سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
وزيرالثقافة السابق والأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني جار الله عمر ل "الحياة" : . الحزب ليس مسؤولاً عن اعلان الحرب والبلاد تحتاج الى تطبيع الأوضاع والتنمية والاستقرار
نفى الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني جار الله عمر مسؤولية الحزب عن اعلان الحرب. وتطرق جار الله عمر في حواره مع "الحياة" الى الانتخابات البلدية المقبلة وتوقع ان تتم بسرعة وتسلق سلقاً وسينتج منها مجالس شكلية. ووصف حال اليمن بأنها الأسوأ، بحسب تقارير الجامعة العربية، فالبطالة وصلت الى 40 في المئة، والأمية الى 70 في المئة، وانخفض دخل الفرد الى 250 دولاراً في وقت تراجع التعليم والرعاية الصحية وتقلص الاستثمار. وهنا نص الحوار. كنت جزءاً من السلطة، والآن أنت خارجها ومعارض لها. كيف رست العلاقة بينك وبينها بعد سنوات طويلة على الحرب؟ - لا أستطيع أن أصف العلاقة مع السلطة بأنها جيدة أو عادية، فهي متوترة باستمرار. وهذا ليس خيارنا نحن، بل خيار الطرف الآخر. لدى السلطة شعور بأنها انتصرت، وانها انتزعت الحكم بالقوة، ولديها من المال والسلاح والاعلام ما يكفي للاحتفاظ به والبقاء فيه، ولا تحتاج الى آخرين أو شركاء أو مواطنين، هي تحتاج الى رعايا ونحن لسنا كذلك. ولعلك تلاحظ في الاعلام اليمني، ان السلطة حريصة على استغلال مناسبات اسبوعية، وأحياناً يومية، للهجوم على الحزب الاشتراكي. ولهذا الأمر أسباب عميقة، أبرزها فشلها في انجاز المهمات التي وعدت بالقيام بها، وصعوبة الأوضاع وترديها، وحاجتها الى إعادة صناعة العدو، ومحاولة توحيد التحالفات التي كانت إبان الحرب 1994، وكل ذلك بهدف إلهاء الناس عن حاضرهم المؤلم والمتردي. أنا شخصياً، لا أرى مبرراً لاستمرار هذه الحملات، وأعتقد أن هناك جهوداً تبذل في معركة لا مبرر لها، والحزب الاشتراكي اليمني كان حريصاً على توجيه نداءات متكررة إلى الإخوة في المؤتمر الشعبي العام وفي السلطة، للعودة الى الحوار والتفاهم، والعمل المشترك في سبيل خدمة الوطن. نحن لا ننازعهم السلطة ونعترف بأنهم سلطة حقيقية وواقعية وقائمة بالفعل، وليس لدينا أي مطمح سوى تطبيع الأوضاع في البلاد، وإعادة مقرات الحزب الاشتراكي اليمني وممتلكاته وأمواله التي ما زالت محتجزة حتى الآن، والخروج من مرحلة الحرب الباردة التي امتدت في اليمن الى الآن، بينما انتهت في كل أنحاء العالم. ألا يتحمل الحزب الاشتراكي جزءاً من المسؤولية عن حال التوتر القائمة؟ هو مسؤول عن اعلان حال الحرب، وقد وجدت فيه بعدها قيادات وبؤر جغرافية في حضرموت وأبين ترفض المصالحة؟ - لا... الحزب ليس مسؤولاً عن إعلان الحرب على الاطلاق. الحرب أعلنها في 27 نيسان ابريل 1994 الأخ رئيس الجمهورية في خطاب علني في ميدان السبعين، والحزب الاشتراكي اليمني لم يكن جاهزاً لها ولم يكن راغباً فيها. لذلك كان هو الذي هزم، أما ما أعقب الحرب، فكان القرار برمته في يد الطرف الذي انتصر. كنا وما زلنا ندعو الى المصالحة وتطبيع الأوضاع في البلاد والتركيز على ما تحتاج اليه البلاد، وهو التنمية والاستقرار وحل المعضلات والآثار الفظيعة التي ترتبت على الحرب. فنحن من هذه الناحية لسنا مسؤولين على الاطلاق. القرار هو في يد الطرف القوي، وفي ما يتعلق بالعلاقات بين الحزب الاشتراكي وحزب المؤتمر هو في يد الرئيس شخصياً. نحن لم نكن اطلاقاً، سبباً في هذا التوتر. صحيح ان آراء وأفكاراً متشددة تنشأ أحياناً داخل الحزب، لكنها تأتي كرد فعل. ثم ان في الحزب الاشتراكي اليمني أفكاراً متباينة، وكتلاً وأجنحة عدة، وأضحت الآن شرعية في داخله. هم يعرفون ذلك، ولكن في النهاية: الاتجاه الرئيسي في الحزب والذي أقر في المؤتمرات وفي دورات اللجنة المركزية، هو العودة الى التفاهم والحوار وما هو مشترك. ولكن لا يمكن العودة الى الحوار قبل تصفية موضوع الحرب، ومن المتسبب بها، وما رافقها من إعلان للانفصال، وأنت الآن في جوابك تنكر هذه المسؤولية، ولا تقبل ان تتحمل جزءاً منها، هل يمكن حل المشكلة من دون بحث صريح في هذه القضايا؟ - أحياناً نشغل أنفسنا طويلاً بقضايا التاريخ. وإذا رأيت جهة ما تنشغل أكثر من اللازم في قضايا التاريخ فمعنى هذا انها تود الهرب من البحث في مسائل الحاضر والتفكير في المستقبل. ولكن دعنا نتكلم على الماضي. الحزب الاشتراكي اليمني دان الحرب والانفصال. والانفصال جاء بعد الحرب بنحو 25 يوماً. نأمل من الأخوة في "المؤتمر الشعبي العام" أن يفعلوا الشيء نفسه، لكن لديهم تناقضاً كبيراً: أحياناً يقولون ان الحرب مقدسة، وأحياناً إن الحزب الاشتراكي هو الذي بدأ بها. وحين يقولون انها مقدسة يعترفون بأنهم بدأوا بها. نحن ليس لدينا حرب أهلية مقدسة، نحن ضد كل الحروب الأهلية التي وقعت، ونود أن نجعل هذا الماضي وراءنا، ونكتفي بذلك، ونترك للمؤرخين الفصل في المسألة. وما نحن معنيون به الآن هو التفكير بمستقبل البلاد، قبل أن تغرق السفينة ونحن نناقش كيف أقلعت، فيما المهم كيف ننجو؟ وكيف تصل سفينتنا الى الشاطئ؟ وكيف نخرج اليمن من الحاضر الكئيب الذي يعترف الجميع به. لكن الحزب، من هذا التحليل، لا يزال يحتفظ في داخله بتيارات قوية، يدعو بعضها الى ما يسمى "المسألة الجنوبية"، والى فصل هذه الوحدة، وبعضها الآخر الى اصلاح مسار الوحدة بمنطق اعادة النظر في طريقة نشأتها، وترجمتم ذلك بإعادة جميع الذين كانوا مسؤولين عن قرار الانفصال الى قيادة الحزب، كيف تفسر هذا؟ - هذا السؤال متعدد، ودعني أرد عليه فقرة فقرة. أولاً: ليس هناك طرف في الحزب الاشتراكي يدعو الى اعادة اليمن الى ما كانه قبل الدولة الموحدة. ليس هناك من يدعو الى دولة مستقلة في الجنوب. لكن هناك بيانات علنية؟ - كل البيانات التي رأيتها تتحدث عن تصحيح مسار الوحدة اليمنية، وتصحيح المسار يعني، كما أفهمه أنا، ازالة الآثار التي ترتبت على الحرب وإعادة روح الوحدة اليمنية التي تضررت من جرائها، والعودة الى المساواة، ورفع الظلم الذي تعانيه المحافظات الجنوبية، وعودة الناس المشردين في الخارج وهم بالآلاف وهم قادة ومناضلون ومؤسسون للدولة اليمنية الجديدة، وهذا وضع ليس له مثيل في أي مكان في العالم. وأريد أن أشير الى أن مؤتمرات الحزب الاشتراكي اليمني التي اعترفت بها كل تياراته، قالت إن اليمن وطن نهائي بالنسبة الى اليمنيين جميعاً، وان لا سبيل الى اعادة المناقشة في وضعه وجغرافيته. أي ان مستقبل اليمن ووحدته غير مطروحين للمناقشة. صحيح ان في الحزب الاشتراكي تيارات، ونحن نعترف بها، وقد أقر مؤتمره الأخير شرعيتها وحقها في أن تشكل جماعات داخله، ومن حق هذه الجماعات أن تمارس الضغوط السياسية والاعلامية كافة، العلنية وغير العلنية، للتأثير في القرار السياسي الذي يتخذه الحزب. وأعتقد، بعد التاريخ الماضي للحزب الاشتراكي وصراعاته الداخلية، أن هذا هو المخرج المعاصر والديموقراطي الصحيح. بالنسبة الى إعادة الاخوة الذين أشرت اليهم الى اللجنة المركزية للحزب، وفي مقدمهم علي سالم البيض وحيدر أبو بكر العطاس وصالح عبيد وهيثم قاسم، الذين حكموا بالاعدام. نعم... لقد أعادهم المؤتمر الى قوام اللجنة المركزية، ومن دون حضورهم لأسباب منها: ان هذا المؤتمر كان سيد نفسه، وهو الذي قرر، ومن دون أي ضغط، والذين كانوا في الخارج لم تكن لديهم قوة حتى يفرضوا شيئاً عليه. وهذا كان عملاً ديموقراطياً حقيقياً. وقد حصل من هم في الخارج على أصوات أكثر من الذين في الداخل. وأعتقد أن المؤتمر، بهذا التصويت، كان يريد أن يوجه رسالة واضحة مفادها انه هو الذي يقرر أولاً، وانه يريد أن يظهر تعاطفه مع الذين في المنافي، وأن يقول انه لا يوافق على التحليل الرسمي للأزمة التي شهدها اليمن، وانه لا يعترف بالأحكام التي صدرت على هؤلاء، لأنها أحكام سياسية. واليمن الموحد مدين لهؤلاء، فلو لم يتخلوا هم عن السلطة، ويأتوا الى صنعاء، ويوقعوا اتفاق الوحدة، لما كان اليمن توحد. وكان من قبيل العقل والمنطق بالنسبة الى السلطة استجابة هذه الرسالة، أو قراءتها على الأقل بطريقة طبيعية. لكنها، وبكبرياء المنتصر، لم تكلف نفسها عناء التفكير في هذا الأمر. وأعتقد أن المؤتمر حين أعاد الغائبين الى اللجنة المركزية إنما فعل الشيء الصحيح والعقلاني والديموقراطي، وسيثبت في المستقبل ان خطوته هذه هي لمصلحة اليمن، وتخدم وحدته تماماً، لأن الحزب الاشتراكي حزب موحد، في اليمن كله، ومن مصلحة اليمن الموحد أن يعود الى حضنه أولئك الذين أسهموا في توحيده، ويجب أن يسهموا في اعادة بنائه مستقبلاً. ترفضون أن يعطى الحزب الاشتراكي هوية جنوبية، مستشهدين بعضويته في الشمال. لكن دلائل كثيرة في المسيرة السياسية تشير الى انه يمثل الجنوب، ويتبنى مواقف الدفاع عنه، وحتى في الانتخابات يفوز في الجنوب ولا يكون له الدور نفسه في الشمال. وهذا يطرح سؤالاً عن هوية الحزب الفعلية. ما رأيك في هذه المسألة؟ - سأتحدث عن الوقائع كما هي، وللقارئ ان يستنتج. من الناحية التاريخية، تكوّن الحزب الاشتراكي من فصائل عدة البعث، الجبهة القومية، حركة القوميين العرب، الحزب الديموقراطي، حزب العمل، منظمة المقاومين، الماركسيون، اليساريون، كانت أحزاباً موجودة في اليمن ككل، شمالاً وجنوباً. لكنه مارس الحكم في الجنوب والمعارضة في الشمال، وكان طبيعياً أن يظهر نشاطه ويقوى ويبرز في الجنوب أكثر، خصوصاً انه تحمل مسؤولية الدولة، وهو الذي طرد الانكليز من البلاد، وقدم تجربة، ولأن نشاطه هناك أوسع وأكثر تجذراً وعمقاً، نظراً الى دور عدن في العمل السياسي والحضاري الحديث بالنسبة الى اليمن. صحيح ان الناس صوتوا في الجنوب بنسبة أعلى للحزب الاشتراكي، وصحيح أنه يهتم أكثر بمشكلات المحافظات الجنوبية، لكنه أيضاً يهتم بالمشكلات في اليمن ككل. وتركيزه الآن أكثر على الأوضاع في المحافظات الجنوبية أسبابه معروفة، لأنه يشعر بمسؤولية خاصة حيالها، لأنه هو الذي أتى بها الى الوحدة، ولا يستطيع أحد أن ينكر عليه ذلك. ثم ان الناس الذين صوتوا أكثر يلقون علينا مسؤولية أكبر. أليس كذلك؟ طبعاً... برنامجنا هو برنامج لليمن ككل، وهذا هو الفيصل والمهم. لكن الحرب الأخيرة دارت رحاها في المحافظات الجنوبية التي تضررت اقتصادياً، وكانت غالبية الذين تشردوا وخسروا بيوتهم منها. إذاً نحن حين نركز على الاوضاع فيها، انما نفعل الشيء الصحيح. والسؤال هو: لماذا لا يهتم الآخرون بالأوضاع في الجنوب؟ لماذا لا تكون برامج الاحزاب الاخرى اكثر اهتماماً به حتى تلتئم الجراح، ونرمم ما خرب، ونصلح ما افسدته الحرب. هوية الحزب الاشتراكي اليمني هوية يمنية من دون شك، وأعتقد ان تركيزه على حل المعضلات في الجنوب في أسرع ما يمكن، والتصدي لآثار الحرب، واعادة القادة والسياسيين الذين في الشتات... كلها تجعل هويته اكثر عمقاً. ثمة شعور بأن دور القبلية ينمو أكثر من السابق في هوية الحزب. - أولاً... أنا أفرق بين القبلية والقبائل. في اليمن قبائل، وفيها مناطق غير قبلية، وهذا كله موجود داخل الحزب الاشتراكي. نحن لا نستبعد أحداً. من يقبل برنامجنا السياسي، أبواب الحزب مفتوحة أمامه. وفي الانتخابات الأخيرة تمثلت كل المحافظات في اللجنة المركزية، شمالاً وجنوباً. من الناحية السياسية لدى الحزب برنامج واضح تحديثي يريد أن ينقل اليمن الى العصر الراهن. ولكن من الناحية الواقعية نحن نعترف ان في اليمن قبائل، ولسنا معادين للقبائل، لكننا نعارض ان تصبغ الدولة بالقبلية. ففي وقت نتعامل مع العادات والتقاليد ونراعي الناس ومختلف المواطنين، قبائل وغير قبائل، نريد أن نتعاطى مع هذا الواقع من اجل تغييره. فأنا لا أشعر ان هناك نمواً للقبلية داخل الحزب الاشتراكي اليمني، ولكن ثمة حال تعترف بالواقع كما هو وتعمل لتغييره وتطويره. ثم ان ثلث اعضاء اللجنة المركزية كانوا من المناطق، والثلثين الآخرين انتخبهم المؤتمر العام، وتحكم بالأمر عامل الكفاية. القبيلة والحزب لو طرحنا المسألة في شكل مباشر وفج، وقلنا ان للقبائل في اليمن زعامات، وأن قبائل الجنوب تعتبر قيادات الحزب الاشتراكي زعاماتها، ماذا تقول في ذلك؟ - نعم... لا أستطيع ان اتصدى لهذا السؤال بالنفي، ويمكنني ان اعترف بذلك. الناس في الجنوب يعتبرون الحزب الاشتراكي قبيلتهم الكبرى التي تمثلهم. وهذه حال متطورة في رأيي. ما هو التحول الذي طرأ على موقفكم في قضية الانتخابات؟ - ما حدث في المؤتمر عودة الى الوضع الطبيعي. نحن حزب سياسي انتخابي مدني، ليس لديه اي وسيلة للوصول الى السلطة او التأثير في القرار السياسي سوى الانتخابات، والمشاركة في المجتمع المدني والعمل السلمي. ما حدث عام 1997 كان استثناءً. ومقاطعة الانتخابات كانت لها اسباب ذكرت في حينه، وقد عاد الحزب الآن الى الانخراط في العملية السياسية، وأقر المؤتمر هذا الموضوع، وسيشارك في أي انتخابات مقبلة - إلا اذا منعنا منها كما حصل في انتخابات الرئاسة - من دون ان يعني ذلك انها ستكون نزيهة ومثالية. سيشارك ويحتفظ بحقه في التصدي لكل المخالفات ولكل الاعمال غير النزيهة. والانتخابات البلدية المقبلة؟ - ستجرى في شباط فبراير المقبل، وهي مثل تعديل الدستور، ستتم في سرعة، وتسلق سلقاً، إذ لم تعدّ لها اللجنة العليا للانتخابات جيداً، ولم يُعَدْ تقسيم الدوائر كما تقتضي متطلباتها. هم يريدون اجراءها مع الاستئثار على الرسالة في وقت واحد، حتى يحشدوا لها العدد الأكبر من الناس، وينتهوا من استحقاق معين. وهي ستجرى في ظل اختلاف كبير على سجلات الناخبين، واستمرار عدم التكافؤ وسيطرة أجهزة السلطة على مجريات الأمور في المحافظات. وقد عدل الدستور ليتواءم مع القانون الذي صدر في شأن الانتخابات المحلية، والذي قضى بتعيين المحافظين ومديري النواحي، بمعنى ان الناخبين لن يكون من حقهم انتخاب من يحكمهم في هذه المحافظات. وسينتج من الانتخابات المحلية مجالس حكم محلي شكلية. هذه الاوضاع الاجتماعية الصعبة، هل هي مادة حوار بينكم وبين الاحزاب الاخرى، مثل حزب الاصلاح والاحزاب الدينية وغيرها؟ - طبعاً... هناك حوار مستمر في شأنها. والكل مجمع على ان الاوضاع سيئة. حتى الاعضاء في المؤتمر الشعبي العام والمسؤولون الحكوميون، عندما تجلس معهم على انفراد، يقرون بأن اوضاع اليمن اليوم أسوأ من اي مرحلة سبقت، لكن الفرق بيننا وبينهم أننا نقول ذلك علناً، وهم يقولونه بطريقة غير علنية. وأخشى ان نصل الى حافة الهاوية في أسرع مما كنا نتوقع. فالجميع يتحمل المسؤولية لأن لا احد يجرؤ على ان يمارس النقد ويعارض السلطة القائمة، وهو أمر مخيف. فمأساتنا مركبة، وقائمة ولكن لا أحد يعرفها، أو يعترف بها، أو يريد ان يعالجها. وعلى رغم سوء الاحوال هذا، هناك آلة اعلامية رسمية كبيرة ومؤثرة، تقوم بعملية تضليل واسع ودوري، للمواطنين وللخارج. اطلعت على خطاب العرش لملكة بريطانيا. انها تتحدث مباشرة عما فعلت الحكومة في كل مجال على حدة، وما الذي ينبغي ان تعمله. أما المسؤولون اليمنيون فيبدأون خطاباتهم بالحديث عن الاستعمار ومسؤوليته، وعن الحزب الاشتراكي ومسؤوليته، ويتكلمون على المؤامرات الخارجية، والنظام الملكي والاستعمار، مع ان عقوداً مضت على تلك العهود، كافية لنقل اليمن الى المريخ... ويعفون انفسهم من مسؤولية الحديث عما يحدث، وعما سيفعلون مستقبلاً، ولا يفسرون للناس لماذا تتدهور الأحوال بهذا الشكل. وفي وقت يشتمون الاتحاد الاشتراكي ويحملونه المسؤولية، يبحثون الآن عن دول ومساعدات ليرمموا ما بناه هذا الحزب: طريق عدن - حضر موت التي يزيد طولها على 600 كلم، والمدارس في الجنوب، او في الشمال ايام "الحمدي" وغيره. القروض والتنمية نسمع كثيراً في الأنباء عن قروض من مختلف البلدان ومن البنك الدولي تأتي الى اليمن من أجل التنمية، ما هو وضع التنمية فيه؟ - اليمن الآن هو المقترض الأول في منطقة الجزيرة والخليج من البنك الدولي، لكنه الأسوأ في توظيف هذه القروض لأنه يتم في مجالات غير تنموية ولا تتعلق بالبنية التحتية والاستثمار الإنتاجي، إنما بالتدريب وإعادة هيكلة الاقتصاد، ومعنى هذا أن اليمن يقترض ويقترض من دون أن يكون لذلك انعكاس على مجالات العمل والشؤون الحياتية للناس. التنمية في اليمن توقفت، كل المشاريع، من الطرق الى المدارس التي بنيت في نهاية السبعينات والثمانينات، سواء في الشمال أو في الجنوب، تواجه الآن صعوبة في صيانتها والحفاظ عليها، وحتى مشاريع البنك الدولي تنتهي. كل الأموال في اليمن توظف لمصلحة الحفاظ على السلطة، وهاجس الأمن هو الذي يلتهم كل شيء. زد على ذلك الفساد، فهو واسع الانتشار وشبه علني، ويكاد يكون منظماً ومشروعاً، ويتحدث الناس عنه بصيغة أن فلاناً شاطر، وأن فلاناً أشطر من ذاك وأذكى منه، أو أنه كان أسرع في الكسب. وفي بعض الأحيان نسمع كلاماً لا نصدقه، كلاماً على مسؤولين يفاوضون ويطلبون عمولة تصل الى 70 او 80 في المئة. هذا سمعته شخصياً ولا أصدقه، ولكنه موجود ولا نظير له، وكبار المسؤولين يستولون على أموال البلد وعلى الأراضي. هذا كله أدى الى سوء المعيشة، ووصلت البطالة الى 40 في المئة، وانخفض مستوى الدخل الفردي من 680 دولاراً عام 1994 الى 250 دولاراً الآن، على رغم زيادة إنتاج النفط في اليمن وزيادة الأسعار. العجز في الموازنة موجود. والتعليم والصحة تراجع الإشراف عليهما، واليمن الآن يعد الأسوأ في تقارير الجامعة العربية. فالأمية فيه تصل الى 70 في المئة، والمياه بدأت تشح، وبعد 8 سنوات ستكون صنعاء من دون ماء، أما تعز فتوقفت المياه فيها، ولا تصل اليها إلا مرة كل شهر، والأمراض منتشرة ولدينا 3 ملايين شخص تقريباً مصابون بفيروس الكبد B، و5،1 مليون يعانون سنوياً الملاريا. كان في الإمكان أن نستغني عن الصرف الكبير على الأمن، لنضع حداً للفساد ونواجه مشكلة الأمراض. الآن بعد مشكلات الخطف، توقفت السياحة تماماً، وأغلق الكثير من الفنادق أبوابه. هذا هو وضع اليمن، وصدقني إذا قلت لك إن الناس يأكلون من القمامة. ما ذكرته يتعلق ربما بالاستثمار، لكن القروض تأتي من الدول، وتكون مراقبة، فإلى أين تذهب؟ - الاستثمار تقلص. ومنذ ثلاث سنوات أو أربع لا يستقبل اليمن أكثر من 100 مليون دولار في هذا المجال. أما القروض فتكاد تكون مقتصرة على البنك الدولي الذي يريد تشجيع عملية الخصخصة. وهي تصرف، في غالبيتها، على إعادة الهيكلة والخبراء، وفهمت أخيراً أن البنك الدولي وجه إنذاراً بأنه سيتوقف عن تقديم القروض، إذا لم يتم تحسين الأداء ومراقبة الفساد. هل تجد هذه الأمور صدى لها في الإعلام؟ - أحد أسباب وقف الصحف ومضايقتها حديثها عن هذه الأمور. وهو شبه محظور. وقد أوقفت صحيفة "الشورى" طويلاً لنشرها معلومات عن طريقة التصرف بالسيارات الآتية من اليابان. أحياناً تتم مضايقة الصحف بالمصادرة، وأحياناً بالمحاكمة. لكن هناك أيضاً الرقابة الذاتية النابعة من التخويف الذي يؤدي الى امتناع الصحافيين عن قول أي شيء يضايق السلطة، حتى أن بعض صحف المعارضة لا يعارض الآن بالمقدار السابق نفسه. وماذا عن الإعلام الخارجي الذي يعمل في اليمن. فالسلطة لا سيطرة لها عليه؟ - على رغم أن الصحف العربية التي توزع في اليمن، وكذلك محطات التلفزيون العاملة فيه، تساند عموماً السياسة الرسمية، إلا أنها تتعرض للمصادرة أو للعرقلة بتأخير توزيعها أياماً، إذا كتبت أو اقتبست شيئاً عن المعارضة. وهناك شيء آخر مهم، هو أن ثمة مراسلين صحافيين يستدعون احياناً، ولو لم يكونوا راغبين في ذلك، لتسلم أخبار مصوغة مسبقاً، بعضها يمس المعارضة ومواقفها. هل يكون للتفاهم السعودي - اليمني الذي تم انعكاس على الوضع الاقتصادي؟ - يتطلع اليمنيون جميعاً الى علاقات جوار ممتازة مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، والى تعاون في المجالات كافة، ولا شك ان توقيع اتفاق الحدود يساعد البلدين على السير الطويل المدى لتحقيق الكثير من المصالح المشتركة، ولكن الحقيقة الصارمة هي ان الأجهزة الرسمية اليمنية غير مؤهلة للاستفادة القصوى من هذه العلاقات وهذه الانفراجة، وهي لا تدرك أن أي علاقات استراتيجية مع دول الخليج كافة تتطلب اصلاح البيت اليمني وترتيب أولويات وطنية وتحديد أهداف تختلف عما كان سائداً فيما مضى، وما يقال عن الشراكة يحتاج الى فهم مدلول الشراكة الذي نخشى ان يُستهلك ولا يُستفاد من مضمونه بالعمل المشترك وجعل المصلحة الوطنية هي الأعلى. لقد تحدثنا عن مفهوم الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، ولكن يبدو أحياناً اننا نحبذ استخدام كلمات جديدة لا نستطيع ترجمتها الى واقع حي. يضاف الى ذلك أمر مهم جداً هو ان العلاقات مع دول الجوار تتطلب مناخاً سياسياً يمنياً يسوده الوئام وتختفي فيه الحرب الباردة ضد المعارضة وأمناً وطيداً مستتباً واخراج هذه العلاقات من دائرة المناورات الى رحاب المصالح الأوسع. هل هناك شيء آخر تود قوله؟ - أريد ان اوجه مناشدة او نداء، الى النخبة المثقفة، الى النخبة السياسية في اليمن، ان نأتي جميعاً الى كلمة سواء، وننظر الى اوضاع بلدنا من دون مكابرة، ونعترف بحال التدهور التي تعانيها بلادنا، والا نحمل الآخرين مسؤولية ذلك، وأن نتحمل نحن المسؤولية، وأن نفتش عن حل لمشكلتنا، ونحاول إعادة اليمنيين جميعاً الى داخل بلادهم، ونجري مصالحة وطنية. وبدلاً من ان نساعد الصوماليين على المصالحة وهو امر طيب، فلماذا لا نساعد انفسنا على التصالح والتفاهم والتفكير في الاولويات المهمة، وهي التي تتعلق بحياة الناس ومستقبلهم. هذه هي القضية الاساسية، لأن الاعتراف بالحقيقة وبالواقع فضيلة. أود أن يكون همّ اليمنيين جميعاً المستقبل مع الاعتراف بأن لا مستقبل مشرقاً من دون حاضر يقود إليه، إذ من المحبط جداً أن تكون الأوضاع الراهنة لا تدع مجالاً للتفاؤل إلا في أوساط من يمتهنون العمل السياسي. الإحباطات كثيرة، إذ لا التزام في اليمن مثلاً بالدستور، مع أن اليمنيين ناضلوا من أجل حكم دستوري منذ الأربعينات، ولا اعتبار للكفاية إن لم تكن مسنودة بالرضا السياسي والانتماء القبلي أو للاسترضاء المناطقي. والنخبة اليمنية بدأت تبحث عن أوطان بديلة تعمل فيها. والطالب اليمني في الخارج لا يريد العودة لأن ظروفه حيث هو أفضل من تلك التي سيواجهها عند العودة، والبطالة إلى ارتفاع والفقر إلى ازدياد، والفوارق في الثروة تنمو في شكل مخيف، والفساد لم يعد للضرورة، وإنما لتكوين ثروات وشراء ممتلكات في الخارج. ومن يملك المال في اليمن لا يستثمره فيه، وإنما يهرّبه الى الخليج وغيره لانعدام الأمان. أضف الى ذلك القمع المتعدد الأشكال وكم الصحافة ومحاكمة الصحافيين وجلدهم، واعتبار الديموقراطية، بمؤسساتها وأطرافها الحزبيين، إضافات كمية لا لزوم لها تخدم كديكور من أجل الرد على منظمات حقوق الإنسان وللحصول على مساعدات من بعض الدول. الصورة قاتمة ومع هذا لا تتوقف الإشادة بها إعلامياً، لكن آثارها لا تخفى على العين، وتشاهدها على وجوه الناس. في اختصار، نحن مجتمع يسير من سيئ الى أسوأ، يسوده البؤس، ويزداد فيه البائسون، ولا بديل الا بتغيير السياسات وتفعيل الدستور والمؤسسات وإشراك الكفايات والخبرات في إدارة البلاد والكف عن احتكار قلة لكل شيء، في الاقتصاد والتجارة والسياسة والوظائف.