ظهرت القنابل الفراغيّة Vacuum Bomb المدمرة التي استُخدِمَت في معارك الجيش الأميركي مع مدرعات الحرس الجمهوري في مطار بغداد. والأرجح أن تلك القنابل تحني رؤوسها تواضعاً أمام قنبلة فراغيّة روسيّة لم تكشف موسكو عنها إلا في الآونة الأخيرة، بل وصفتها بأنها القنبلة الفراغيّة الأقوى عالميّاً. وأوضح الكرملين أنها تستطيع نشر موجة صدم تدميريّة تحاكي قوة انفجار قنبلة نوويّة، ما يعني أنها تذيب الفارق بين الأسلحة التقليديّة وأسلحة الدمار الشامل. وأطلق الروس على قنبلتهم تلك تسمية «أبو القنابل كلّها» Father of All Bombs، في إشارة ذكوريّة الطابع إلى تفوقها على قنبلة أميركية تعتبر نظيرة لها، يسمّيها الأميركيون «أم القنابل كلّها»! وتعتبر القنبلة الفراغيّة الروسيّة الأحدث في مسلسل تجديد أسلحة «الجيش الأحمر» بما يتناغم مع التحركات السياسية للزعيم الروسي فلاديمير بوتين، الهادفة لإعادة صوغ موقع موسكو في سقف نظام الردع الدولي. وعلى رغم أن قوتها ومردودها تصنفان بأنها مساوية للأسلحة النوويّة، أصرّ الروس على القول إنها لا تتناقض مع المعاهدات الدولية، وفق ما جاء في بيانات عن قيادة أركان القوات المسلحة الروسيّة. ولعل تلك النقطة جديرة بأن يفكر فيها ترامب طويلاً، في قمته المنتظرة مع الزعيم الكوري الجنوبي الوطيد الصلة بموسكو أيضاً. وفي زمن قريب، نقل الإعلام الروسي عن خبراء بلادهم أن تجاربهم المتنوعة برهنت على أن قوة ذلك سلاح تتولّد من الهواء بالدرجة الأولى. ووصفت الأركان الروسيّة ذلك السلاح الجديد بأنه «لا مثيل له». وعرضت إحدى قنوات البث التلفزيوني التابعة للدولة الروسيّة، لقطات من تجارب عليها. وبثّت شريطاً ظهرت فيه قاذقة قنابل إستراتيجية من نوع «توبوليف 160» أثناء رميها القنبلة على موقع مختار على الأرض. وتلا ذلك انفجار كبير جداً في الموقع. وأظهرت الصور المعروضة بعد ذلك دماراً عنيفاً. واستطاعت القنبلة أن تسوي بالأرض مجموعة كبيرة من الأبنية المتينة. الانفجار يليه... الأوكسجين بالرجوع إلى مصادر روسيّة متنوعة، يتبيّن أن تلك القنبلة تنفجر على مرحلتين. يأتي الانفجار الأول صغيراً وينثر الشحنة الرئيسية من المواد المتفجرة كغيمة كبيرة. وفي مرحلة تالية، تنفجر تلك الغمامة بمكوّناتها تلقائياً. ويؤدي ذلك إلى انفجار الغيمة وتفوق شدّته قوة المتفجرات التقليديّة. إذ تشتعل مكوّنات الغمامة بسرعة فائقة، فتستهلك كمية كبيرة من الأوكسجين الذي يشكل خُمس الهواء. ويؤدي الأمر الى توليد فراغ جزئي في الغلاف الجوي الذي يضغط بثقله الهائل على المساحة التي انتشرت الغمامة فوقها. ويضاف الى الضغط الهائل للغلاف الجوي، قوة انفجار تلك المكوّنات لحظة اشتعالها، إضافة إلى الحرارة الهائلة التي تتولد عن الاشتعال السريع. وهكذا، تعطي القنبلة مزيجاً من الصدم الانفجاري والتفريغ الجوي والحرارة العالية، ما يعني أن كل كائن حي في ميدان القنبلة يتبخّر حتماً، كما جاء في التقرير التلفزيوني المشار إليه آنفاً. وأضاف التقرير عينه أن القنبلة الروسيّة الجديدة تلك هي أقوى بكثير من «قنبلة التفجير الهوائي الفائقة الكتلة» (Massive Ordnance Air Blast bombs) (MOAB)التي سمّاها الأميركيون «أم القنابل كلّها». وفي السياق عينه، أوضح الجيش الروسي أن قيادته تشدد على كون ذلك السلاح لا يترك أي أثر ملوّث في البيئة، بالمقارنة بالسلاح النووي! وتتميز أسلحة الضغط والحرارة عن المتفجرات التقليديّة بكونها تستخدم الأوكسجين الموجود في الغلاف الهوائي، بدلاً من حشوه داخل المادة المتفجرة. ويطلق على تلك القنابل أسماء متعددة على غرار «أسلحة الضغط الحراري الفائقة القوة»، و «الوقود الهوائي المتفجر»، و «ذخائر الوقود الهوائي»، و?«أسلحة الضغط والحرارة»، و?«القنابل الفراغيّة» وغيرها.