النقد السينمائي الجاد أضحى نادراً في العالم العربي ووقفاً على قلّة من النقاد الذين ما زالوا يصرّون على متابعة الأعمال السينمائية العربية والعالمية، متابعة عميقة، تجمع بين التأريخ والتحليل. ولعل الزميل ابراهيم العريس، الكاتب المتعدد الاهتمامات، واحد من هؤلاء النقاد القلّة، وهو ما برح يجد في السينما وعالمها مادّة للكتابة النقدية الجميلة والعميقة. وقد أصدر حديثاً كتاباً عنوانه "سينما الإنسان" سلسلة الفن السابع - دمشق 2003 وفيه قراءة في حياة عدد من المخرجين العالميين والعرب وفي أعمالهم ومنهم: يوسف شاهين، كمال الشيخ، انغمار برغمان، مارتن سكورسيزي، ستانلي كوبريك، صلاح أبو سيف، لوتشينو فيسكونتي، فدريكو فيلليني، دافيد لينش، كريستوف كيسلوفسكي. واختيار هذه الأسماء يدل الى غاية الكتاب الذي شاء صاحبه أن يرسم صورة بانورامية عن السينما الحديثة والتي أحدثت ثورة في عالم الفن السابع، على اختلاف اتجاهاتها وتنوع اهتمام أصحابها المخرجين. ويوضح العريس في المقدمة أهداف الكتاب قائلاً: "من ناحية مبدئية قد لا تكون في هذا الكتاب وحدة معينة تجمع فصوله المتفرقة. فهو، في نهاية الأمر، يضم قراءات متنوعة في أعمال - وفي حياة - عدد من السينمائيين المنتمين الى حقب مختلفة ومناطق متنوعة من العالم. وهذه كتبت، على أي حال، في فترات ومناسبات متفرقة. ومع هذا يجمع ما القراءات بينها - وربما أيضاً يبرر نشرها - كونها تتحدث عن بعض السينمائيين الذين يفضلهم كاتب هذه السطور عن غيرهم. فالفيلم الواحد، وكذلك أعمال المخرج الواحد، هي الى حد ما تشبه تلك الدمية الروسية التي تحمل في داخلها دمية أخرى وثالثة وهكذا، والناقد - الكاتب/ القارئ - حين يشاهد فيلماً، أو جملة من أعمال لمخرج معين، إنما يتعامل مع الأمر برمته انطلاقاً من مشاغله الذاتية لحظة المشاهدة. ومن هنا تصبح كل قراءة للآخر، قراءة للذات في الوقت نفسه. واستطراداً يصبح من حق من يشاهد ويكتب أن يرى أعمال الآخرين كمرآة لذاته. هذا، شرط أن يكون هؤلاء الآخرون فنانين كباراً يعرفون كيف يحملون فيلمهم معاني متشعبة وأفكاراً متقاطعة ونظرات الى الحياة مركبة تركيبة الحياة نفسها، والى الإنسان عميقة عمق روح هذا الإنسان إذ، بعد كل شيء السينما الحقيقية هي سينما الحياة وسينما الإنسان. ومن هنا، لم تساورنا حيرة كبيرة ونحن نختار عنواناً لهذا الكتاب. لقد فرض العنوان نفسه، طالما أن المخرجين الذين يتحدث عنهم، شكّل الهم الإنساني قاسماً مشتركاً بينهم، طغى على أفلامهم ومواضيعها...".