اجراءات الأمن غير العادية في معسكر غوانتانامو الاميركي في كوبا، لا يخفف من حدتها سوى طُرف الصحافيين والضباط. ومع قساوة الترتيبات ورسمية التعامل الخارجة عن المألوف يتحول ضباط العلاقات العامة الى ما يشبه اجهزة التسجيل الهاتفية الآلية. لكل سؤال جواب، مختصر لا يشفي. وعندما يخرج ضابط ما عن وقاره المعهود، يصبح اي رد فعل مدعاة لضحك مدو. وجود القاعدة الأميركية على الأراضي الكوبية المعادية للولايات المتحدة، شكّل أرضية خصبة للنيل من هافانا، وإشراكها في وقائع الحياة اليومية لمعتقلي تنظيم "القاعدة" وحركة "طالبان". وبدأ التسلل الكوبي الى القاعدة الأكثر سرية في العالم، مع اعلان محام بريطاني نيته السعي الى رفع دعوى لدى المحاكم الكوبية لاطلاق سراح خمسة بريطانيين من أصول آسيوية اعتقلوا في افغانستان ونقلوا منها الى غوانتانامو. ويبرر المحامي البريطاني كليف ستافورد سميث مساعيه بالقول ان الولاياتالمتحدة ترفض تطبيق القوانين الأميركية على المعتقلين بحجة ان القاعدة العسكرية على أرض اجنبية وبالتالي لا تخضع للقوانين التي تتيح للمتهمين بتكليف محامين. وبالطبع فإن واشنطن لن تسمح للقضاء الكوبي بالتدخل في هذه القضية. ولكن المحامي اعلن انه ماض في دعواه حتى النهاية. ولاحراج الاميركيين، استغل الرئيس الكوبي فيديل كاسترو القضية، وأعلن انه سيسمح للمحامي ولأسر المعتقلين الخمسة بزيارة هافانا والتوجه منها الى غوانتانامو المقفلة على الكوبيين. وتسبب موقف كاسترو بحرج بالغ للحكومة البريطانية الحليف الأول لواشنطن في حربها على الارهاب، علماً ان الولاياتالمتحدة نقلت المعتقلين الاميركيين الى سجون داخل أراضيها حيث يتمتعون بظروف اعتقال افضل، الأمر الممنوع عن البريطانيين. وهنا سأل صحافي بريطاني من "صاندي ميرور" كان ضمن الوفد الاعلامي خلال زيارتنا القاعدة كيف تسمح لندن بالتمييز ضد رعاياها؟ وعلى رغم حراجة الموقف، يتعاطى الجنود والضباط الاميركيون بخفة معه. ويتندرون كيف انهم نجحوا في اغاظة نظام كاسترو عندما رفعت سلسلة المطاعم الشهيرة "ماكدونالدز" للمأكولات السريعة شعارها داخل القاعدة، وافتتحت مطعماً هو الوحيد على آخر جزيرة شيوعية في العالم. وأصرّ ضيوفنا الأميركيون على ان نتناول وجبة فيها تحية للنظام الحر. وقال الرائد في سلاح البر لي رينولدز ان المعتقلين في امكانهم المطالبة بالجنسية الكوبية بعد خمس سنوات. وأوضح انه في حال امضى هؤلاء مدة عقوباتهم بعد المحاكمات على أرض أميركية يستطيعون ايضاً المطالبة بجنسية اميركية، لكن السلطات سترفض طلبهم بالطبع. ومن باب السخرية المخترقة جدار صمت القاعدة، كشف النقيب البحري ماريو سارسينو ان كاسترو يحرص سنوياً على تسلم شيكات ايجار القاعدة البالغة قيمتها نحو أربعة آلاف دولار ويحتفظ بها داخل خزنة خاصة من دون ان يصرفها. وأكثر الطُرف تداولاً عن المعتقلين تلك المتعلقة بالمقارنة بين ظروف اعتقالهم في كوبا وبين ظروف معيشتهم في افغانستان. ويتداول الجنود رسماً كاريكاتورياً يظهر اثنين من طالبان على قمة جبل مثلج وهما يرتجفان من البرد. الأول يقول للثاني: "سمعت ان اخواننا في كوبا يعانون من الحر وانهم يأكلون ثلاث وجبات يومياً لكنها لا تتناسب وذوقهم". فيرد الثاني: "قلبي يتفتت من الألم حزناً عليهم". واقترح ضابط آخر نقل المعتقلين الى كهوف بدلاً من الزنزانات وذلك للرد على انتقادات منظمات حقوق الانسان.