يجمع بين "حوار" الحزب الوطني الحاكم مع أحزاب المعارضة في مصر، و"حوار" الفصائل الفلسطينية برعاية مصرية أنهما بلا جدوى. فالأول الذي يرفع لافتة "الاصلاح السياسي"، مردود عليه بأن مطالب ذلك الاصلاح معروفة ومعلنة منذ نهاية الفترة الأولى لحكم الرئيس حسني مبارك في شباط فبراير 1987، ومروراً بوثيقة أحزاب المعارضة والقوى السياسية في تشرين الثاني نوفمبر 1993، وحتى الآن لم يستجب الحزب الوطني لمطلب واحد من تلك المطالب. وعلى مدى ال15 سنة الماضية، لم تتحقق إصلاحات إلا تحت ضغط القضاء الدستوري فقط، والذي لم يفلت أيضاً من محاولات تحجيم دوره والالتفاف على رجاله. والجمعيات الاهلية حوصرت تماماً وتم القضاء على فاعليتها، سواء عند التأسيس او بمراقبة النشاط او بتحجيم التمويل، وهناك عشرات، بلا مئات من مجالس ادارة الجمعيات مصابة بالشلل بسبب اعتراض "الامن" على اسماء بعينها في مجالس الادارة، وانتقلت العدوى من الجمعيات الاسلامية الى منظمات حقوق الانسان الى مراكز البحث والدراسات، وما قصة المنظمة المصرية لحقوق الانسان او مركز ابن خلدون بغض النظر عن الرأي في التوجهات عنا ببعيدة، وكل ذلك بالقانون. والانتخابات في المجالس المحلية لا توجد بها منافسة اصلاً، لأن الحكم يوزعها على المنتفعين وبعد تجربة عام 1992 التي فاز فيها "التحالف الاسلامي" بحوالى 15 في المئة من المقاعد واثبت وجوده في دفع العمل الشعبي والاهلي تقرر تأميم 47 ألف مقعد لمصلحة انصار الحزب الوطني الحاكم. أما الانتخابات البرلمانية فحدث ولا حرج. فأي حوار يجدي وأي مطالب سيستجيب لها الحزب الحاكم في مصر. إن المطلوب هو الاعتراف بخطر هذه الخطة التي دمرت الحيوية في المجتمع المصري، والعدول عنها فوراً ورفع يد "الامن" عن التدخل في الحياة العامة. وإذا انتقلنا الى الحوار الفلسطيني، فأول المفارقات هو استضافة جميع الفصائل والسلطة الفلسطينية على مائدة الحوار، أهذا كيل بمكيالين؟ أم ماذا نسميه؟ لماذا نُقصي هنا ونُرحب هناك؟! ومع التجاوز عن هذا الشأن، فإننا نستغرب ان يركز الحوار على الفلسطينيين فقط، مع الإقرار بأهمية الحوار الداخلي، ولكن اين هو الجهد الحقيقي في اقناع الولاياتالمتحدة وادارتها بالكارثة التي وصل اليها الشعب الفلسطيني بسبب دعم الرئيس بوش اللا محدود لمجرم الحرب شارون ووصفه له بأنه رجل سلام، وعدم سحب هذا الدعم حتى الآن. وماذا يُجدي حوار مع الفلسطينيين وبين الفلسطينيين في ظل ثبات السياسية الأميركية والصهيونية إلا تقديم تنازلات بعد تنازلات عن حقوق فلسطينية ثابتة مقابل أوهام في أوهام. قضية فلسطين بالنسبة الى مصر والمصريين ليست قضية خارجية بل هي تمس أمن كل مواطن في مصر، ويكفي التهديدات الصهيونية المتتالية، ومن دون دعم مصري واضح للشعب الفلسطيني لن يستطيع الصمود في وجود الآلة الحربية الجهنمية لعدوه المغتصب لأرضه وعرضه، والفلسطينيون جميعاً ينتظرون من مصر الكثير والكثير، شعباً وحكومة. إن الملفات الاقليمية الاخرى تحتاج الى حوارات حقيقية وليست شكلية، حوارات منتجة وليست حرثاً في البحر، حوارات تهدف الى الخروج من المآزق المتتالية التي أوصلتنا اليها السياسات القديمة. * نائب سابق في البرلمان المصري عن "الإخوان المسلمين".