يشكو معارضون في تونس من ان التحضير للاستفتاء على تعديل الدستور للسماح للرئيس زين العابدين بن علي بالترشح لولاية رئاسية جديدة، يجري في ظل غياب "الرأي الآخر". لكن السلطات تنفي ذلك، وتشير الى ان صحفاً معارضة نشرت مداخلات لنواب انتقدوا مشروع تعديل الدستور خلال مناقشته في البرلمان. يعكف "التجمع الدستوري الديموقراطي" الحاكم على الاعداد للاستفتاء على تعديل الدستور المقرر في أواخر الشهر المقبل وسط صمت يطغى على الموقفين السياسي والاعلامي تجاه هذا الاستحقاق الذي سيبت سلفاً مصير الانتخابات الرئاسية المقررة للسنة 2004، بالنظر الى ان التعديل يفسح في المجال لترشيح الرئيس زين العابدين بن علي، الذي تنتهي ولاياته الدستورية الثلاث بعد عامين من الآن، للفوز بولايتين اضافيتين. ولاحظ الخبير الاعلامي عربي شويخة ان مصادرة صحيفة "الموقف" ومجلة "الطريق الجديد" المعارضتين جعلت الحديث عن الاستفتاء يجري في ظل غياب الرأي الآخر. واللافت ان تراجع الصوت الاعلامي للمعارضين أتى في أعقاب عقد من الصعوبات التي حملت صحف الرأي على الاحتجاب منذ مطلع التسعينات وفي مقدمها "لوفار" المنار و"المغرب العربي" اضافة الى "الرأي" التي كانت الصحيفة المستقلة الأولى في البلد، واضطرت الى التوقف عن الصدور في أواخر الثمانينات. لكن مصادر رسمية أشارت الى ان صحيفة "الوحدة" الاسبوعية ماضية بالصدور منذ أكثر من سنة. وقالت انها تنشر مداخلات نواب "حزب الوحدة الشعبية" في مجلس النواب. الا ان نواب الحزب شكوا لدى مناقشة مشروع التعديل في البرلمان الاسبوع الماضي من "التعتيم الاعلامي" على مواقف المعارضة في وسائل الاعلام الرسمية والتي قالوا انها "لا تعكس سوى وجهة نظر واحدة". جامعيون وخبراء وتوسعت الانتقادات الى جامعيين وشخصيات مستقلة اعتبرت ان السلطات "تغيّبها" من الحوار الدائر في شأن تعديل الدستور الذي قالت انه "يتصل بقضية مصيرية"، ورأت استاذة القانون الدستوري السيدة سناء بن عاشور وهي قيادية في جمعية النساء الديموقراطيات مستقلة ان الاذاعة والتلفزيون لم يوليا أهمية لآراء الخبراء والمتخصصين بالمسائل القانونية. واستدلت ب"التعتيم الكامل" على الندوة التي اقامتها الجمعية أخيراً وخصصتها لموضوع "المرأة والدستور". ولوحظ ان غالبية نواب المعارضة ركزوا خلال الجلسة التي خصصها مجلس النواب لمناقشة مشروع التعديل على توجيه انتقادات قاسية للاعلام بسبب أدائه الذي رأوا انه "لم يرق الى مستوى أهمية الحدث الذي يقبل عليه البلد". وذهب بعضهم الى حد التعبير عن الضيق الشديد من "سيطرة الصوت الواحد والرأي الواحد". الا ان رئيس اللجنة السياسية في المجلس المنتمي ل"الدستوري" التيجاني الحداد أكد ان مشروع التعديل أخذ نصيبه من الحوار في "أجواء ديموقراطية". واستدل بكون اجتماعات اللجنة استمرت ثلاثة اسابيع وسجلت 735 مداخلة من النواب اضافة الى تقديم اللجنة اكثر من اربعين اقتراحاً للحكومة. لكن زعيم الجناح البرلماني لحركة الاشتراكيين الديموقراطيين وسط النائب اسماعيل بولحية بدا غير مقتنع بكلام حداد، واعتبر ان "ما يعانيه الاعلام هو نتيجة لما تعانيه الاحزاب السياسية"، مشدداً على ان "انفراج الوضع السياسي يؤدي حكماً الى انفتاح في المجال الاعلامي". والأرجح ان بولحية ليس وحده المدافع عن هذا الرأي اذ بدت غالبية المعارضة في البرلمان غير مقتنعة بإسماع صوتها للحكومة ولزملائها في "الدستوري" بهذا الموقف. واعتبرت ان الجدل الذي دار تحت قبة البرلمان "ينبغي ان يصل الى الرأي العام". وفي هذا السياق لاحظ عدد كبير من النواب ان التلفزيون الرسمي لم ينقل مداخلاتهم، ورأى معارضون ان الصحف نفسها لم تعكس سوى النزر القليل من مواقفهم "على نحو شوهها أحياناً" واعطى صورة منقوصة عن الجدل الذي ما زال دائراً بين الحكم والمعارضة. يذكر ان ستة نواب فقط تحفظوا على مشروع التعديل لدى الاقتراع عليه وهم أعضاء "حركة التجديد" يسار الخمسة والنائب مختار الجلالي من "الاتحاد الديموقراطي الوحدوي" قومي والذي لم يساير نواب الحزب الستة الآخرين في المجلس. وعدا عن مواقف المعارضة البرلمانية التي عكستها الصحافة المحلية في شكل خفر، غابت مواقف التشكيلات السياسية والأهلية غير الموالية من الاعلام المحلي على رغم كونها تحظى بالتداول لدى قطاعات من النخبة وجمعيات المجتمع المدني. واستدل عضو الهيئة الادارية لرابطة حقوق الانسان الصحافي صلاح الدين الجورشي ب"الموقف المتكامل" الذي قال ان الرابطة اصدرته و"تضمن تحليلاً قانونياً للتعديلات المنوي ادخالها على الدستور من زاوية انعكاساتها على الحريات والحقوق الفردية والعامة". لكن الاعلام المحلي لم يشر الى الموقف بتاتاً بما في ذلك صحف القطاع الخاص. كذلك شكا مسؤولون في أحزاب "الوفاق الديموقراطي" تحالف رباعي من كون الصحف المحلية لم تنشر أخباراً عن المواقف التي اتخذتها من الاستفتاء. ويضم "الوفاق" ثلاثة أحزاب غير مرخص لها الى جانب "الحزب الديموقراطي التقدمي" مجاز. إلا ان حزبين شرعيين سبق ان أعلنا عزمهما على مقاطعة الاستفتاء المقرر اجراؤه في 26 الشهر المقبل من دون ان تنشر الخبر أي صحيفة محلية حتى الآن، والحزبان هما "التجديد" و"التقدمي". وفيما تتعالى الانتقادات من المعارضة، وضع "الدستوري" روزنامة لتعبئة اجهزته في العاصمة والمحافظات ل"شرح مضامين التعديل" وأرسل قيادييه الى المدن الرئيسية في حملة واسعة ترمي الى اقناع الرأي العام بإيجابيات الاستفتاء من دون انتظار انطلاق الحملة التي أعلن انها تبدأ في 12 الشهر المقبل.