لم يحصل أطفال العراق، في مرحلة ما بعد سقوط الرئيس العراقي السابق صدام حسين واعتقاله الأسبوع الماضي، سوى على انقطاعات متكررة للكهرباء، وتدهور واضح في حصصهم الشهرية المقرّرة وفق البطاقة التموينية من مادة الحليب التي ينتظرونها بفارغ الصبر لكن من دون جدوى. ويعاني أولياء أمور الأطفال، خصوصاً الفقراء منهم وعددهم كبير جداً، من صعوبات حقيقية، نتيجة خلو البطاقة التموينية التي "أُصيبت بفقر الدم" على حد قول المراقبين منذ الإطاحة بحكم صدام حسين، من مادة حليب الأطفال. وعلى رغم المطالبات الكثيرة من قِبل الآباء والأمهات ومن قِبل جهات طبية، إلا أنه لا تلوح في الأفق أي دلائل على جدية الاهتمام بهذا الموضوع. ويقول المواطن باسم حسوني الزبيدي 31 عاماً ل"الحياة" ان "أطفال العراق الحر باتوا في ظل أجواء الحرية والديموقراطية يصبحون ويمسون من غير غذاء يسد رمقهم". ويضيف: "مضت أربعة أشهر على انقطاع حصة حليب الأطفال، والطفل العراقي لا يزال يتضور جوعاً بانتظار من يمد له يد العون". وأكد الزبيدي ان عدداً كبيراً من العائلات العراقية التي ألمت بها ظروف البلد الحالية، لا تستطيع شراء الغذاء لأطفالها وتوفيره بالكميات المناسبة لحاجاتهم. وتساءل: "كيف يقدرون على توفير علبة حليب الأطفال التي وصل سعرها في السوق الى ثلاثة آلاف دينار؟". ولفت إلى الأوضاع المعيشية "الصعبة" التي تعاني منها العائلات والناجمة عن الارتفاعات الحادة في الأسعار بسبب "جشع" كثير من التجار الذين اعتبرهم "عديمي الرحمة تجاه ما يمر به أطفال العراق من مأساة وجوع وحرمان". ودعا المسؤولين في وزارة التجارة إلى استيراد حليب الأطفال وتوزيعه بأسرع وقت ممكن بدلاً من استيراد حليب الكبار، مؤكداً ان "الأطفال لا يأكلون أي شيء وخصوصاً الأطفال حديثي الولادة". من جهته، قال كريم العبيدي 42 عاماً وهو أب لثلاثة أولاد، ل"الحياة"، ان انقطاع وزارة التجارة عن توزيع حليب الأطفال ضمن الحصة التموينية الشهرية "أدى الى خلق تذمر وشكوى لدى الطبقات الفقيرة التي تشكل غالبية الشعب". وأشار إلى ان ارتفاع أسعار هذه السلعة في السوق بشكل مفاجئ "ولّد الكثير من المشاكل للأسرة العراقية، التي ما برحت تصارع ظروفاً اقتصادية غاية في الصعوبة، إضافة إلى ما سبّبته من حرمان للطفل العراقي وانتهاك لأبسط متطلبات حياته". ودعا الجهات المسؤولة في وزارتي التجارة والصحة إلى التعاون من أجل توفير حاجات الأطفال وخصوصاً غذاءهم، وحمايتهم من سيطرة السوق التجارية على متطلبات نموهم، معتبراً انه "بخلاف ذلك ستتعرض حياتهم للخطر". ويقول محمد خليل 40 عاماً، وهو صاحب متجر لبيع المواد الغذائية بالمفرد في منطقة الشورجة، أحد أكبر المراكز التجارية في بغداد، ان سعر علبة حليب الأطفال شهد ارتفاعاً شديداً في السوق خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، حيث أصبح سعرها يراوح بين 2500 و3000 دينار، بعدما كانت تُباع بسعر يراوح بين 250 و500 دينار. وأكد ان بعض العائلات العراقية التي لديها أطفال حديثو الولادة يعاني كثيراً جراء ذلك. وأضاف: "تبدو ملامح الغضب والتذمر واضحة على وجوه المواطنين نتيجة ارتفاع أسعار الحليب، وهو الغذاء الوحيد لأطفالهم، خصوصاً وأن كثيرين منهم يعانون من البطالة التي تزداد حالياً في العراق". ويعزو خليل أسباب الارتفاع الكبير في أسعار مادة حليب الأطفال في السوق العراقية إلى الانقطاع المستمر في توزيعه عن طريق منافذ وزارة التجارة، ضمن الحصة التموينية الشهرية المقررة وعلى مدى أربعة أشهر متواصلة، فضلاً عن وجود كميات كبيرة جداً تُقدر بملايين الصناديق قام بعض التجار بتخزينها وحجبها عن الأسواق "لغرض احتكارها والمضاربة في أسعارها" على حساب حاجة الطفل العراقي الماسة لهذه المادة الرئيسية. وأعرب عن أمله في أن تولي وزارة التجارة، وخصوصاً "الشركة العامة لتجارة المواد الغذائية" أهمية خاصة لمعاناة الأطفال الذين لا يملكون غير هذا المصدر الوحيد للحصول على غذائهم الرئيسي.