"المواصفات السعودية" تنظم غدًا المؤتمر الوطني التاسع للجودة    "تلال" تختتم مشاركتها في "سيتي سكيب الرياض" بتوقيع اتفاقيات إستراتيجية لتعزيز جودة الحياة في مشاريعها    "الأرصاد"سماء صحو إلى غائمة على جازان وعسير والباحة ومكة والمدينة    المكسيكي «زوردو» يوحّد ألقاب الملاكمة للوزن الثقيل المتوسط لWBO وWBA    اليوم..بدء الفصل الدراسي الثاني    نفاد تذاكر مواجهة إندونيسيا والسعودية    منتخب هولندا يهزم المجر برباعية ويلحق بالمتأهلين لدور الثمانية في دوري أمم أوروبا    شمال غزة يستقبل القوافل الإغاثية السعودية    اللجنة المشتركة تشيد بتقدم «فيلا الحجر» والشراكة مع جامعة «بانتيون سوربون»    اليوم بدء الفصل الدراسي الثاني.. على الطريق 3 إجازات    20,124 مخالفاً في 7 أيام وإحالة 13,354 إلى بعثاتهم الدبلوماسية    «إعلان جدة» لمقاومة الميكروبات: ترجمة الإرادة الدولية إلى خطوات قابلة للتنفيذ    5 فوائد صحية للزنجبيل    اختلاف التقييم في الأنظمة التعليمية    مهرجان الزهور أيقونة الجمال والبيئة في قلب القصيم    المتشدقون المتفيهقون    الإستشراق والنص الشرعي    بيني وبين زوجي قاب قوسين أو أدنى    أهم باب للسعادة والتوفيق    أغرب القوانين اليابانية    الفرصة المؤكدة و مغامرة الريادة في كفتي ميزان    «مزحة برزحة».. هل تورط ترمب ب«إيلون ماسك» ؟    سعرها 48 مليون دولار.. امرأة تزين صدرها ب500 ماسة    وزير الدفاع ونظيره البريطاني يستعرضان الشراكة الإستراتيجية    البيان المشترك الصادر عن الاجتماع الثاني للجنة الوزارية السعودية- الفرنسية بشأن العُلا    14% نموا في أعداد الحاويات الصادرة بالموانئ    أمن واستقرار المنطقة مرهون بإقامة دولة فلسطينية مستقلة    اكتشاف تاريخ البراكين على القمر    «واتساب»يتيح حفظ مسودات الرسائل    محافظ محايل يتفقد المستشفى العام بالمحافظة    عروض ترفيهية    المملكة تستعرض إنجازاتها لاستدامة وكفاءة الطاقة    إطلاق النسخة الرابعة من «تحدي الإلقاء للأطفال»    السخرية    المؤتمر العالمي الثالث للموهبة.. عقول مبدعة بلا حدود    شارك في الطاولة المستديرة بباكو..الجاسر: 16 مليار دولار تمويلات البنك الإسلامي للمناخ والأمن الغذائي    تجاوز الدحيل القطري.. الخليج ينفرد بصدارة الثانية في «آسيوية اليد»    ضمن منافسات الجولة ال11.. طرح تذاكر مباراة النصر والقادسية "دورياً"    منتخبنا فوق الجميع    الابتسام يتغلّب على النصر ويتصدّر دوري ممتاز الطائرة    دخول مكة المكرمة محطة الوحدة الكبرى    رحلة قراءة خاصة براعي غنم 2/2    الحكمة السعودية الصينية تحول الصراع إلى سلام    المرتزق ليس له محل من الإعراب    حكم بسجن فتوح لاعب الزمالك عاما واحدا في قضية القتل الخطأ    ألوان الأرصفة ودلالاتها    ابنتي التي غيّبها الموت..    وزير الرياضة يشهد ختام منافسات الجولة النهائية للجياد العربية    وطنٌ ينهمر فينا    خطيب المسجد الحرام: احذروا أن تقع ألسنتكم في القيل والقال    أمير تبوك يطمئن على صحة الضيوفي    ختام مسابقة القرآن والسنة في غانا    المؤتمر الوزاري لمقاومة مضادات الميكروبات يتعهد بتحقيق أهدافه    الزفير يكشف سرطان الرئة    أمير الباحة يكلف " العضيلة" محافظاً لمحافظة الحجرة    تركيا.. طبيب «مزيف» يحول سيارة متنقلة ل«بوتوكس وفيلر» !    مركز عتود في الدرب يستعد لاستقبال زوار موسم جازان الشتوي    عبدالله بن بندر يبحث الاهتمامات المشتركة مع وزير الدفاع البريطاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كاسترو قطع الماء والكهرباء عن القاعدة وتصارع عليها الاسبان والانكليز ... والجنود يعايشون العقارب والجرذان . غوانتانامو من ملاذ للقراصنة الأميركيين الى معتقل ل"القاعدة" و"طالبان"
نشر في الحياة يوم 16 - 06 - 2002

"أفضل أسوأ الأماكن في العالم". العبارة لوزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد، قالها خلال كلمة ألقاها أمام جنود وضباط قاعدة غوانتانامو البحرية في كوبا، بعد تحولها معتقلاً لأسرى تنظيم "القاعدة" بزعامة أسامة بن لادن وحركة "طالبان" الأفغانية.
الضباط وتأكيداً لصدق العبارة، نسخوها وعلّقوها في صدر قاعة الصحافيين في مبنى المطار داخل القاعدة. ولم يقتصر الاحساس بسوء الموقع على رامسفيلد، بل سبقه في ذلك مكتشف القارة الاميركية، الرحالة كريستوفر كولمبوس في 30 نيسان ابريل عام 1494، خلال زيارته الثانية الى أميركا، اذ رست سفينته في غوانتانامو وأمضى فيها يوماً واحداً سماها فيه "بورتوغراند" ورحل. وتكريماً للمكتشف يرتفع نصب فيه لوحة نحاسية أرخ عليها يوم الزيارة، قرب مرفأ عسكري أقيم على ضفة القاعدة الشرقية.
وتقول احدى الروايات غير الموثقة ان كولمبوس وافراد مجموعته كانوا يبحثون عن الذهب، فلما وجدوا المنطقة نائية وطبيعتها صعبة، غادروها من دون عناء التنقيب.
القسم الشرقي
تمتد غوانتانامو على مساحة 45 ميلاً مربعاً. ويبلغ طول حدودها مع كوبا سبعة عشر ميلاً ونصف الميل. وتنقسم قسمين غربي ويدعى "لي وارد" ويقع داخله المطار الصالح لاستخدام الطائرات العملاقة مدنية كانت أم عسكرية، ومطار آخر أصغر حجماً، ومبنى الركاب وفيه قاعة للاعلاميين ودوائر عسكرية اخرى. ويضم ايضاً سكناً للعسكر العازبين وفندقاً صغيراً اضافة الى متجر ومطعمين، احدهما يتحوّل حانة بعد الساعة الخامسة مساء.
وعلى مسافة نحو 500 متر من الفندق أقيم شاطئ رتبت على جنباته غرف تغيير الملابس وحمامات، وتتوسطه لافتة ضخمة كتب عليها ان المكان خال من أسماك القرش، اذ بني على محيط الشاطىء مردات إسمنتية ضخمة تمنع الاسماك الكبيرة من الوصول الى داخلها. أما أراضي القاعدة فمليئة بالافاعي والعقارب، ومساء تشاهد جحافل من آلاف السلاطعين على جانبي الطرقات، يموت عدد كبير منها دهساً. واضافة الى الزواحف المذكورة، تمتاز القاعدة بأنها محمية طبيعية، وغالباً ما تعبر أمامنا سحال من نوع "غويانا" شكلها شبيه بالديناصور لكنها صغيرة الحجم. ونوع من الجرذان يدعي "جرذ الموز" شكله محبب، ويقترب من شكل الأرنب. ويشتكي الجنود دائما من بقاياه الموزعة في كل مكان. أما الأشجار فتسكنها أنواع مختلفة من الطيور، الأبرز بينها طائر "النسر الرومي" Turkey Vulture.
القسم الغربي
القسم الغربي أطلق عليه اسم "وينوارد" ويمكن الوصول اليه براً لأن جانبي القسمين أراضٍ كوبية. وللانتقال الى "وينوراد" لا بد من استخدام اما المروحية أو العبارة، وتستغرق الرحلة فيها نحو 225 دقيقة، تبحر خلالها المياه الدولية. اذ ان اتفاق تأجير القاعدة دوّل الممر المائي ويسمح للسفن الكوبية بعبوره.
وتضم "وينوارد" غالبية منشآت غوانتانامو العسكرية وسكن الضباط والجنود وأسرهم ومدرستين ابتدائيتين. ومستشفى وعيادات متنوّعة، ومرافئ صيد وملعب غولف، اضافة الى مراكز رياضية مختلفة ومجمع تجاري ضخم وصالتي سينما في الهواء الطلق ومقر لقيادة الاركان ولقيادة القاعدة البحرية ولقوة العمليات المشتركة جي تي اف -160 وجي تي اف - 17 المخصصتين لدراسة اعضاء القاعدة والتحقيق معهم.
وفي القسم الغربي ايضاً متحف يستعرض تاريخ غوانتانامو وكنيستان ومنشآت اخرى لها علاقة بدراسة المناخ والزلازل والأعاصير. ومازحني أحد العاملين في مركز المناخ بعدما علم أنني من الشرق الأوسط قائلاً: "هل تعلم ان كل الأعاصير والعواصف تأتي الينا من الشرق". وتابع بجدية ان هذه حقيقة علمية في المحيط.
وغوانتانامو هي القاعدة العسكرية الأميركية الأقدم خارج أراضي الولايات المتحدة، والواقعة داخل أراضي دولة شيوعية. وتبعد نحو 700 كيلومتر عن سواحل فلوريدا. ومن الرموز التي يفخر الأميركيون بوجودها داخل القاعدة مطعم للوجبات السريعة لشركة "ماكدونالدز".
ويبدو ان نشر سلسلة المطاعم المذكورة، اصبح هماً عسكرياً. فخلال تناولنا وجبة فيه نظر احد الضباط المرافقين من خفر السواحل الى السياج الفاصل مع كوبا حيث تعلو ابراج الحراسة وقال بحسرة: "عندما تصبح حرة يقصد كوبا ستمتلئ بمطاعم مماثلة".
ويكتفي الأميركيون بأبراج مراقبة عند السياج، وتسيير دوريات على مدار الساعات الأربع والعشرين. اما على الجانب الكوبي منه، وبحسب ما قال الرائد لي رينولدز، توجد حقول ألغام.
حضور اسباني
اللغة الرسمية داخل القاعدة هي الانكليزية من دون شك، ولكن اللغة الطاغية هي الاسبانية. اذ يقطن عوانتانامو المئات من العمال الهايتيين والجمايكيين والقادمين من الدومينيكان نظراً لتدني أجورهم واستعدادهم للعمل في ظروف قاسية، ورفْض الاميركيين لقطع المسافات الطويلة للعمل في ظل القوانين العسكرية الصارمة. على رغم بعض المغريات وأبرزها عدم خضوع القاعدة وسكانها لأي قوانين ضريبية كونها على أرض أجنبية، واسعار المنتجات داخلها معفاة من كل الرسوم. وعلى سبيل المثال علبة السجائر فيها بأقل من دولارين في حين يبلغ ثمنها داخل الولايات المتحدة بين خمسة وستة دولارات. لذا تحرص ادارة الجمارك الأميركية على تفتيش أمتعة القادمين من غوانتانامو تفتيشاً دقيقاً، في قاعدة "ادواردز رود" في بورتو ريكو، وفي قواعد فلوريدا. وعلى الاجانب القادمين من القاعدة، ولو كانوا في رفقة الجيش الأميركي، تعبئة بيانات دخول جديدة الى الأراضي الأميركية.
وتسكن القاعدة مجموعة من الكوبيين المنشقين الذين شكلوا ميليشيا مسلحة تسيّر دوريات بمشاركة الجنود الاميركيين على الحدود مع كوبا.
الولايات المتحدة استأجرت قطعة الأرض هذه عام 1904 لاستخدامها كمرفأ لنقل الفحم الحجري وقاعدة بحرية، خصوصاً وان تضاريسها تجعلها أكبر مرفأ مغلق في البحر الكاريبي. وفي العام 1934 جدد الايجار، وحددت قيمته بألفي دولار ذهبية ما يعادل بأسعار اليوم نحو أربعة آلاف دولار. وتضمن العقد شرطاً يمنع أي طرف من فسخه بمفرده، من دون تحديد مدة للعقد. ما يعني ان الولايات المتحدة لن تنسحب الا اذا هي قررت ذلك بعد مطالبة كوبية. وكان للتجديد سبب قانوني اذا اكتشف الطرفان الكوبي والأميركي انهما فقدا صك الايجار القديم.
ويحلو للأميركيين والمقيمين في غوانتانامو تسميتها بجوهرة الانتيل، وهي مجموعة الجزر والدول حول البحر الكاريبي وبينها كوبا وجمايكا وهاييتي والسواحل الاميركية شمالاً. ويتميز الاميركيون عن غيرهم بطريقة لفظ اسم القاعدة، اذ يشددون على لفظها ك"غوانتانامو" من دون الألف في حين يلفظها الاسبان "غونتانامو" مشددين على الألف الثالثة... التميز الأميركي لا يقف عند هذا الحد، ويصبح مزعجاً أحيانا، اذ يعمد العسكريون الى تعريف المواقع المدنية والعسكرية ومنها مقار السكن والمطاعم بأسماء مختصرة تتألف من حروفها الأولى. وبالتالي من الممكن سماع حديث طويل من دون ان نفهم منه شيئاً.
لمحة تاريخية
خلال القرن الثامن عشر حاولت القوات البريطانية احتلال غوانتانامو وخاضت معارك شرسة مع الاسبان. وفي نهاية القرن التاسع عشر شارك الاميركيون الثوار الكوبيين في حربهم ضد الاستعمار الفرنسي ونجحوا عام 1898 باحتلال القاعدة وعقدوا علاقات ممتازة مع قادة الثوار وفي طليعتهم خوسيه مارتي.
وكان من السهل على واشنطن نتيجة التعاون هذا الفوز بعقد الايجار المغري. وتضمن العقد ايضاً بنداً تؤكد فيه الولايات المتحدة سعيها للحفاظ على استقلال كوبا وحماية سكانها والدفاع عنها.
وعلقت الولايات المتحدة أهمية خاصة على القاعدة البحرية قبل ان تكون اسطول الاطلسي ما يسمى الآن بالقيادة الجنوبية. اذ شكلت القاعدة بمرفئها المغلق على مدى الاعوام الماضية ملاذاً لكبار القراصنة والمجرمين الاميركيين. ومن بين الاسماء الشهيرة في عالم الجريمة والتي وجدت ملاذاً في غوانتانامو "ناووم" و"سورس" و"روسيلو" و"اسكونديدو". أما أشهر القراصنة على الاطلاق فكان يدعى "روزاريو" وأصله من نيو اورليانز الاميركية.
وبقيت الامور بين الاميركيين والكوبيين جيدة الى عام 1961 عندما قطع الرئيس دوايت ايزنهاور العلاقات الديبلوماسية مع هافانا. وخلال هذه الفترة تدفق مئات الكوبيين الى غوانتانامو وشكلوا ميليشيات مسلحة لحراسة السور الشائك.
وفي العام التالي أجلي السكان المدنيون عن القاعدة في ضوء اعلان الرئيس جون كنيدي وجود صواريخ سوفياتية نووية داخل كوبا. وخلال هذه الازمة التي انتهت مع نهاية العام نفسه بسحب الصواريخ من مكانها تعرض العسكريون الاميركيون لأزمة تغذية. اذ ان انسحاب العائلات واستقدام وحدات اضافية من قوات "مشاة البحرية" مارينز تحسباً لحرب مع كوبا، رفع اعداد الجنود داخل القاعدة الى أكثر من 15 ألف عسكري، ولم تكن مطابخ الجيش مجهزة لخدمة هذا العدد، فاضطر المارينز الى اعداد اكثر من 3500 سندويش يومياً لسد النقص.
وتواصل تدهور العلاقات بين البلدين، وبعد عامين قرر فيديل كاسترو قطع امدادات الكهرباء والماء عن غوانتانامو، بعد اعتراض خفر السواحل الاميركي لصيادين كوبيين قرب سواحل فلوريدا. وهنا ايضاً اضطرت القوات الاميركية الى اجلاء المدنيين عن القاعدة. وتحسباً لأزمة مماثلة تمّ انشاء معمل كهرباء وتحلية يكفيان غوانتانامو ذاتياً.
سكان القاعدة
عدد السكان في القاعدة يختلف تبعاً للمهمات العسكرية، ولكنها تضم عادة ما بين ستة وثمانية آلاف عسكري وعائلاتهم اضافة الى نحو ألفين من العمال المدنيين. ولكن للقاعدة مهمة خدمة اسطول الاطلسي ولسفن القيادة الجنوبية. وبالتالي يصل عدد العسكريين على السفن الراسية فيها الى أكثر من خمسة عشر الفاً.
وفي السنوات الاخيرة تراجع عدد سكان غوانتانامو بصورة ملحوظة لكن قدوم أسرى القاعدة وعناصر قوات العمليات المشتركة عزز الوجود العسكري فيها الى نحو ستة آلاف شخص بحسب ما قال الرقيب اول وارن بيرد.
ايقاع الحياة في القاعدة بطيء جداً. ويغلق المطعم الليلي فيها ابوابه بحدود الساعة الحادية عشرة مساء. ومن الصعب تحديد أوقات لنشاطات السكان العسكريين فيها بسبب تضارب مواعيد نوبات الخدمة العسكرية. ومواعيد تنقل العبارات بين طرفي القاعدة التي تتوقف في الساعة الثامنة مساء.
ولا يحق للعسكريين جلب عائلاتهم الى غوانتانامو الا في حال وافقوا على الخدمة داخلها لمدة تتجاوز السنتين. وعادة ما يتحول العسكري الذي يقطن فيها أكثر من ذلك الى نجم بين الجنود يتناقلون أخباره. فالقاعدة تعتبر أشبه بالمنفى للجيش الأميركي. فكوبا من الخلف والبحر من الامام، ولا مكان آخر. وللانتقال بالطائرات الى خارجها نظام معقد يقضي بخدمة أول الواصلين الى مبنى المطار وعند امتلاء الطائرة يعود الباقون أدراجهم.
وعادة ما يبدأ الجنود بانتظار طائرة الثامنة صباحاً من منتصف الليلة السابقة. واحياناً كثيرة يكونون بصحبة عوائلهم وأطفالهم. لكن غالبية قوة العمليات المشتركة هم من عناصر الاحتياط الذين استدعاهم الرئيس الاميركي جورج بوش في اعقاب أحداث 11 ايلول سبتمبر، وتراوح فترة خدمتهم بين الستة اشهر والعام. لذا ليس بامكانهم الحضور مع عائلاتهم الى غوانتانامو.
وأعادت القوة المشتركة الحياة مجدداً الى القاعدة، وقام فوج الهندسة في الجيش الاميركي بمد أكثر من 36 ألف قدم من الأسلاك الهاتفية. وأعاد ترميم عدد من الابنية بسرعة قياسية. وتمّ تجهيز قاعة الاعلاميين بمعدات جديدة. ومنذ مطلع شهر كانون الثاني يناير الماضي بدأ الصحافيون بالتوافد الى غوانتانامو بمعدل أربعين صحافياً في الاسبوع لكن العدد انحسر اخيراً مع نقل الأسرى الى معسكر "دلتا" وتشديد الاجراءات الأمنية.
عصر القاعدة البحرية الذهبي كان الحرب العالمية الثانية، حيث شهدت أساطيل الاطلسي حركة ملحوظة. ومع نهاية الحرب بانتصار الولايات المتحدة بدأ العمل على تحسين أوضاع القاعدة. وانتظر سكانها الى العام 1951 ليبدأوا بتسمية الشوارع بعدما كان ذلك محظوراً لدواع عسكرية. وحملت طرقاتها وشوارعها اسماء ضباط خدموا فيها أو قتلوا خلال الحرب.
عاصمة اللاجئين في الكاريبي
وغابت غوانتانامو عن التداول الاعلامي بعد أزمتي الستينات مع كاسترو الى العام 1991، حيث استقبلت أكثر من 34 ألف لاجئ هاييتي. وفي العام 1994 أجلي الاميركيون المدنيون عن القاعدة بعد وصول عدد اللاجئين الى أكثر من 45 ألفاً. جاءت غالبيتهم في قوارب خشبية قطعت اكثر من 40 ميلاً بحرياً لتصل الى غوانتانامو عبر انواء المحيط الاطلسي وأمواجه. ويحتفظ متحف القاعدة بمجموعة من القوارب المهترئة التي استخدمها اللاجئون. ولم يتجاوز طول احداها المتر ونصف المتر قال الضابط القيم على المتحف ان عائلة من أربعة أشخاص كانوا بداخله.
وتسير قوات خفر السواحل المتمركزة في القاعدة والتابعة عسكرياً لقيادة غوانتانامو البحرية ويقودها الآن الكابتن روبرت بوين، دوريات بحرية تحسباً لتسلل قوارب جديدة. وللاشارة فان معتقل "اكس راي" استخدم للمرة الأولى عام 1994 لفرز اللاجئين الهايتيين.
وللقيادة الجنوبية في الجيش الاميركي مهمة محددة تتلخص في حماية السواحل الجنوبية والمساهمة في مكافحة تهريب المخدرات ومواجهة الاخطار الاقليمية مستقبلاً. وتعتبر القيادة الجنوبية غوانتانامو من المراكز المتقدمة لمواجهة اي حال من عدم الاستقرار جنوب القارة الاميركية.
بالقرب من معتقل "اكس راي" حيث احتجز أسرى "القاعدة" و"طالبان" لنحو أربعة أشهر، مدرسة ابتدائية هي الاكبر في القاعدة، والى تلك بجوارها أقيم مخيم كشفي لفتيات يحضرن خصيصاً من الولايات المتحدة خلال فترة العطلة الصيفية.
أمام المدرسة والمخيم رفعت لافتتان كتبتا ببالونات حمر وزرق وبيض، ألوان العلم الأميركي، جاء فيهما: "نحن نحب آباءنا الجنود".
وبالتأكيد فان اللافتتين ليستا موجهتين لأسرى "القاعدة". واحسست انهما ربما كانتا موجهتين للصحافيين... وربما لتبرير أي انتهاكات طالت المحتجزين... أو لتسجيل اعتزاز اضافي بالمهمة التي يقومون بها.
اجراءات أمنية غير عادية ترافق الصحافيين
من الطبيعي أن تكون الاجراءات الأمنية داخل قاعدة عسكرية مشددة، لكنها في غوانتانامو خرجت عن اطار المألوف الى حد المبالغة. ولم تكن بداية الرحلة الى القاعدة البحرية توحي بحجم الاجراءات المتخذة إذ تطلب الأمر تقديم طلب الى القيادة الجنوبية في الجيش الأميركي، بياناته كانت محدودة إذ اقتصرت على المعلومات المتوافرة على جواز السفر.
وجاءت الموافقة عبر البريد الالكتروني وحددت موعداً للوصول الى قاعدة "ادواردز رود" الجوية في بورتو ريكو، ومنها تتولى القيادة الجنوبية نقلنا الى غوانتانامو.
وصلنا الى "ادواردز رود" في الرابعة والنصف فجراً. عند المدخل الخارجي للقاعدة خضعنا لتفتيش دقيق، ثم نقلنا الى مكان قريب تضيئه بروجكتيرات عملاقة فردت تحتها الحقائب. طلب منا ضابط العلاقات العامة الذي يرافقنا ان نبتعد عن الحقائب. وجاءت مجموعة من "المارينز" مشاة البحرية مؤلفة من أربعة عناصر وضابط ومعهم كلاب مدربة على التفتيش.
فتحت الحقائب واحدة تلو الأخرى وجردت من جميع الأغراض والملابس ومعدات التصوير والتسجيل قطعة قطعة، وفتشت ثم مررت على الكلاب، ثم عاد عناصر المارينز الى ترتيبها كما كانت. ثم طلب منا اقفال الحقائب تحت مراقبتهم ونقلها الى السيارة.
وخلال تفتيش حقيبة اليد، طلب الضابط تشغيل جهاز الكومبيوتر المحمول، ولم يكتف بهذا القدر بل طلب تشغيل أحد البرامج الموجودة على سطح المكتب. وفك الهاتف الخلوي بعد تشغيله وتم فحص البطاريات، كذلك الأمر مع آلتي التصوير والتسجيل.
نقلنا في سيارة عسكرية من المدخل الى مبنى المطار، حيث خضعنا مجدداً لتفتيش مماثل وان كان أقل حزماً.
الرحلة بالطائرة من بورتو ريكو الى غوانتانامو استغرقت أكثر من ساعة بقليل. داخل مطار القاعدة البحرية في كوبا خضعنا لتفتيش مماثل وأكثر دقة على رغم ان الحقائب نقلت فقط من القاعدة الجوية الى القاعدة البحرية وتحت مراقبة لصيقة من الضباط الأميركيين.
وعند الدخول الى مبنى المطار حيث يقع أيضاً المركز الإعلامي، وكنا للتو خضعنا للتفتيش عند المدخل الخارجي، مررت الحقائب على آلات تصوير اشعاعي، بما فيها حقيبة اليد. وهنا طلب مني تشغيل الكومبيوتر مجدداً. وعند تشغيله طال صف المنتظرين خلفي، فتقدم ضابط مطالباً بإطفاء الجهاز لأنه مرر تحت أنف كلاب التفتيش فرد عليه أحد الجنود بأن الكلب الذي فتش الكومبيوتر ذكر وبالتالي فإن حاسة الشم لديه أقل من المطلوب وهو مضطر لاكمال الاجراء، فرضخ الضابط لأمر الجندي.
وخلال اللقاء مع قائد قوة العمليات المشتركة "جي تي اف -160" البريغادير جنرال ريك باكوس داخل هنغار عسكري في وينوارد الضفة الغربية من غوانتانامو فوجئنا بعدد من الضباط والجنود يتجاوز العشرة داخل القاعة ولكنهم جلسوا في زاوية بعيدة. ولاحظ الضباط المرافقون استغرابنا حضورهم، فبادر الرائد جيمس بل الى القول أنهم، أي الجنود، "يراقبون ما يجري خلال اللقاء لتسجيل ملاحظات ومعرفة دورهم مستقبلاً لأنهم سيتولّون بعد أسبوع مهمّة مرافقة الوفود الإعلامية وتصوير لقاءات الجنرال للاحتفاظ بها داخل أرشيف الجيش الأميركي". وختم بل مازحاً: "أرجو ألا تظنوا ان هذا استعراض للقوّة"
المعاناة مع التفتيش لم تنته هنا. إذ أن المركز الإعلامي كان نقطة التجمع اليومية قبل الانطلاق الى الجهة الثانية من القاعدة البحرية عبر عبّارات مائية. وكنا في كل مرة نضطر فيها لدخول المركز نخضع للتفتيش وتمرر آلات التصوير عبر جهاز التصوير الشعاعي، على رغم مرافقة أربعة ضباط لنا بصورة دائمة وفي أي مكان نكون فيه داخل القاعدة العسكرية. وظننا ان الاجراءات ربما تتراخى مع تعود الحراس علينا لكن شيئاً من هذا لم يحصل.
وخلال الجولة على معسكري "أكس راي" و"دلتا" تأكد الضباط المرافقين من ان حجم عدسات التصوير لم يتجاوز المئتي ملليمتر وان الكاميرا غير مجهزة بمضاعف تكبير للعدسات. وفي الجولة المقربة من معسكري الاعتقال بمحاذاة سوريهما نقلنا داخل سيارة نقل متوسطة الحجم فان ذات نوافذ قاتمة اللون لتحجب الرؤية من الخارج.
ولدى عودتنا الى قاعدة "ادواردز رود" في بورتو ريكو خضعنا لتفتيش مماثل وتم فصلنا عن بقية ركاب الطائرة ومررنا بصورة خاصة خارج صفوف الانتظار.
وعند خروجنا من مبنى المطار، استقلينا سيارة أجرة طلبها لنا ضباط العلاقات العامة. وبعد انطلاق السيارة استوقفنا جندي، وطلب منا الانتظار لحظات فوصلت سيارتا جيب مغلقتان، نوافذهما سوداء ورافقتنا واحدة في المقدمة والثانية خلفنا الى بوابة خارج حدود القاعدة الجوية، تبعد نحو خمس دقائق عن مبنى المطار، وأثارت هذه المرافقة استغراباً، إذ أكد سائق سيارة الأجرة المعتاد على قوانين القاعدة العسكرية الصارمة، ان هذه هي المرة الأولى التي ترافقه فيها سيارتان عسكريتان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.