[في نقد الموازنة يقول الخبير غازي وزني: "كان يفترض بالحكومة أن تفرض ضريبة على سندات الخزينة المحمولة من المصارف والتي بلغت 30 مليار دولار، لتوفير إيرادات تراوح بين 200 و300 مليون دولار"، بينما يرى المحلل هيثم طبش أن "السبب في عدم فرض رسوم على حملة سندات الخزينة هو تدبير احترازي. معروف أن أكبر مكتتب في سندات الخزينة هو القطاع المصرفي، ومعروف أيضاً أن لدى المصارف الآن فائض من السيولة تسعى الى توظيفها"...] وقّع رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان أمس مشروع قانون الموازنة العامة للعام 2010 بعدما وردته من الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وأحاله الى المجلس النيابي لمناقشته في اللجان المختصة ثم احالته الى الهيئة العامة لمناقشته واقراره. ومشروع الموازنة هو الأول الذي تقدمت به وزيرة المال ريّا الحسن، بعدما اعتمدت الحكومات المتعاقبة القاعدة الاثني عشرية في الانفاق، منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري والأحداث التي توالت، إلى أن استقرت الأوضاع السياسية والأمنية واكتمل عقد المؤسسات الدستورية. وبينما كان يشكل اعداد مشروع موازنة مطلباً اساسياً لقوى سياسية، تفاوتت آراء الخبراء الاقتصاديين حوله اذ رأوا أنه على رغم تضمنه ايجابيات فإن فيه سلبيات عدة، ناهيك بالنقاشات التي جرت في مجلس الوزراء قبل اقراره، والنقاشات المتوقعة في البرلمان. وزني: طموحة وانفلاشية وقال مدير "مركز الدراسات المالية والاقتصادية" الدكتور غازي وزني ل "دار الحياة": "الموازنة هي موازنة طموحة وتوسعية ولكنها انفلاشية. إنها موازنة التسويات السياسية والتوافق الحكومي، حيث نلاحظ زيادة في الانفاق الاجمالي بنسبة 14 في المئة وفي الايرادات بنسبة 8.4 في المئة تتضمن الموازنة إيجابيات إذ أنها لا تتضمن ضرائب موجعة للمواطنين بسبب عدم لجوئها إلى زيادة الضريبة على القيمة المضافة وبسبب اهتمامها بأولويات المواطنين انسجاماً مع البيان الوزاري حيث زادت الانفاق الاستثماري بنسبة 148 في المئة والتقديمات الاجدتماعية بنسبة 24 في المئة". وأضاف: "نجد أيضاً إيجابيات عبر إعفاء ذوي الدخل المتوسط والفقير من رسوم التسجيل في المدارس الرسمية ورسوم الامتحانات، وللمرة الأولى من خلال الإصرار على موضوع الشراكة بين القطاع الخاص والقطاع العام لتمويل العجز ولكن بشرط أن لا تتحول هذه الشراكة إلى خطوة تمهيدية للخصخصة". ويسهب وزني في شرح السلبيات، قائلاً: "أما سلبيات هذه الموازنة أنها غير إصلاحية ولا تنسجم من البرنامج الإصلاحي لمؤتمر "باريس – 3"، وفي الوقت ذاته نشعر بالقلق من تزايد العجز في المالية العامة من 8.56 في المئة من لناتج المحلي إلى 10.74 في المئة، ومن انخفاض الفائض الأولي إلى مستويات متدنية جداً تصل إلى 27 مليار ليرة، مقابل 1323 مليار ليرة عام 2009. وأيضاً يوجد قلق من عدم قدرة الحكومة على احتواء تنامي الدين العام النسبة إلى الناتج المحلي". خشية ورضوخ وأوضح وزني ما يقصده بالتخوف من ارتفاع العجز بالقول: "الخشية هي من ارتفاع العجز في المالية العامة الى 10.74 في المئة بعد سنوات من المنحى الانخفاضي اذ تراجع من 13.5 في المئة نهاية العام 2006 الى 8.50 في المئة في عام 2009. وكذلك نخشى من انعكاس المنحى في موضوع الدين العام الذي انخفض من 180 في المئة من الناتج المحلي عام 2006 إلى 147 في المئة عام 2009". وأضاف: "هناك أيضاً سلبيات أخرى، فنجد أن زيادة الضرائب على فوائد الوادئع من 5 الى 7 في المئة غير ضرورية لأنها تهّرب الودائع مع اقتراب الفوائد المطبقة في لبنان مع الفوائد في المنطقة وتطاول صغار ومتوسطي المودعين. كان يفترض بالحكومة أن تفرض ضريبة على سندات الخزينة المحمولة من المصارف والتي بلغت 30 مليار دولار، أي ما يوفر إيرادات تراوح بين 200 و300 مليون دولار". ورأى أن "مشروع الموازنة رضخ للضغوط ما أدى إلى تأجيل الضريبة على الربح العقاري تحت ضغط "اللوبي العقاري"، وتأجيل الضريبة على المصارف تحت ضغط "اللوبي المصرفي" وتأجيل الضريبة على تسوية المخالفات البحرية تحت ضغط "اللوبي السياسي" ورجال الأعمال. وكذلك نجد من السلبيات المغالاة في زيادات الإنفاق الاستثماري البالغة تقريباً 2000 مليار ليرة بسبب عدم قدرة الحكومة على استخدام نصف هذه الاعتمادات في العام الحالي بسبب بقاء 7 اشهر حتى نهاية العام". وتابع: "كان يفترض في هذه الموازنة تحديد سقف لسعر صفيحة البنزين وتحمل الحكومة اقتطاعاً من مداخيلها في حال تجاوز هذا السقف 35 ألف ليرة لصفحة البنزين". طبش: تدبير احترازي في المقابل، لا يرى المحلل المالي هيثم طبش في عدم فرض رسوم على سندات الخزينة أمراً سلبياً. ويقول ل "دار الحياة": "أعتقد أن السبب في عدم فرض رسوم على حملة سندات الخزينة هو تدبير احترازي. معروف أن أكبر مكتتب في سندات الخزينة هو القطاع المصرفي، ومعروف أيضاً أن لدى المصارف الآن فائض من السيولة تسعى الى توظيفها، وإذا فرضت رسوم على سندات الخزينة قد يؤدي ذلك إلى فرملة استثمار المصارف في هذه السندات ما يمكن أن يؤثر سلباً في تمويل احتياجات الخزينة. أعتقد أن مشروع الموازنة المقدم من وزيرة المال، لم يرد الدخول في هذا المدخل". ويتحدث طبش عن ايجابيات في الموازنة، قائلاً: "إنها لم تزد الضريبة على القيمة المضافة وبالتالي لم ترهق المواطن بضرائب إضافية هو يعاني منها بشكل يومي. كما لحظت خفضاً لرسوم يدفعها ذوو الدخل المحدود وتؤثر فيه كرسوم التسجيل بالمدرسة الرسمية والامتحانات الرسمية وهذا الامر رفع عن كاهل المواطنين وهذا يشكل فرقاً كبيراً على من لديه عائلة. ولحظت الموازنة من ضمن بنودها رفع الحد الذي لا يفرض عليه ضريبة للعقارات من 6 ملايين الى 9 ملايين، وهذا ايجابي جداً لأنه يفسح في المجال للمواطن أن يسجل نقل الملكية رفعت قيمة السماح على رسوم انتقال الميراث الى 9 ملايين. وكذلك فان الضرائب التي لحظتها الموازنة سيدفعها الاغنياء لانها رفعت الضريبة على الودائع المصرفية لأنه كلما كانت الوديعة اكبر كلما زادت الضريبة وبالتالي الرجل الاغنى هو الذي يدفع أكثر وبالتالي صاحب الدخل المحدود لن يعاني من مشكلة في هذا الموضوع". وأضاف: "هناك ايضاً ايجابيات في الموازنة هو أنها رفعت نسبة الإنفاق الاستثماري بمعنى أنها ستضخ مزيداً من الاموال في المشاريع المجزية والتي ستعود بالنفع على المواطن من حيث فرص العمل وزيادة حجم الاقتصاد ما يرفع معدل الدخل الفردي. وأهم ما في الموازنة أنها تبحث عن سبل لتخليص الناس من متاعب يعانون منها منذ فترة كالكهرباء والاتصالات، من خلال اقتراحها أن تكون هناك شراكة مع القطاع الخاص للوصول الى حلول لهذه المشاكل وحين تصل حلول لا تؤثر على المواطن زيادة طفيفة". مصادر الحسن: دمج كل المستحقات وكذلك تؤكد مصادر مقربة من وزيرة المال أكدت رداً على النقد، أن "مشروع الموازنة تضمّن الكثير من الايجابيات وبخاصة على صعيد النفقات الاستثمارية وكذلك على الشق الاجتماعي التزاماً بالبيان الوزاري الذي حدد أن هموم المواطنين وايجاد فرص عمل ومعالجة موضوع الفقر من أولويات الحكومة، فخصص لهذا الشق 25 في المئة، اضافة الى الاهتمام بالقطاع الزراعي الذي خصص له 23 في المئة وهذا سيكون له مردود ايجابي على شريحة كبيرة من المواطنين في الشمال والبقاع والجنوب". وقالت ل "دار الحياة": "للمرة الأولى أيضاً تدمج الموازنة كل المستحقات على الدولة لتأتي موازنة العامة المقبل 2011 نظيفة من كل الأعباء على الدولة". وشددت على "حرص وزارة المال على عدم رفع وتيرة الدين العام، إضافة الى سعيها الى بدء خفضه في العامين المقبلين". وأشار إلى "اهتمام كبير أولته الموازنة لموضوع الكهرباء وهذا القطاع يحتاج إلى تمويل ونفقات ويجب على الحكومة أن تأخذ قراراً لايجاد حل له علماً أن هناك مشاريع قوانين تتعلق بهذا الامر". وأوضحت المصادر في مجال الإيرادات أن "وزارة المال ارتأت عدم زيادة الأعباء على كاهل المواطنين بضرائب اضافية لهذا العام، لكن ربما في موازنة العام المقبل ترفع الضريبة على القيمة المضافة علماً أن هذا يتعلق باصلاحات باريس – 3، علماً أن وزراء المال بدأت من الآن درس موضوع الادارة الضريبية". وأكدت أن "خدمة الدين العام لم ترتفع كثيراً لان لبنان استفاد من تراجع الفوائد 3 نقاط، وبالتالي ستبقى وتيرة خدمة الدين نفسها". وشددت على أن "وزارة المال كان همها اثناء وضع مشروع الموازنة متركزاً على زيادة النفقات الاستثمارية من دون زيادة الدين. وفي موضوع النفقات الاستثمارية فان لبنان في حاجة الى أكثر مما هو مرصود، ومن هنا جاءت فكرة الشراكة مع القطاع الخاص". وعن عدم فرض ضرائب على الودائع المصرفية وعلى سندات الخزينة، قالت المصادر: "لا نستطيع أن نفرض ضرائب على الودائع المصرفية لأن لبنان يعتمد سياسة السرية مصرفية وبالتالي لا يحق لأحد أن يطلع على حجم الودائع ويفرض عليها ضريبة، اضافة إلى حرصنا على الحفاظ على المودعين من الداخل او الخارج. اما في ما يتعلق بسندات الخزينة فمعروف أن المصارف هي الممول الأساسي لها، وفرض نوع من الضريبة على السندات حالياً قد يسيء الى وضعية التعامل بين المصارف والدولة اللبنانية". خلفية وكانت الوزيرة الحسن أوضحت يوم أعدّت المشروع أنه يتضمن «زيادة كبيرة في الإنفاق الاستثماري بلغت 148 في المئة، وفي التقديمات الاجتماعية 24 في المئة». وأكدت «تمويل الإنفاق الجديد من القروض الميسرة من الدول والصناديق المانحة، ومن خلال إشراك القطاع الخاص والشراكة معه، والاستمرار في وتيرة خفض الفوائد». ولفتت إلى «زيادة طفيفة على بعض الضرائب والرسوم، أهمها على فوائد الودائع المصرفية من 5 في المئة إلى 7 في المئة، وزيادة رسوم التسجيل العقاري من 5 في المئة إلى 7 في المئة للشطر الذي يزيد على 750 مليون ليرة، من دون اللجوء الى زيادة الضريبة على القيمة المضافة». وكشفت عن «الإعفاء من رسوم التسجيل في المدارس الرسمية ورسوم الامتحانات، وزيادة التنزيل على رسم الانتقال للورثة من الدرجة الأولى أي زيادة مبالغ الإعفاء على الحصة الإرثية نحو ثلاثة أضعاف، وزيادة المبلغ غير الخاضع لضريبة الأملاك المبنية للمالك الذي يسكن منزله إلى 9 ملايين بدلاً من 6 ملايين، وخفض الغرامات على الضرائب والرسوم بنسبة 90 في المئة، بما فيها غرامات البلدية وأوامر التحصيل وغرامة رسوم السير ووكالات بيع السيارات، بهدف مساعدة المكلفين على تسوية أوضاعهم». وأوضحت أن الوزارة ارتكزت في مشروع الموازنة إلى أربعة محاور رئيسة، تمثلت في «زيادة كبيرة في الإنفاق الاستثماري لتصل إلى 6.1 في المئة من الناتج المحلي بما يوازي مبلغ 2000 بليون ليرة لبنانية، وزيادة ملحوظة في التقديمات لتصل إلى 1200 بليون ليرة، وإذا أخذنا في الاعتبار كل النفقات ذات الطابع الاجتماعي في القطاع العام أو لغير القطاع العام تصل هذه التقديمات إلى 4200 بليون ليرة». وتمثل المحور الثالث في «برمجة تسديد مستحقات الدولة في مؤسسات القطاع العام ومؤسسات القطاع الخاص، وأخيراً بناء الموازنة على مبدأ الحفاظ على وتيرة احتواء نمو الدين الى الناتج المحلي وعدم الدخول في دوامة زيادة المديونية في شكل غير مستدام». وعرضت الحسن أرقام مشروع الموازنة، فأعلنت أن «مجموع الاعتمادات الملحوظة فيه بلغ 18652 بليون ليرة، بزيادة نسبتها 14.39 في المئة. وبلغ مجموع الإيرادات المتوقع جبايتها 12977 بليون ليرة، بزيادة نسبتها 13.94 في المئة. وعليه، توقعت أن يصل عجز الموازنة الكلي إلى 5675 بليون ليرة نسبتها 13.94 في المئة مقارنة ب 4.916 بليون في موازنة العام الماضي، أي بزيادة نسبتها 15.44 في المئة». ورجحت أن «يبلغ الإنفاق من خارج الموازنة 2665 بليون ليرة، بزيادة نسبتها 23.44 في المئة». وأوضحت أن النفقات الجارية «تستحوذ على الجزء الأكبر من اعتمادات الموازنة أي ما يوازي 5392 في المئة من النفقات الإجمالية، إذ بلغ مجموع هذه الاعتمادات 10062 بليون ليرة، بزيادة 11.24 في المئة». وبحسب كتاب الاحالة، «يشكل بند الرواتب والأجور وملحقاتها ومعاشات التقاعد نسبة 55.98 في المئة من الإنفاق الجاري و30.18 في المئة من الاعتمادات». وشددت على أن مجموع النفقات ذات الطابع الاجتماعي من اصل الرواتب بلغ 3084 بليون ليرة. وبلغت الاعتمادات لدعم مؤسسة كهرباء لبنان 2369 بليوناً بزيادة 27.30 في المئة». وتوقعت الحسن أن «تبلغ نسبة اعتمادات الإنفاق الاستثماري إلى الناتج 3.6 في المئة، وإذا أضيفت إلى هذه الاعتمادات، المبالغ المتوقع إنفاقها من خارج الموازنة، يصل مجموع الإنفاق الاستثماري إلى 3433 بليوناً، اي 6.09 في المئة من الناتج المحلي». وفي كتاب الإحالة، يُتوقع أن «يبلغ مجموع خدمة الدين العام 6557 بليون ليرة بزيادة 116 بليوناً عن العام الماضي نسبتها 1.8 في المئة». وبحسب كتاب الإحالة، أُعدّ المشروع في ضوء «توقع نسبة نمو حقيقي بواقع 4.5 في المئة، ونسبة تضخم توازي 3.7 في المئة، واعتماد المتوسط السنوي لسعر النفط الخام بما يعادل 80 دولاراً. وبنتيجة ذلك، بلغ مجموع إيرادات الموازنة والخزينة 13779 بليون ليرة، بزيادة نسبتها 8.45 في المئة». وأظهر المشروع أن «الفائض الأولي سينخفض إلى 27 بليون ليرة مقارنة بفائض أولي بلغ 1.314 بليون السنة الماضية، بانخفاض قدره 1.287 بليون ونسبته 98 في المئة. وعلى رغم ذلك، استطاعت الوزارة الحفاظ على نسبة الدين إلى الناتج المحلي، إذ يُتوقع أن يبقى عند مستوى 147 في المئة».