سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عضو المكتب السياسي للاشتراكي اليمني يدعو إلى "الاعتراف بالأخطاء". سالم صالح محمد ل"الحياة": لست من أهل الصفقات وأؤيد أي مبادرة بعيدة عن الرهانات المدمرة
أكد سالم صالح محمد، عضو مجلس الرئاسة اليمني السابق عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني، والذي عاد أخيراً إلى بلاده بعد غياب في الخارج منذ الحرب الانفصالية عام 1994، ان عودته لم تكن في إطار "صفقة سياسية"، وقال في حديث مطول إلى "الحياة" "لست من أهل الصفقات ولعل ترحيب أخي الرئيس علي عبدالله صالح بعودتي يكفيني، خصوصاً أن كثيراً من الأمور في الوطن تحقق وتحسن على رغم الدمار الذي تخلفه الحروب عادة". وزاد انه يتطلع إلى القيام بدور سياسي ووطني على قاعدة الاستفادة من دروس الماضي. وأعلن أنه "مع أي مبادرات ذات مسؤولية وطنية شرط أن تكون بعيدة عن أجواء الفتنة وخطابها وعن الرهانات المدمرة، وليست من باب المكايدة أو المعارضة السلبية". واستدرك: "علينا في ضوء ما يحدث محلياً ودولياً ألا نظل حبيسي الصيغ التقليدية أو الثأرية"، داعياً إلى التعاطي مع الوقائع "انطلاقاً من قاعدة الاعتراف بالأخطاء واتباع وسيلة الحوار" نهجاً وحيداً. وكشف سالم صالح محمد عن جهود يبذلها للتقريب بين الحكم والحزب الاشتراكي على أساس "الدور التاريخي للحزب كشريك في صنع الوحدة". واكد التزام القيادات الاشتراكية في الخارج بقرارات الحزب في الداخل، نافياً وجود تنظيمات ارهابية في اليمن "وفقاً للوصف المطروح". وشدد على ضرورة "تقليص دوائر التهديد والاخطار الداخلية والخارجية"، داعياً الى التحضير للانتخابات المقبلة "من موقع الائتلاف وليس الاختلاف". ونبه الى ان "التنوع والتعددية يشكلان عامل قوة للوحدة"، محذراً من ان "الاصرار على المركزية وفرض النموذج الواحد هو التهديد الحقيقي للوحدة". ووصف حرب 1994 بأنها "كارثة وطنية"، مطالباً ب"تقويم الأمور بصدق ومسؤولية". وهنا نص الحديث: هل يمكننا ان نعرف تفاصيل ظروف عودتكم الى اليمن بعد غياب كل هذه السنوات منذ حرب 1994. وهل يمكن الحديث عن صفقة سياسية بينكم وبين الرئيس علي عبدالله صالح في ضوء عودتكم المفاجئة بصحبته، وعلى متن طائرته الرئاسية من أبوظبي قبل ثلاثة اشهر؟ - مجدداً نؤكد ان ليست هناك صفقات، وحبنا للوطن وحقنا الطبيعي في العودة هما اساس القرار. اضافة الى ذلك، لا يمكن ان يوجد ترحيب أفضل من ترحيب الرئيس، هذا له معانيه بالنسبة الينا. تم اخيراً ترفيعكم من عضوية اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي الى عضوية مكتبه السياسي، ويدور نقاش داخل قياداته حول من يخلف الأمين العام علي صالح عباد مقبل الذي يعاني متاعب صحية، بل هناك من تحدث عن احتمال ترشيحكم لهذا المنصب. - سبق ان تحدثت في هذا الأمر، وأكرر انني لم أكن طامحاً ولا مزاحماً على المواقع القيادية، وتعودنا ان نحترم الهيئات وقراراتها. واليوم، في ظل الظروف التي يعيشها الحزب والوطن، الأمر المهم بالنسبة اليّ هو ضرورة المساهمة الفعلية في دور وطني يمكننا من اعادة صوغ الامور، بالاستفادة مما حصل باتجاه تحقيق خير حقيقي للناس وللوطن الذي هو بحاجة ماسة الى جهود الجميع، وليس مهماً أين نكون وفي أي موقع. ما رأيكم ومن ثم دوركم في المبادرة التي أطلقها الحزب في اجتماعات لجنته المركزية حول اعادة مسار الوحدة اليمنية، واغلاق ملف الحرب الانفصالية عام 1994، وتطبيع الحياة السياسية في البلد؟ بمعنى العودة بالأوضاع السياسية الى ما قبل الحرب والأزمة عام 1994. - سمعت عن المبادرة واطلعت على محتوياتها، وانا مع أي جهود أو مبادرات من أي طرف في السلطة أو خارجها، من شأنها تضميد جروح الوطن التي تعرض لها وسببتها كوارث الحروب والصراعات، وآخرها حرب 1994 التي اعتبرها كارثة وطنية ألمت بالوطن كله وما زالت نتائجها ماثلة ويئن منها الجميع. واليوم، ونظراً الى ما يجري من متغيرات اقليمية وعالمية تقع على عاتق الجميع سلطة واحزاباً مسؤولية وطنية كبيرة في اعادة تقويم الأمور بمسؤولية وبصدق، للخروج برؤى وطنية مشتركة بعيداً عن اجواء الفتنة وخطابها، وعن تلك المراهنات المدمرة. رؤى تساعد في ايجاد الحلول للمشكلات القائمة، ليس من باب المكايدة أو المعارضة السلبية، بل من موقع المساهمة الايجابية باعتبار ان الوطن للجميع، والجميع ملزم بالمشاركة، اذ اثبتت الاحداث والمتغيرات اننا في هذه الظروف بحاجة لبعضنا بعضا، والوطن اليوم بحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى الى جهود جميع ابنائه داخل الوطن وخارجه. من هذا المنطق أرى ان أي مبادرة يجب ان تصب في اتجاه المساهمة في تقديم الحلول، وتوفير الظروف السياسية الملائمة لاحداث تنمية اقتصادية وطنية شاملة تمس حياة الناس المعيشية، وترفع عن كاهلهم المعاناة وتؤمن للجميع حياة حرة وكريمة في الوطن. ما يجري محلياً وعالمياً يفرض علينا معاودة النظر في أمور كثيرة، أكان في خطابنا السياسي أو مفاهيمنا أو علاقاتنا ببعضنا بعضا أو برامجنا السياسية، والمهم هنا ألا نظل حبيسي الصيغ التقليدية أو العقلية الثأرية التي تعمق الفرقة وتغذي استمرار الصراعات. علينا ان نبحث عن صيغ واقعية تساعد في ايجاد القواسم المشتركة وتوفر الحلول الممكنة وتضع حداً للمشكلات التي يعاني منها الوطن والناجمة عن الصراعات الدورية. وواقع الحال يشير الى اننا اذا لم نستطع مساعدة انفسنا فلن نجد اليوم أو غداً من يساعدنا. علينا ان نسعى بمسؤولية عالية الى توحيد الصف الوطني، وتوحيد الرؤى لايجاد الحلول على قاعدة المشاركة لمساعدة بعضنا بعضا، وعلى قاعدة الاعتراف بأخطائنا واعترافنا ببعضنا بعضا، وان نبحث عن صيغ واقعية للائتلاف في اطار الاختلاف، ويكون الحوار وسيلتنا الوحيدة لايجاد القواسم المشتركة والحلول المناسبة لمشاكلنا. هل لكم دور في انفتاح الحكم على الحزب الاشتراكي، اذ ان الرئيس علي صالح التقى المكتب السياسي للحزب أخيراً، وهل تقومون بدور معين بالاتفاق مع الرئيس في سبيل عودة النازحين الموجودين في الخارج منذ الحرب، وماذا عن قائمة ال16؟ - منذ كلفت رئاسة لجنة التنظيم السياسي التي أدارت الحوار حول الوحدة، مروراً بمرحلة تحقيق الوحدة ونشوء الأزمة والحرب، حتى يومنا هذا، سعينا بمسؤولية وطنية عالية وعلى قاعدة الحوار المسؤول والصادق مع الأخ الرئيس علي عبدالله صالح والقيادات الأخرى، الى ايجاد القواسم المشتركة والحلول لكل الامور والقضايا التي انتصبت امامنا. من هنا يأتي الدور التاريخي للحزب الاشتراكي بصفته شريكاً حقيقياً وصانعاً اساسياً من صناع الوحدة يداً بيد مع الأخ الرئيس، وطيلة عملنا الوطني المشترك وجدنا فيه القائد المتفهم الذي قاد الاحداث الكبيرة ويحمل رؤى صادقة وأهدافاً وطنية عظيمة. إلا ان الذين أداروا ظهورهم للحوار واختاروا طريق الحروب اعاقوا تحقيق الاهداف الوطنية الكبيرة للوحدة، وتلك الجهود الوطنية المخلصة وأوصلوا الوضع الى ما نحن عليه. واليوم، بعد هذه التجربة المريرة التي مر بها الوطن، الشيء الطبيعي هو قيام الحكم بالانفتاح ليس على الحزب الاشتراكي فحسب بل على كل القوى والاحزاب السياسية في الساحة الوطنية، من موقع ادراك متطلبات المرحلة. ومن معرفتنا بالأخ الرئيس، لمسنا دائماً حرصه الشديد على معالجة الامور بمسؤولية عالية، ولهذا علينا ان نساعد بعضنا بعضا ونرحب بأي جهود من شأنها تضميد الجروح، وتجاوز آثار الصراعات والحروب والعمل بروح الحاضر والمستقبل. اما النازحون فهم في تقديري جزء من ضحايا الصراع الأخير، وأرى ان حل أمرهم وكذلك ضحايا الصراع للمراحل المختلفة يجب ان يأتي في اطار رؤية أو برنامج عمل وطني شامل، نستطيع من خلاله تسوية مشاكل جميع ضحايا الصراع في اليمن، والمستمر منذ منتصف القرن الماضي، وان يأتي هذا الأمر في اطار توجه وطني ورؤية استراتيجية شاملة، ايضاً لتسوية مشكلة الاغتراب والهجرة... لأن الوطن اليوم بحاجة الى جميع ابنائه، ويتسع للجميع، وإذا كانت الدول المانحة تساعد اليمن في تسوية مشكلة الألغام التي خلفتها الحروب، بمقدور هذه الدول وعدد من الدول الشقيقة والصديقة ان تساعده ايضاً في انهاء المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي خلفتها الحروب والصراعات الدورية. كنتم في السابق اشترطتم عودتكم الى الوطن بتوجهات حكومية ملموسة لجهة تجاوز الآثار والتبعات السلبية للحرب، وعودة النازحين الى أعمالهم ومراعاة مستحقاتهم وممتلكاتهم. هل تحققت لكم هذه الشروط، ومن ثم كانت عودتكم، أم ان هناك اسباباً اخرى؟ - تحققت وتحسنت أمور كثيرة، لكن حجم المشكلة أكبر مما نتصور، وكما هو معروف، الحروب لا تخلف سوى الدمار والدماء والضحايا والجروح والآلام والندوب، على الأرض أو في النفوس. الحروب لا تزرع الابتسامة، بل الدموع، وتخلف الخسائر المادية والبشرية المروعة، خصوصاً تلك الحروب الاهلية العاصفة، فحتى المنتصر فيها سرعان ما يتحمل ويواجه نتائجها لأنها تتحول مع الزمن الى كارثة وطنية يدفع الجميع ثمنها في صورة مباشرة أو غير مباشرة، لأن دائرة تأثيرها تتسع لتشمل الجميع. مثلاً، انخفاض القوة الشرائية للريال والتضخم الذي نشأ بعد الحرب ألم يطل كل بيت، وتصبح بسببه الطبقة الوسطى في مستوى خط الفقر، لترتفع نسبة الفقر في اليمن لأكثر من 35 في المئة؟ وتلك البلايين التي انفقت لبناء ما دمر أو ماتم نهبه ألم تؤثر سلباً في مستوى الناس المعيشي والتعليمي والصحي، وتؤخر مشاريع تنموية عدة؟ هذا يعني ان تبعات الحرب لا تقتصر على النازحين، بل ان صور المعاناة في الداخل أشد وطأة واكثر ايلاماً. من هنا يصبح لزاماً علينا ان نفكر بمسؤولية وطنية عالية في مجمل المسألة وليس في مفرداتها، ومن هنا كانت عودتي خالية من الشروط، ونأمل بأن نساهم من خلالها في الكثير من الامور التي تؤدي الى خير الناس وتقدم الوطن. وما الدور المتوقع لكم في الحياة السياسية مستقبلاً؟ - سأساهم بدوري المتواضع من أي موقع، وهذا الدور محوره الأساسي خير الناس والوطن، وعلى قاعدة الاستفادة القصوى من الدروس التي عشناها منذ التحاقنا بالعمل الوطني. تأهيل أم قيادة جماعية؟ ألا تعتقدون بأن الحزب الاشتراكي في حاجة الى اعادة تأهيل لخوض الحياة السياسية في هذه المرحلة، من الناحيتين التنظيمية والمنهجية، وهل سيبقى منصب الامين العام شاغراً أم ان هناك توجهاً الى قيادة جماعية تسد هذه الثغرة؟ - ليس الحزب الاشتراكي وحده في حاجة الى تأهيل، فإذا نظرنا الى ما أفرزته الحروب والصراعات الداخلية، وما يجري من حولنا اقليمياً وعالمياً، ندرك اننا معنيون جميعنا بمعاودة النظر في أمور كثيرة. فهناك تبدلات كبيرة على أرض الواقع: البنى التنظيمية تعرضت للتفكك والانهيار، والرؤى والمفاهيم الفكرية تبدلت وتغيرت، والعلاقات والروابط تتشكل على قاعدة المصالح المادية. ونتيجة ذلك نجد ان الخريطة الحزبية تعرضت للانكماش في مقابل توسع الخريطة الاجتماعية، وبروز ظواهر واشكال الحماية لما قبل الدولة في مقابل انحسار سلطة الدولة وانتشارها. وهناك انتشار وحضور نسبي للدولة في مناطق لم تصل اليها سابقاً، لهذا أرى ان على الجميع ان يعاود قراءة الوضع بعين اليوم والمستقبل، وان نستمد من الواقع صيغ الاختلاف أو الاتفاق الملائمة، تلك التي توفر لنا القواسم المشتركة لعملنا من أجل تسوية المشكلات القائمة. هناك مخاوف لدى بعض قيادات الحزب الاشتراكي في اطار عودتكم من أن تكون هناك صفقة سياسية بينكم وبين الرئيس على حساب الحزب ومواقفه وتوجهاته التى عكستها مبادرته الأخيرة، والدليل تزامن ترفيعكم الى المكتب السياسي مع تشدد اللجنة المركزية في مواقف الحزب واعلانها كمبادرة جديدة - ما قراءتكم لكل هذه المعطيات؟ كما أسلفت هناك تغيرات عدة تفرض علينا كأحزاب وكسلطة معاودة النظر في أمور كثيرة، على صعيد علاقاتنا الحزبية الداخلية أو علاقاتنا مع الاحزاب الأخرى، وكذلك الحال مع السلطة. بمعنى ان نستمد من الواقع والمستجدات الصيغ المناسبة لخريطة علاقاتنا، وصيغ التعايش والائتلاف الوطني التي تمكّن الجميع من المساهمة في الدور الوطني، بعيداً عن صيغ المماحكة والتهميش والغاء الآخر. وهذا كله سيساعد في اثراء مشروع الديموقراطية الناشئة، ويطور الاشكال الواقعية للمشاركة الوطنية في الحكم، بما ينسجم مع الخصائص الاجتماعية والثقافية والجغرافية المتعددة التي يتميز بها اليمن. ومن خلال ذلك يمكننا النظر الى الانتخابات المقبلة والتهيئة لها من موقع الائتلاف وليس الاختلاف، لأن اليمن لا يتحمل الكثير من أوجه الصراع تحت أي مسمى. ماذا عن مستقبل التحالف الحالي بين الحزب الاشتراكي والتجمع اليمني للاصلاح، ونتائجه واهميته، في ضوء التنسيق بين ما يعرف بأحزاب التنسيق؟ - مبدئياً، نرحب بأي صيغ للائتلاف الوطني من شأنها توحيد الجهود الوطنية لمواجهة وتسوية المشكلات التي يواجهها الوطن، على قاعدة الاعتراف المتبادل ببعضنا بعضا، ومن خلال تقويم الاخطاء والسياسات أو المفاهيم التي اثبتت الايام عدم صحتها. دور قيادات الخارج وماذا عن حقيقة الدور الذي تلعبه القيادات الاشتراكية الموجودة في الخارج منذ حرب 1994، لجهة التأثير في دور الحزب ومواقفه وتوجهاته على الصعيد الداخلي؟ - كانت وما زالت مجمعة على الالتزام بقرارات الهيئات الحزبية في الداخل، لذلك ظل دور القيادات في الخارج مستجيباً دائماً ما يصدر عن الهيئات العليا في الداخل، ولم يكن هناك دور مغاير، لأن حال الشتات ووجود هذه القيادات في مناطق متباعدة لا يساعدانها في القيام بأي دور غير دور الداعم والمبارك لاجراءات الحزب الداخلية. ولعل قرار المؤتمر ضم قيادات الحزب الى هيئاته المركزية ساعد في حل اشكال التواصل، وشرعية الارتباط بصورة أفضل. تتحدث أوساط حزبية معارضة وحكومية عن دور أساسي لكم في اقناع عدد من الشخصيات والقيادات بالعودة الى الوطن، وتشير الى ان الرئيس أوكل اليكم هذه المهمة ومنحكم ضمانات وصلاحيات لتولي هذا الدور. الى أي مدى تتجه مثل هذه الخطوة وماذا حققتم حيالها؟ - في أول لقاء لي مع الأخ الرئيس بعد عودتي، تم طرح موضوع اخواني الموجودين في الخارج، من زاوية الالتزام الأدبي والاخلاقي تجاههم أولاً، ومن واقع الحرص على اغلاق صفحة الماضي، في اطار الرؤية التي تعتبر ان الوطن بحاجة الى جهود جميع ابنائه في الداخل والخارج، وان الموقع الطبيعي لوجودهم هو الوطن، وان يعيشوا معززين مكرمين فيه. وجدت تفهماً كبيراً لدى الاخ الرئيس، في اطار الحرص المشترك والرغبة المشتركة في حل أمور عدة في هذا الاتجاه، وأود ان أشير الى انني لم أكلف دور الوسيط في اقناع أحد، اذ ان الامر منذ اجتماع دمشق عام 1994 متروك للتقدير الشخصي لظروف كل منهم والوقت المناسب للعودة، ولا شك في ان هناك بعض الأمور التفصيلية تعيق أو تحول موقتاً دون عودة هذا أو ذاك، ولكن مع الوقت وبالصبر يمكن حل الامور، وعلينا ان نقر بأن ما حصل في 1994 كان كارثة بكل معنى الكلمة، ومع ذلك، هناك من سبق وان عاد، كما ان مئات من الكوادر المدنية والعسكرية ستصل الى البلاد خلال الأيام المقبلة. "التهديد الحقيقي للوحدة" أين تضعون الحزب الاشتراكي ومن ثم أحزاب المعارضة عموماً على الخريطة السياسية؟ هناك مخاوف لدى الأوساط الحكومية وعلى صعيد الحزب الحاكم من ان الحزب الاشتراكي ما زال يقدم نفسه ممثلاً للجنوب، وان خطابه وحتى مبادرته الأخيرة يكرسان هذا المفهوم الذي تعتقد تلك الاوساط بأنه يمثل تهديداً خطيراً للوحدة الوطنية، ويقف عقبة امام أي حوار ناجح بين الحزب والحكم. - الأحداث الداخلية والخارجية احدثت تبدلات عدة على صعيد الخريطة السياسية اليمنية، وافرزت واقعاً جديداً وأوضاعاً اقتصادية واجتماعية صعبة تزيد هموم الناس واعباء المعيشة، الأمر الذي يدفعنا الى معاودة النظر في أمور كثيرة تجعلنا جميعاً أحزاباً وسلطة في موقع المسؤولية الوطنية المشتركة لايجاد الحلول الملائمة لهذه المشكلات. من هنا، خطابنا السياسي يجب ان يخدم هذا التوجه، كما ان برامجنا معنية بحمل رؤى تساعد في ايجاد الحلول لمشكلات الواقع وليس في تعميقها بحيث يكون محور اهتمامها الانسان اليمني وتحسين مستواه المعيشي في الداخل والخارج. علينا ايضاً ان نعطي هامشاً حقيقياً للخريطة الاجتماعية، من خلال الاهتمام بطبيعة التنوع الجغرافي والثقافي والاجتماعي القائم وخصوصياته المتنوعة. فالتنوع والتعددية يشكلان عامل قوة للوحدة، اما الإصرار على المركزية وفرض النموذج الواحد وتعميمه فهو التهديد الحقيقي للوحدة. كما علينا ان نمنح حيزاً حقيقياً لتلك التعبيرات الاجتماعية والسياسية، ولا نضيق منها، خصوصاً تلك التي ينحصر نشاطها في دوائرها الجغرافية، من خلال اطلاق روح المبادرة والتنافس في ادارة شؤونها الذاتية، الأمر الذي يخفف كثيراً عن المركز ويساعد في تطوير الادارة الذاتية ويقلص دوائر الفساد، وبالتالي يشعر الجميع بأنهم مشاركون في صنع حياتهم. وعندما ننظر الى الوطن والناس بعين واحدة وبمسؤولية ستتعمق الوحدة على الأرض وفي النفوس. حصلت تبدلات حقيقية، ولم تعد الأمور كما كانت في الماضي، تحديداً منذ 11 ايلول سبتمبر العام الماضي. قلتم في غير مناسبة انكم ستعملون لمساندة اليمن في مواجهة تحديات المتغيرات التي أحدثتها هجمات 11 ايلول ومكافحة الارهاب والنأي باليمن عن أي تهديد أو اخطار اقليمية أو دولية. كيف توضح ذلك؟ - قبل سنوات كتبت في صحيفة "الحياة" عدداً من المواضيع التي تتحدث عن ظاهرة الارهاب والتطرف، وبيّنا خطورتهما كما اكدنا ضرورة سد المنابع التي تؤدي الى التطرف والارهاب، اذ تتحمل الدول ذاتها مسؤولية مكافحة هذه المنابع لأنها من صنع سياساتها. فلا بد من مكافحة الفقر، وتحقيق العدالة، وانهاء اللجوء الى العنف، والعمل لتنمية الموارد الاقتصادية للبلدان الفقيرة ومساعدتها في تسوية مشكلاتها الاقتصادية، وتحسين مستوى الناس المعيشي والثقافي، ومراعاة حقوق الشعوب وعدم الكيل بمكيالين، خصوصاً في القضية الفلسطينية وبلدان الشرق الأوسط. واعتقد ان اليمن في ظل ظروفه الحالية ليس في وضع يسمح له بتحمل اي معاناة جديدة، اذ لم يتعاف بعد من آثار حرب الخليج وحرب 1994، واذا تعرض لمأساة جديدة أو لضربة عسكرية لا قدر الله، فذلك معناه كارثة لا يمكن المرء ان يتخيل عواقبها التدميرية، البيئية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، في حين نعلم انه لا توجد في اليمن تنظيمات ارهابية وفقاً للوصف المطروح، وإن وجدت مجاميع أو عناصر، فحسب علمنا اعيد تأهيل العديد منها واتيحت لها فرص الاندماج في اطار المؤسسات، وهذا أمر يجب تشجيعه. فهؤلاء هم في نهاية المطاف من ابناء اليمن، وهو بحاجة الى جهودهم وقدراتهم وامكاناتهم، ويجب ان تتاح لهم فرص التعبير عن ذواتهم وتسخير قدراتهم وامكاناتهم لخدمة الوطن في المجالات المختلفة. تقع علينا مسؤولية وطنية جماعية في اتجاه تقليص دوائر التهديد والاخطار الداخلية والخارجية، ودعونا وما زلنا ندعو الى وحدة الصف الوطني واصلاح ذات البين لدرء هذه التهديدات والاخطار، وهي حقيقية. وبالنظر الى ما تقوم به اسرائيل ضد اخواننا الفلسطينيين واللبنانيين بدعم من الادارة الاميركية الحالية، هذه الاخطار ستواجهها الأوطان العربية والاسلامية ومنها اليمن، وهو ما ينبغي ليس تجنبه بل اغلاق كل المنافذ والأبواب التي يمكن من خلالها المرور أو النفاذ الى الوضع الداخلي. الديموقراطية والتغيير أين يكمن في رأيكم دور الاحزاب في ترسيخ التجربة الديموقراطية في البلد، وهل استطاعت الاحزاب ان تمارس الاصلاح السياسي من داخلها وتقيم تجربة 12 سنة على التعددية الحزبية منذ قيام الوحدة؟ - الحركة في اطار الاحزاب هي انعكاس للحركة السياسية عموماً، وواقع اليوم يفرض على الاحزاب السياسية معاودة النظر في صوغ أمور عدة بما في ذلك الرؤى والبرامج والتحالفات... تلك التي تستمد من الواقع وتنسجم مع متغيراته ومتطلباته. فكما هو معروف جميع الاحزاب والتنظيمات مثلت نشأتها وتكوينها، ورؤاها الفكرية امتداداً لحركات وتنظيمات عربية وعالمية، ولعل لذلك ما يبرره حينها، واليوم وبعد 12 سنة اتصور الوضع مختلفاً بعض الشيء. فهناك متغيرات داخلية وخارجية تستوجب التغيير وفقاً لمتطلبات واقعنا وظروفنا، ومن المهم ان ننظر الى الديموقراطية بواقعية اكثر ولا نتعامل معها كشعار. فهذا المفهوم يعبر عن تلك المنظومة من العلاقات التي تعكس مستوى متقدماً من تطور الانتاج المادي للمجتمع، وهو الأمر الذي لم نبلغه بعد. لذلك علينا ان نتوجه في اطار الممارسة الى تلك الصيغ التي من خلالها نستطيع تحقيق شيء ملموس في حياة الناس، تحديداً ما يتعلق بالحقوق والواجبات. واهمها حق العمل وحق التعليم وحق الطبابة وحق التعبير وحقوق المشاركة السياسية، وايضاً تحقيق تلك الواجبات التي تحددها التشريعات في سبيل مساهمة المجتمع بفاعلية في التطور الاجتماعي. فعندما يحصل الانسان على حقوقه الكاملة ويؤدي واجباته، يمكننا ان نتحدث بإيجابية عالية عن الديموقراطية على صعيد الواقع. وهل تعتقد بأن اليمن مهيأ للاستقرار وتجاوز الأزمات والصراعات التي شهدها في الماضي، وهل تعتبر الحرب بعد أزمة 1994 آخر دورات الصراع السياسي في البلد، ولماذا؟ - بتحقيقنا وحد الوطن في 22 ايار مايو 1990 كنا نتطلع بإخلاص الى اننا من خلالها نكون وضعنا حداً نهائياً لكل أنواع الصراع السياسية والاجتماعية والقبلية، وانهينا مسبباتها في عموم اليمن، بالتالي تهيئة الظروف الملائمة والأسس السياسية والقانونية لاحداث نهضة تنموية سياسية واجتماعية وثقافية شاملة. وكواحد من الذين تملكتهم مثل هذه الاحلام وما زالت، اشعر بأن ما جرى أصاب مشروعنا الوطني النبيل، على رغم الجهود الكبيرة المبذولة من الرئيس والحكومات المتعاقبة. علينا ان نعترف بأن كارثة 1994 غرست شجرة صراع دموية جديدة وعمقت اسس الصراعات القديمة، لذلك فإن مهمة وضع حد لدورات الصراع السياسي في اليمن، ومعالجة آثار الصراعات بكل أنواعها هي مهمة وطنية كبيرة ومعقدة ينبغي ان تكون في أولويات برامجنا كسلطة وأحزاب. وان نسعى معاً لتوحيد الجهود الوطنية وضمان مشاركة الجميع لحلها على قاعدة الحوار والصبر، والاعتراف ببعضنا بعضا، وان الوطن وطن الجميع وما يصيبه يصيب الجميع وما يفيده يفيدهم. ولعل ما أشرنا اليه يتضمن العديد من العناوين الواضحة لتوجهنا نحو توحيد الجهود الوطنية في سبيل بناء وطن مستقر ومزدهر، خالٍ من الصراعات والحروب المدمرة، والتي لا يمكن تكرارها في ظل الاستقرار الداخلي، وايضاً استقرار العلاقات مع الاشقاء في دول الجوار، وكل الخطوات النشطة في المجال الخارجي، خصوصاً بعد أحداث 11 ايلول.