في نهاية 2002 وصل الدين العام للدولة اللبنانية الى نحو 5،31 بليون دولار، اي 173 في المئة من حجم اجمالي الناتج المحلي تقريباً، وهي نسبة تتجاوز كثيراً حد الخطر المعترف به دولياً البالغ 60 في المئة. وبلغت خدمة هذا الدين 6،3 بليون دولار، وشكلت في تشرين الأول اكتوبر 2002 نحو 96،46 في المئة، قياساً بالمدفوعات الإجمالية للقطاع العام و4،79 في المئة قياساً بمقبوضاته. وأصبحت مشكلة تزايد هذا الدين المتفاقمة على مدى عقد من الزمن من اهم المشاكل التي يعانيها لبنان وأعقدها. وتضافرت اسباب عدة لنشوء هذه المشكلة اهمها: النفقات الضخمة لتمويل مشاريع إعادة الإعمار التي تبلغ بين 20 و30 بليون دولار، والهدر الكبير في الإنفاق الذي لم يوجه دائماً نحو اهدافه الصحيحة واستغله السياسيون والنافذون للحصول على مكاسب مالية وسياسية، والعجز عن تحصيل جزء من الرسوم والضرائب لأسباب عدة، وضعف القطاع العام وفساده والمستوى المتدني لأدائه، ما انعكس سلباً على القطاعين العام والخاص، وعلى مجمل الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية. ويستهلك القطاع العام من الناتج الوطني بمقدار يفوق ما يساهم فيه، ومحاولات الإصلاح الإداري والحد من الهدر لم تنجح لأسباب سياسية واجتماعية جراء تدخلات القوى السياسية والنافذة. تُضاف إلى ذلك كله الضغوط التي تعرضت لها الحكومات المتعاقبة لزيادة حجم النفقات على الخدمات الاجتماعية ورفع مستوى الأجور. الاستدانة من الداخل وفي ظل ظروف لبنان المدمر جراء الحروب التي عصفت به، وضخامة حجم النفقات المطلوبة لإعادة إعماره وإنمائه في مختلف المجالات، وفي أقصى سرعة ممكنة كي يكون قادراً على استعادة دوره كمركز مالي وتجاري في منطقة الشرق الأوسط، كان لا بد للحكومات المتعاقبة من اللجوء الى الاستدانة من الداخل والخارج، مع التركيز على الاستدانة الداخلية كونها في متناول هذه الحكومات، فلجأت الى سندات الخزينة كوسيلة اساس لذلك، وأصدرتها بفوائد مرتفعة بلغت 45 في المئة لجذب المدخرات. وكان من اهم نتائج هذه السياسة استقطاب الحكومة القسم الأكبر من السيولة بالليرة اللبنانية، على رغم انه لم يستخدم كاملاً، وتثبيت سعر صرف الليرة بالدولار الأميركي، وتركيز جهود المصرف المركزي على حصر تقلبات هذا السعر ضمن ادنى هامش ممكن من خلال تدخله في سوق القطع، ما أدى الى تدني حجم احتياطه من العملات الأجنبية، نتيجة لدفاعه عن سعر صرف مرتفع لليرة مقارنة بسعر الصرف الاقتصادي، ولجم معدلات التضخم. وبين عامي 1992 و2002 تراجع سعر صرف الدولار بالنسبة الى الليرة بنحو 98،17 في المئة، وانخفضت معدلات التضخم من 1،130 الى 5 في المئة تقريباً. وإذا كانت هذه السياسة ساعدت الحكومة على توفير التمويل الذي تحتاجه، وغير ذلك من الأهداف، إلا انها ادت الى حرمان القطاع الخاص من مصادر مالية يحتاج إليها، ما أثر سلباً في حجم استثماراته ومستوى إنتاجيته، ونجم عنه ركود او انكماش عام، وتراجع مستمر في نمو حجم اجمالي الناتج بلغ الصفر تقريباً. وقدر عام 2001، بنحو 5،1 في المئة، وراوح عام 2002 بين 1 و2 في المئة تقريباً. وفي حين كانت النفقات العامة تزداد بصورة مضطردة، لم تستطع الحكومة الاعتماد على ضريبة الأرباح لزيادة وارداتها، لأن السياسة المالية التي حددت هذه الضريبة بين 10 و15 في المئة، سعت الى إيجاد الحوافز لجذب الاستثمارات الوطنية والأجنبية الى لبنان لتنشيط الاقتصاد والنمو. وبما ان نتائج هذه السياسة ظلت محدودة، سجل عجز الموازنة العامة نسبة مرتفعة لم يتسنَّ خفضها نسبياً إلا في العامين الماضيين، بعد الجهود التي بذلت لتحسين جباية الواردات والحد من الهدر، وغيرها من الوسائل الأخرى. وفي ظل هذه الأوضاع كان لا بد للديون العامة ان تزداد حتى وصلت الى حجمها الحالي، وشارفت التسبب في انهيار اقتصادي شامل في لبنان مطلع صيف عام 2002. وسجل ميزان المدفوعات اللبناني عجزاً قارب 1036 مليون دولار اميركي حتى أيار مايو 2002. واتجهت احتياطات مصرف لبنان من العملات الأجنبية الى الانخفاض. وتعثر بعض المصارف ما أثار تساؤلات عن سلامة اوضاع القطاع المصرفي. ومعدل النمو العام لا يدعو الى التفاؤل، اضافة الى المشكلات التي تعانيها بنية الاقتصاد اللبناني. وتعرضت مؤسساته للإفلاس، والى التناقضات الاجتماعية والسياسية التي تصاعدت حدتها كثيراً وبدرجة مقلقة. لكن موسم الاصطياف الناجح، وإجراء تحويلات مالية كبيرة من الخارج، عملا على تعديل ميزان المدفوعات الذي تحول فائضاً خلال الشهور ال11 الأولى من عام 2002 بمقدار 431 مليون دولار. وازدادت احتياطات مصرف لبنان من العملات الأجنبية بصورة مضطردة وسريعة، ما أبعد شبح الانهيار الاقتصادي وجعل صندوق النقد الدولي يؤكد ان لبنان يملك ميزات خاصة تجعل سياسات الصندوق العامة، واقتراحاته غير ملائمة له بالضرورة لظروفه وخصائصه التي يحيا وينشط وفقاً لها. برنامج التصحيح المالي لمواجهة الأزمة التي تعصف بلبنان، ولمنع "زعزعة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي" فيه، ولدرء المخاطر التي يمكن ان تهدده مع منطقة الشرق الأوسط، اعتمدت الحكومة خطة للإصلاح المالي والاقتصادي تمتد على مدى خمس سنوات، تضمنتها ورقتها المقدمة الى مؤتمر "باريس -2". وأهم اهداف هذه الخطة: الخفض التدرجي لنسبة العجز في الموازنة، وانجاز مشاريع التخصيص، واستبدال جزء من الدين الداخلي بدين خارجي بفوائد مخفوضة وآجال اطول لخفض كلفة خدمة الدين العام. ويؤمل ان تساعد هذه الإجراءات على تراجع الحاجات الحكومية للتمويل، ونسبة العجز في الموازنة، وخفض اسعار الفائدة الداخلية، ليفيد القطاع الخاص من تدني مستوى منافسة القطاع العام له على مصادر التمويل، ويقدم على الاستثمار وقيادة النهوض الاقتصادي والنمو في مناخ تجاري حر. وترمي الخطة الى تحقيق التوازن في الموازنة العامة بحلول سنة 2005، وخفض نسبة العجز فيها الى الناتج المحلي بما يفوق مقداره نصف اجمالي الناتج المحلي مقارنة بما كانت عليه هذه النسبة عام 2002. وفي سنة 2007 يُفترض ان يحقق معدل للنمو الاقتصادي حدود 6 في المئة، وناتج محلي بقيمة 23 بليون دولار، وفائض اولي بقيمة بليوني دولار، وفائض في الموازنة العامة بقيمة نصف بليون دولار، ودين اجمالي بنحو 21 بليون دولار، وفائدة على هذا الدين في حدود 5،6 في المئة، وعائدات، جرّاء التخصيص والتسنيد، بقيمة 9 بلايين دولار اميركي. ويؤمل تحقيق هذا النمو بعدما تصبح معظم خدمات البنى التحتية العامة بيد القطاع الخاص، وتنفيذ الإصلاحات البنيوية الضرورية لتحرير الاقتصاد ودعم القطاع الخاص، وارتفاع حجم الاستثمارات الخاصة فيرافق ذلك ازدهار التجارة الخارجية والخدمات في مناخ تجاري حر، مع نمو علاقات وثيقة بالاتحاد الأوروبي، وعودة الثقة لدى المستثمرين في لبنان، ليتسارع نمو الناتج المحلي ويرتفع مستوى الدخل الفردي في اضطراد، فيبلغ، بعد تنفيذ المهمات الأساسية والبرامج الاجتماعية الضرورية وإحراز تقدم اقتصادي واجتماعي واسع النطاق، مستواه الذي كان عليه قبل بدء الحرب، وذلك بحلول سنة 2010. ويعتبر مشروع موازنة سنة 2003 خطوة اولى على طريق تنفيذ خطة الإصلاح المالي والاقتصادي. وهو يسعى الى خفض نسبة العجز في الموازنة من 3،41 في المئة، عام 2002، الى 25 في المئة، سنة 2003، بعدما كانت 6،47 في المئة، عام 2001. والسبيل الى هذا الخفض تراجع حجم النفقات 4،10 في المئة، وزيادة الإيرادات 4،16 في المئة، وخدمة الدين العام 1،11 في المئة. وكل ذلك يساعد في تحقيق فائض اولي يزيد على 208 في المئة من الفائض المتوقع لعام 2002. وأبرز ما جاء به مشروع الموازنة زيادة ساعات العمل وفرض رسوم وضرائب جديدة على التخابر الثابت والسير والميكانيك والأملاك المبنية والبحرية والرواتب. وفرض 5 في المئة على تعويض الصرف من الخدمة، وزيادة المحسومات التقاعدية من 6 الى 8 في المئة. وتمثل الإيرادات الضريبية وغير الضريبية 7،72 في المئة، و3،27 في المئة على التوالي من مجموع الإيرادات العامة. وتشكل ايرادات الرسوم والضرائب غير المباشرة اكثر من 80 في المئة من اجمالي الإيرادات. وازدادت تقديرات الضريبة على القيمة المضافة من 800 بليون ليرة عام 2002، الى 1100 بليون ليرة سنة 2003، اي بنسبة 5،37 في المئة، ورسوم التبغ والتنباك من 90 بليون ليرة الى 160 بليوناً اي 8،77 في المئة. اما ايرادات الضريبة على الدخل والأرباح ورؤوس الأموال فارتفعت من 650 بليون ليرة الى 2925 بليوناً، أي 3،42 في المئة، وإيرادات الضريبة على الرواتب والأجور ارتفعت من 124 بليون ليرة الى 200 بليون ليرة، اي 42 في المئة. وإذا اخذنا في الاعتبار ان ايرادات الضريبة على الدخل والأرباح ورؤوس الأموال تشكل 9،19 في المئة، وضريبة الدخل على الأجور والرواتب 6،21 في المئة من اجمالي الإيرادات الضريبية، وزيادة ايرادات الضريبة على القيمة المضافة، وهي ضريبة على الاستهلاك تبلغ 65،23 في المئة من هذا الإجمالي، وأن معظم الإيرادات غير الضريبية تأتي من قطاع الهاتف، ظهر ان مشروع موازنة 2003 يعتمد، في مجال الإيرادات، على ذوي الدخل المحدود الذين يمثلون معظم اللبنانيين، وأكثر من ثلثهم تحت مستوى خط الفقر. ويتطلع مشروع موازنة 2003 الى تقليص حجم الدين العام وخفض معدلات الفائدة بالاعتماد على عائدات التخصيص والتسنيد، ويعتمد التخصيص على قطاعات كالاتصالات والكهرباء والمياه، مع اللجوء الى وسائل اضافية ومكمِّلة لتعزيز مساهمة القطاع الخاص في ادارة قطاعات ومؤسسات ومرافق عامة أخرى، وإدراج اسهم الشركات التى يتم تخصيصها في بورصة بيروت وغيرها. ومن المنتظر ان يساعد اصلاح النظام الضريبي وتحديثه على زيادة حجم الايرادات بدءاً من عام 2003. ونظراً لحاجات الحكومة التمويلية فإن مشروع موازنة 2003 يفترض الإجازة للحكومة إصدار سندات خزينة مختلفة الآجال بالعملة اللبنانية، ضمن مبلغ يوازي احتياجات الخزينة، اضافة الى اصدار سندات خزينة بالعملات الاجنبية بزهاء بليوني دولار أميركي لاعادة تمويل استحقاقات الديون الخارجية. ملاحظات وتساؤلات وتطرح خطة الاصلاح المالي الحكومية ملاحظات وتساؤلات يمكن تلخيص أهمها بما يأتي: 1 تبدو الخطة جدية، شاملة ومتكاملة. لكن في غياب الاحصاءات الموثوق بها، يصعب التوصل الى تقديرات صائبة، كما ان عدم استقرار الأوضاع اللبنانية وغياب الامكانات المطلوبة قد يعوقان تنفيذها ضمن المهل والمراحل المحددة. 2 على المدى المتوسط ليس من السهل التوصل الى تقديرات واستنتاجات صحيحة ودقيقة نسبياً. وهناك عوامل قد تكون لها تأثيرات ايجابية او سلبية، كالعوامل المؤثرة في سوق المال، والمخاطر السياسية، وحال سوق القطع، وخصائص القطاعات الاقتصادية وغيرها، الى دور وتأثيرات العامل المضاعف على مؤشرات مهمة. 3 من خلال استبدال جزء من الدين العام الداخلي بالليرة اللبنانية الى دين خارجي بالعملات الاجنبية، بفوائد متدنية وآجال أطول، ترمي الخطة الى تحقيق وفورات مالية وخفض كلفة الدين العام، والى الحد من احتكار الحكومة لمصادر التمويل الداخلية، وخفض اسعار الفائدة كي يتسنى للقطاع الخاص الاعتماد على هذه المصادر للتوسع في الاستثمار ورفع معدلات النمو وتحقيق الازدهار المنشود. وإذا كانت الظروف الراهنة مواتية لخفض اسعار الفائدة في السوق الداخلية اللبنانية، جراء انخفاض اسعارها في الخارج، الا ان اسعار الفائدة في الداخل يجب ان تظل اعلى من مثيلتها في الخارج لحفز اجتذاب رؤوس الاموال الوطنية والاجنبية. وفي الوقت نفسه فإنه يصعب تقدير مدى استجابة المؤسسات الخاصة لخفض اسعار الفائدة، ومستوى اقدامها على الاستدانة للتوسع في الاستثمار ورفع مستوى الانتاج، لأن هذه المسألة تتعلق بأوضاع المؤسسات والقطاعات الاقتصادية ، وبتطورها وقدراتها الانتاجية، وبخصائص الاسواق الداخلية والخارجية، وحال سوق العمل، وغير ذلك من العوامل المهمة. 4 ان تحقيق معدلات نمو قريبة من 6 في المئة سنوياً والتوصل الى ناتج محلي بنحو 23 بليون دولار اميركي سنة 2007، يرافقه ازدهار قطاعي التجارة والخدمات، بالاعتماد على معدلات مخفوضة للفوائد، غير ممكن من دون حصول رواج كبير وشامل في السوق اللبنانية. ويفترض توافر عوامل وظروف داخلية، اقليمية ودولية مواتية، غائبة حالياً وفي المدى المنظور ما يجعل مدى دقة مختلف النتائج المتوقعة للخطة عرضة للتساؤل. 5 على رغم الطموحات الكبيرة للخطة، فإن الانجازات ستكون متواضعة. فهي ترمي الى خفض نسبة الدين العام الى الناتج المحلي من 173 في المئة الى 92 في المئة. وهي نسبة يصعب على لبنان ادراكها قبل سنة 2011، اذا ما نفذت الاجراءات المنوي اتخاذها واستمرت معدلات النمو الاقتصادي بالارتفاع. 6 لا شك في أن للتخصيص دوراً مهماً في تقليص نفقات القطاع العام وتحسين أداء المؤسسات والمصالح التي ستخضع لها، وزيادة واردات الخزينة، وخفض نسبة العجز في الموازنة العامة، وتقليص حجم الديون. لكن، على رغم وجود قانون التخصيص، وإنشاء المجلس الأعلى للتخصيص، وتحديد المؤسسات التي ستخضع لها، الا ان الأسس التي تعتمد عليها قرارات هذا المجلس غير واضحة، وتفتقر الى الشفافية، ويغلب عليها الطابع السياسي، ولا تتلاءم مع أسس التخصيص، خصوصاً في مجال استدراج العروض. وعلى سبيل المثال لم تنجح محاولة تخصيص شركة طيران الشرق الأوسط لأسباب اجتماعية وسياسية فبلغت خسائرها 90 مليون دولار اميركي، ولو ان ادارتها، في ما بعد، نجحت في تحقيق توازنها المالي، وتجديد اسطولها الجوي. وفي مصلحة كهرباء لبنان انجزت عقود بالتراضي، من دون دراسة لأوضاع الشركات الملتزمة. اما المشكلات التي رافقت تلزيم الهاتف الخلوي الى شركات خاصة فمعروفة. وتحاول الدولة استعادة هذا القطاع لتخصيصه، على رغم أن ملف انتقاله اليها يكلفها خسارة تبلغ 1.2 بليون دولار، وخسارة سنوية تمثل الربح المقدر سنوياً عن الاعمال تبلغ 700 مليون دولار اميركي، وسندي تحصيل بقيمة 600 مليون دولار. وعلى رغم معدل الربحية المرتفع في هذا القطاع فإن الشركتين المسؤولتين عنه قد يتم بيعهما بمبلغ 800 مليون دولار اميركي فقط. وإذا كانت مسألة التخصيص حتمية ويعول عليها لسداد التزامات على الخزينة بين بليونين وثلاثة بلايين دولار اميركي، الا انها معقدة وطويلة وذات تشعبات سياسية تتداخل فيها مصالح مختلفة. ومن وسائل دعم التخصيص اصدار اوراق مالية او اسهم للشركات المعنية وتسويقها في البورصات الداخلية والخارجية ومردود التخصيص والتسنيد اصدار سندات بمداخيل بعض مصالح الدولة كادارة التبغ وغيرها قد لا يتجاوز خمسة بلايين دولار وهو أقل بكثير مما تتوقعه الخطة الحكومية. وفي مطلق الاحوال فإن من الضروري وضع آلية صحيحة لمراقبة مداخيل المؤسسات والمصالح التي تخضع للتخصيص، وسلامة تنفيذ عقود الادارة، ومستوى الشفافية، والحفاظ على حقوق الدولة ومصالحها وتعزيز مواردها، ومتابعة تنفيذ الاجراءات المتفق عليها بدقة وعناية، وتوفير الخدمات اللازمة للمواطنين بالشكل المطلوب. 7 - لا تتضمن الخطة الحكومية للاصلاح المالي والاقتصادي رؤية واضحة ومتكاملة تحدد من خلالها سياستها الاقتصادية والاجتماعية في المدة المقبلة، مع اختيار نموذج للتطوير والتحديث والانماء يتناسب مع طبيعة وخصائص موارد لبنان وطاقاته الانتاجية والمالية والبشرية، ويراعي أوضاع ومشاكل مختلف قطاعاته ومؤسساته وأسواقه وآفاق تطورها، خصوصاً في ظل المنافسة الاقليمية والدولية، وغير ذلك من المسائل الاخرى المهمة. اما التصور العام القائم على ان خفض اسعار الفائدة يؤدي تلقائياً الى ضخ السيولة في السوق، من طريق اقبال القطاع الخاص على الاستدانة من الجهاز المصرفي، والى زيادة حجم الاستثمار والانتاج والناتج الاجمالي، ورفع مستوى العمالة والنمو والدخل، وغير ذلك من النتائج الأخرى المهمة، من دون تحديد دقيق ومفصل لطبيعة التأثيرات التي يتركها على كل قطاع من القطاعات المتعددة، وعلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بكاملها، فإنه يدعو الى التحفظ والحذر. ولا تتضح في الخطة سياسة الحكومة ازاء مشكلة البطالة، والنزوع الى الهجرة، وتشجيع المهاجرين للعودة الى وطنهم، وحل مشكلة منافسة العمال الاجانب للعمال اللبنانيين، والصرف التعسفي من الخدمة في المؤسسات الخاصة، وغيرها من المسائل الاخرى. 8 تعتبر موازنة 2003 متقشفة، ومنسجمة مع خطة الاصلاح المالي والاقتصادي. ونسبة العجز فيها حددت بنحو 25 في المئة. واذا ما أضيفت اليها مستحقات الضمان الاجتماعي والمقاولين والمستشفيات والبلديات، وغيرها، فإن هذه النسبة قد تبلغ بين 35 و40 في المئة، وهي مستحقات اغفلتها الموازنة العامة. وإذا كانت النفقات الجارية في الموازنة بقيت تقريباً على حالها، فإن النفقات الاستثمارية في القطاع العام تقلصت بنسبة كبيرة، ما يترك آثاراً سلبية في أنشطة القطاع الخاص، والنشاط الاقتصادي في مجمله، ومعدلات النمو. وليس واضحاً الى اي حد يمكن لخفض اسعار الفائدة، او تدوير حسابات سابقة، او استعمال قروض مقدمة عبر مؤتمر "باريس - 2" بقيمة 1.3 بليون دولار، الى قروض سابقة بقيمة 1.1 بليون دولار اميركي ان يعوض تقلص هذه النفقات، علماً ان الاقتصاد اللبناني يعاني من انكماش يحتاج الى علاج سريع وفاعل بزيادة الانفاق الحكومي والخاص، خصوصاً الانفاق الاستثماري منه. اما بالنسبة الى الايرادات فإن الضرائب والرسوم المفروضة تطول اساساً ذوي الدخل المحدود في ظل ظروف معيشية صعبة. وهذا أدى الى ارتفاع حدة الاضرابات والاحتجاجات على السياسة الضريبية للحكومة، من موظفي ومستخدمي القطاع العام، والمدرسين وأساتذة الجامعة اللبنانية، والاتحاد العمالي العام، لتعديل هذه السياسة. وزيادة الضرائب والرسوم يرافقها عزم الحكومة على إلغاء صندوق التعاقد لأساتذة الجامعة اللبنانية، والحاقه بتعاونية موظفي الدولة التي اصبحت في حال مزرية. والحكومة عاجزة عن سداد مستحقاتها للضمان الاجتماعي. وهذا الاخير يحتاج الى التحديث والتطوير، ومصيره مهدد. فهو لا يجبي اشتراكاته، واحتياطه ينفد في سنتين، وجهاز التفتيش فيه عاجز لأسباب سياسية. وبلغت الديون المتراكمة لصناديق الضمان 1518 بليون ليرة منها 748 بليون ليرة على الدولة، و530 بليون ليرة على أرباب العمل والمؤسسات الخاصة، و240 بليون ليرة على المؤسسات العامة، وذلك حتى تشرين الأول 2002. الى ذلك فإن الحكومة لم تسدد حتى الآن فروقات زيادة الاجور عن عامي 1994 - 1996. وفي حين يسدد الموظفون والمستخدمون في القطاعين العام والخاص مباشرة ما يتوجب عليهم من ضرائب ورسوم، يصعب منع التهرب الضريبي في القطاع الخاص، لعدم الاعتماد على وسائل حديثة ومتطورة في مراقبة المداخيل والأرباح والتدقيق فيها. وفي ظل اقتصاد ريعي كالاقتصاد اللبناني، لا يخضع كثير من المداخيل الريعية للضرائب والرسوم. ومثل هذه الضرائب والرسوم يمكن ان يغذي خزينة الدولة بايرادات كبيرة. وهذا يعني ان هناك حاجة ملحة لاصلاح النظام الضريبي انطلاقاً من حاجات الدولة وامكانات الاقتصاد، ومبدأ العدالة الاجتماعية. فتوزع اعباء الضرائب والرسوم، مع اعتماد الضرائب التصاعدية على الدخل، وتأمين المنافع والخدمات المختلفة، على جميع الفئات والطبقات الاجتماعية بصورة منصفة. 9 - لا يمكن القيام بأي اصلاح مالي واقتصادي بالشكل المطلوب من دون ادارة عامة حديثة، متطورة، وذات مردودية مرتفعة مقارنة بتكاليفها التي تتحملها الخزينة. واذا كان من الصعب في الظروف الراهنة، لأسباب اجتماعية وسياسية، صرف عدد كبير من موظفي القطاع العام، فإن اعادة تأهيلهم بمساعدة مؤسسات دولية تعتبر من الحلول المجدية. وفي هذا الاطار فإن سياسة الحكومة الحد من التوظيف، ستؤدي الى خفض اضافي في مستوى الانفاق العام، لا بد وان يؤثر سلباً في حجم الطلب الكلي، وفي الانتاج والناتج المحلي، وفي معدلات النمو المتوقعة او المطلوبة. 10 - من أهداف الخطة الحكومية خفض خدمة الدين العام من 5،4 الف بليون الى 4 آلاف بليون ليرة، بالاعتماد على اسعار للفائدة يفترض الوصول الىها. لكن استمرار نمو الدين العام، وظهور اسعار للفائدة اعلى من الاسعار المتوقعة، قد يرفعان هذه الكلفة الى 5،7 الف بليون ليرة بدلاً من خفضها. * أستاذ الاقتصاد في كلية العلوم الاقتصادية وإدارة الأعمال، الجامعة اللبنانية.