هي مفاجأة بكل المقاييس، مفاجأة للجميع في الداخل والخارج للشعب والحكومة المصرية، وللعالم أجمع، هم شباب في عمر الزهور لم يكن يلتفت إليهم أحد، فجأة أثبتوا وجودهم، وأصروا على مطالبهم، هزوا أركان النظام الحاكم ولكنهم ثابتون على مطالبهم لا يهتزون ولا يتزعزعون ولا يخافون، هم خرجوا ولن يعودوا قبل تحقيق مطالبهم، شباب مصر الذين قالوا كلمتهم والذين فاجأوا الجميع بقوتهم وشجاعتهم، يحاول الكثير القفز فوق حركتهم، ولكنهم مكشوفون ومعروفون ومتخبطون، ولكن المؤكد انه في مشهد دراماتيكي دار حوله كثير من الجدل تحولت المظاهرات التي اندلعت في مصر منذ يوم الخامس والعشرين من يناير الماضي إلى نموذج يطرح أسئلة كثيرة حول الشعارات التي ترفعها هذه التظاهرات والمطالبة بالتغيير والإصلاح الشامل. حظر التجول وفي ظل تصاعد وتيرة التظاهرات والاحتجاجات التي تتلاحم فيها مختلف القوى الشعبية والسياسية والحزبية في مصر واستجابة النظام المصري الحاكم لتحقيق عدد من المطالب التي دعت إليها هذه القوى واستدعاء الجيش المصري للتدخل في حفظ الأمن وفرض حظر التجوال بعد المصادمات الدامية بين الشرطة والمتظاهرين، طرحت (اليوم) هذه التساؤلات على مائدة نخبة من المحللين والخبراء والأكاديميين، وكرد فعل سريع لاحتواء الموقف وتخفيف حدة الغضب في الشارع المصري الذي اجتاحته المظاهرات العارمة التي عمت معظم محافظات مصر، أعلن الرئيس حسني مبارك إقالة حكومة الدكتور نظيف وتكليف الفريق احمد شفيق وزير الطيران المدني في الحكومة السابقة بتشكيل حكومة جديدة لتنفيذ مهام محددة أهمها إصلاح ما أخفقت الحكومة السابقة في تحقيقه وفشلها في تحقيق التوازن بين الأجور والأسعار وتكليفها بفتح حوار جاد مع المعارضة بالنزول إلى الشارع المصري وإجراء اتصالات بجميع القوى السياسية و المعارضة لبدء حوار معها حول كافة القضايا المثارة وفي مقدمتها الإصلاح الدستوري والعمل على محاربة البطالة والقضاء على الفساد. خطوات التغيير ومن أهم القرارات الأخرى التي أخذها الرئيس مبارك ضمن خطوات التغيير والإصلاح هو تعيين اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات المصرية نائبا للرئيس مما يعني القضاء نهائيا على فكرة التوريث أي توريث الحكم لنجله جمال مبارك أمين لجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم. وهذه القرارات وغيرها من الإصلاحات التي جاء بها الرئيس مبارك أثير حولها الكثير من الجدل فيما اعتبرها البعض إنها خطوة جيدة لإصلاح تدريجي في الحياة السياسية وصفها البعض بأنها التفاف من النظام على إرادة الشعب في التغيير والتي تتمثل في تخلي النظام الحاكم عن السلطة نهائيا وتسليمها للمعارضة. فوضى وانفلات في تعليقه يقول الخبير الاستراتيجي المدير التنفيذي للمركز الدولي للدراسات المستقبلية والإستراتيجية الدكتور لواء عادل سليمان، إن التغيير يتم عن طريق وسائل وقنوات مشروعة مؤكدا إن المطالب التي يدعو إليها جموع المتظاهرين والمحتجين من أبناء الشعب المصري يجب التعامل معها بعقلانية وحكمة، مضيفا أنه لا احد يستطيع أن ينكر حق هؤلاء المتظاهرين في التعبير عن آرائهم ومطالبهم بالتغيير والإصلاح طالما لم يخرجوا عن الإطار القانوني لحق التعبير عن الرأي واستخدام الوسائل المشروعة في التغيير. واستنكر سليمان، حالة الفوضى والانفلات الأمني والعنف وانتشار عمليات السلب والنهب وتخريب الممتلكات العامة والخاصة، وأن أصرار قوى المعارضة على تنفيذ كل الطلبات في آن واحد صعب خاصة، وان هناك مراجعات عديدة أبداها النظام الحاكم في مصر أمر يجب أن يرحب به الجميع. الرغبة في التغيير من جانبه يرى مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية الدكتور جمال عبدالجواد، إن ما تم اتخاذه من قرارات هامة من قبل القيادة السياسية في مصر مثل تعيين نائب للرئيس وتغيير وزارة الدكتور احمد نظيف وغير ذلك من إجراءات تؤكد الرغبة في التغيير الحقيقي والاستجابة لمطالب الشارع المصري قد جاء متأخرا. وتابع، أنه كان ينبغي أن تكون هذه القرارات في وقت كاف لمنع هذه الفوضى خاصة انه أصبح الاضطراب الشديد في الحالة الأمنية وخروج الأمور عن السيطرة هو السمة السائدة الأمر الذي أدى إلى قيام الجماعات المنادية بالتغيير إلى رفع سقف مطالبها. وقال القيادي في الحركة الوطنية للتغيير إبراهيم نوار، أنه ربما يكون السيناريو المتوقع هو القبول بمبدأ إدارة عمر سليمان لمرحلة انتقالية يتنحى خلالها الرئيس عن الحكم مع السماح أيضا للتفاوض مع عمر سليمان على تشكيل حكومة انتقالية. حق التظاهر من جانبه يؤكد الخبير الاستراتيجي اللواء إبراهيم شكي، إن التظاهرات والاحتجاجات السلمية حق مكفول لأي إنسان وان هناك ارتباطا وثيقا بين الأمن القومي والديمقراطية فكل منهما ضروري للآخر فتحقق الأمن القومي ضروري للحياة الديمقراطية وان ضبط توازنات القوى المختلفة واستيعاب التيارات والفئات والمطالب لهذه القوى أمر ضروري، وقال إن التظاهرات التي يقودها الشباب المصري للمطالبة بالتغيير في إطار احترام الشرعية والقانون أمر لا يستطيع احد أن ينكره. اللجان الشعبية وينصح رئيس مركز الدراسات الأمنية والإستراتيجية اللواء سامح سيف اليزل بعدم التواجد الكثيف لرجل الشرطة في ظل التواجد الجماهيري الحاشد في المناطق المركزية في القاهرة. وفي حال تواجد رجال للشرطة يكون بزي مدني في المناطق الفرعية وان يحاولوا إبراز صورة من التعاون والحميمية مع اللجان الشعبية،قال اليزل، إن الجيش نجح في الالتحام مع الجماهير واللجان الشعبية بشكل جيد مستدعيا بيان الجيش بأنه لن يستخدم القوة بأي شكل من الإشكال في مواجهة المظاهرات. وهناك مخاوف من قيام بعض الخارجين على القانون والمجرمين يجب على الجميع التأكيد على الحفاظ على أمن مصر و النظام العام وعدم إعطاء الفرصة للبلطجية والمخربين عناصر خارجية ساعدت على المظاهرات واندست بين الشباب في ميدان التحرير حذر المحلل والكاتب الصحفي عماد أديب، من وجود عناصر أجنبية تهدف إلى استغلال التظاهرات والاحتجاجات الشعبية في مصرإلتنفيذ مخططات من شأنها إثارة الفوضى والخراب في مصر مؤكدا انه قد تم ضبط عناصر أجنبية في وسط التظاهرات التي تجرى في مصر بأجهزة اتصالات مرسلة من الخارج وان هذه العناصر تعمل على إثارة الفتنة وتأجيج مشاعر المتظاهرين وإثارتهم وتحريضهم على العنف والفوضى. وقال أديب، إن التظاهرات التي بدأت في يوم 25 يناير الماضي في جوهرها تظاهرات شبابية قام بها الشباب المصري الذي أعلن خلالها مطالبه العادلة والمشروعة ثم انضم إليها عدد من الحركات الاحتجاجية التي نمت في السنوات الأخيرة مثل جماعة كفاية والجمعية الوطنية للتغيير، وجماعة 6 ابريل، وغيرها فضلا عن عدد من الأحزاب السياسية والأحزاب الأخرى (تحت التأسيس)، وجماعة الإخوان المسلمين وغيرها من منظمات المجتمع المدني مؤكدا أن هذه القوى السياسية وغيرها من القوى الأخرى والأطراف التي لها ثأر مع النظام والعناصر الخارجية حاولت أن تركب الموجة وان تتصدى المشهد السياسي. وتابع، إن القسم الرئيسي والمحرك الأساسي لهذه التظاهرات لا يشارك في صياغة المطالب ولا يأخذ حقه، داعيا في الوقت نفسه الشباب أن يحافظ على حركته و لا يسمح أن يتحدث احد باسمه، و يلتزم بالوسائل السلمية في الاحتجاج والتغيير والبعد عن الصدام الدموي مع الجيش أو الشرطة. وأردف، إن هناك بوادر طيبة أبداها النظام الحاكم في مصر والاستجابة لمطالب التغيير وبالتالي يجب أن يكون هناك حوار بين المعارضة والنظام خاصة الحركات الشبابية بدلا من أن يقولوا (لا) وذلك للخروج من المأزق الراهن وان يرفع الشباب شعاره «نريد إصلاح النظام» بدلا من نريد إسقاط النظام، وان يعي انه من حقه إسقاط هذا النظام بطرق مشروعة بان يكون بالتغيير يكون عبر القنوات المشروعة، مؤكدا إن النظام الحاكم في حاجة الى أصدقاء ينصحونه وليس الى خدام ينافقونه، وكان أديب قد طرح قبل ثلاثة أشهر ونصف قضية تأمين خروج آمن للرئيس مبارك من الحكم الذي يرى أنه قدم الكثير لمصر ويستحق خروجا مشرفا. واختتم أديب حديثه قائلا» إن أصعب شيء في الأزمة الراهنة في مصر هو عدم التنبؤ بماذا يحدث وان هناك سيناريو مجهولا لا تعرفه إذا ما أصرت قوى المعارضة على تغيير النظام بالقوة». وقال أستاذ الاجتماع السياسي بجامعة القاهرة الدكتور احمد زايد إن التعبير والاحتجاج بشكل سلمي أمر مشروع لكل إنسان محذرا من وجود بعض العناصر التي تختبئ وسط صفوف المحتجين خاصة الذين يهدفون الى إثارة الفتنة والفوضى، وان سبب حدوث الصدامات بين كثير من المتظاهرين والشرطة يرجع في الأساس الى إن بعض المتظاهرين وخاصة الشباب ليس لديهم الوعي السياسي الكامل مشددا على ضرورة تحلي هؤلاء بقدر كاف من الوعي السياسي حتى لا تتحول حركة التظاهر السلمي الى دمار وفوضى وخراب. ويؤكد النائب بالبرلمان المصري جمال اسعد عبدالملاك، إن سبب الفوضى العارمة التي تشهدها الساحة المصرية في الوقت الراهن جاءت بسبب غياب الإصلاح الحقيقي الذي نادى به الشعب منذ سنوات عديدة. وقال إن ما جرى أثناء الانتخابات البرلمانية الأخيرة في مصر من تجاوزات أثر على القوى المعارضة سلبا وبالتالي فان غياب رموز من المعارضة في البرلمان المصري جعل المعارضة تنتقل من البرلمان الى الشارع وهذا أمر خطير يتطلب إصلاح حقيقي وفوري بقرارات محددة تعيد الأمور الى مسارها الصحيح. وأضاف، إن قراءتنا للأحداث التي تطورت خلال الأيام القليلة الماضية على الساحة المصرية بشكل متسارع يجعلنا ننادي باستدراك ما يمكن أن يحدث في المستقبل القريب مع محاولة البحث عن حلول أو مخارج من المأزق الراهن مؤكدا أن الشباب قد أصبح مفصلا مهما من مفاصل تطورات الأحداث على الساحة في الفترة الأخيرة وهذه التطورات لها انعكاسات على العملية السياسية برمتها في مصر لا جدوى من الدعوة إلى التغيير بالقوة وترى الباحثة والخبيرة في الشؤون الاجتماعية الدكتورة ثرية محمد إبراهيم راضي، انه لا جدوى من الدعوة الى التغيير بالقوة وان التعبير عن الرأي والاحتجاج يجب أن يكون بطريقة حضارية بعيدة عن العنف مثل ما تشهده الساحة الآن وأدخلنا الى حالة الفوضى التي نحن فيها.. وقالت إن استجابة الرئيس حسني مبارك لتحقيق العديد من المطالب التي دعا إليها المحتجون أمر له تقديره وانه يعد خطوة مهمة على طريق الإصلاح واستنكرت الدعاوى التي تطالب بإسقاط النظام الحاكم في مصر مؤكدة انه يجب الاستماع الى الحوار الذي دعا إليه اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية بين النظام الحاكم وبين سائر قوى المعارضة لتحقيق باقي المطالب التي نادت بها قوى المعارضة دون اللجوء الى العنف أو القوة. وقالت، إنه لا خروج من الأزمة المصرية الراهنة الا بالحوار والاستماع الى صوت العقل وتغليب المصلحة الوطنية على باقي المصالح الحزبية وان يتفق الجميع على تجنب أية أعمال من شأنها المساس بأمن مصر، وانه يجب على الجميع التأكيد على الحفاظ على أمن مصر والحفاظ على النظام العام في البلاد وعدم إعطاء الفرصة للبلطجية والمخربين أن يعيثوا في الأرض فسادا خاصة وان النظام السياسي القائم حاليا نظام شرعي يجب إعطاؤه الفرصة لإجراء التغيير والإصلاح المطلوب بالأسلوب المناسب الذي يرضي طموحات الشعب المصري. وفي النهاية نقول عندما سئل احد الوزراء في الحكومة بعد حركة التحرر في تونس.. هل المشهد يمكن أن يتكرر في مصر، قال هذا كلام فارغ، وهذا الرد يعكس عقلية الحكومة والسلطة الحاكمة في مصر من تخلف عن تطورات العصر الحديث وظهور أدوات وأساليب تكنولوجية تجعل هؤلاء الشباب يفعلون ما هم فيه الآن.