} ظهرت أمس مبادرتان سياسيتان في تونس شكلتا خطوة جديدة في التباعد بين الحكم وأطياف المعارضة الدينية والمدنية في الداخل والخارج، لكنهما عكستا استمرار الخلافات بين معارضي "التجمع الدستوري الديموقراطي" الذي يقوده الرئيس زين العابدين بن علي. وأتت المبادرتان في صيغة بيانين سياسيين صدراً في الذكرى الخامسة والأربعين للاستقلال …1956 ووقع على الأول كل من رئيس "حركة النهضة" المحظورة الشيخ راشد الغنوشي المقيم في لندن منذ العام 1993 والرئيس السابق لحركة الاشتراكيين الديموقراطيين مرخص لها محمد مواعدة الذي اتهم السلطات بإبعاده من رئاسة الحزب الذي يسيطر على 13 مقعداً في البرلمان الحالي، فيما وقع على الثاني ثمانية وثمانون مثقفاً وكادراً من المعارضين المستقلين. حض بيان مشترك أصدره أمس زعيما "حركة النهضة" الشيخ راشد الغنوشي و"حركة الاشتراكيين الديموقراطيين" محمد مواعدة الذي حل محله نائبه السابق في رئاسة الحزب اسماعيل بولحية على اقامة "حوار شامل تشارك فيه جميع القوى الوطنية الفاعلة من أجل إعداد بديل ديموقراطي تعددي حقيقي. وشدد البيان الذي صدر لمناسبة الذكرى الخامسة والأربعين للاستقلال اليوم على "التمهيد لتنظيم انتخابات رئاسية واشتراعية تعددية في موعد أقصاه في العام 2004 يختار فيها شعبنا من يمثله بكامل الحرية". وحض على أن تمنح "الانتخابات الصدقية الشعبية لصندوق الاقتراع والتي لم يكتسبها منذ الاستقلال الى اليوم" وانتقد "تأبيد نظام الحزب الواحد والرئاسة الملكية". يذكر أن موعد الانتخابات الرئاسية والاشتراعية مقرر في السنة 2004، لكن البيان شدد على ضمان "اختيار الشعب ممثليه في حرية كاملة" في اشارة الى احتكار "الدستوري" الأكثرية في البرلمان منذ انطلاق التعددية في العام 1994. وحض الغنوشي ومواعدة على اعلان "عفو اشتراعي وإخلاء سبيل جميع السجناء السياسيين ووقف المحاكمات السياسية وعودة المغتربين"، وأكدا رفضهما "العنف والارهاب والانفراد والهيمنة سبيلاً للعمل السياسي"، ودعيا الى اعتماد "المنهج السياسي الديموقراطي للتعامل وقواعد النظام الجمهوري ودولة القانون والمؤسسات الديموقراطية واحترام الحريات العامة وحقوق الانسان وهوية مجتمعنا العربية الاسلامية". وانتقدا ما اعتبراه "إصراراً" من الرئيس بن علي على الترشيح لولاية رابعة تستمر خمسة أعوام وتعهدا "التصدي للفكرة في صورة علنية وحاسمة". ووجه رئيسا الحركتين "نداء ملحاً وعاجلاً" الى جميع القوى السياسية "من دون استثناء أو إقصاء لتوحيد الصفوف وتعبئة الجهود لبناء جبهة وطنية ديموقراطية أساسها الدفاع عن الحريات العامة وحقوق الانسان وهدفها إعادة السيادة للشعب عبر النضال السياسي والمقاومة الشعبية المدنية والسلمية لإرساء البديل الديموقراطي المنشود". وتعتبر هذه المبادرة الأولى في نوعها بين الغنوشي ومواعدة، خصوصاً أنهما اجتمعا في لندن العام 1997 بعد خروج الثاني من السجن لكنهما لم يوقعا على بيان مشترك. وكان مواعدة الخاضع لملاحقة قضائية في تونس، غادر البلد أواخر الشهر الماضي للمشاركة في برنامج تلفزيوني بثته قناة "الجزيرة" من الدوحة، وتوقف في طريق العودة في لندن حيث وقع البيان المشترك مع الغنوشي ثم عاد الى تونس قبيل العيد. بيان الثمانية والثمانين من جهة أخرى انتقد أمس ثمانية وثمانون سياسياً وأكاديمياً غالبيتهم من المستقلين "سيطرة الحزب الحاكم على جميع المنظمات الوطنية ... وتدمير السياسة وتحويل الدولة بوصفها أعلى مؤسسة عمومية الى قطاع خاص". ورأوا "ان النظام الجديد الذي أتى على أنقاض حكم الرئيس الحبيب بورقيبة في العام 1987 بدأ بالتحقيق الجزئي لطلبات الحركة الديموقراطية في مرحلة أولى ثم تناساها في مرحلة ثانية قبل أن يتنكر لها بوضوح اليوم". واعتبروا أن السلطات عادت اليوم الى "ممارسات كان الجميع يعتقد أنها ولّت فانعدمت الحرية وصارت قوات الأمن التي تكاثر عددها تسيطر تماماً على الساحة". ولوحظ ان من ضمن الموقعين على البيان رجل القانون محمد الشرفي الذي شغل منصب وزير التربية والعلوم في الولاية الثانية للرئيس بن علي بين عامي 1990 و1995 ونقيب المحامين الأسبق محمد شقرون الذي كان وزيراً في حكومة الاستقلال الأولى والزعيم الشيوعي العتيق سارج عدة والنائب المستقل السابق سالم رجب والأمين العام ل"المجلس الوطني للحريات" غير مرخص له المحامي عبدالرؤوف العيادي والناطقة باسم "المجلس" الناشرة سهام بن سدرين والامين العام لجمعية المحامين الشباب فوزي بن مراد ورئيسة "جمعية النساء الديموقراطيات" مرخص لها المحامية بشرى بلحاج حميدة وعضو المكتب التنفيذي ل"التجمع الاشتراكي" مرخص له منجي اللوز وعضو المكتب السياسي لحزب الوحدة الشعبية مرخص له عدنان بلحاج عمر والسياسي المعارض خميس الشماري مقيم في فرنسا ورئيس جمعية التونسيين في فرنسا كمال الجندوبي وعشرات الجامعيين والأطباء والكوادر والإعلاميين. وأشار الموقعون على البيان الى وجود "نخبة سياسية مدنية وعصرية في تونس" والى "دور بورقيبة ورفاقه في الفترة التأسيسية الأولى في توخي استراتيجية صائبة ووضع خيارات مكنت من تحقيق اصلاحات اجتماعية تقدمية انفردت بها تونس في العالم العربي". لكنهم حذروا من كونها "تستثمر اليوم لأهداف دعائية من الدولة". وانتقدوا ما اعتبروه "نظاماً منغلقاً يفضل التعيينات الفردية على الخيار الحر للمسؤولين ... ويفرض الحكم الفردي على مؤسسات الدولة ويعتمد القوة محل الاقناع والتشاور". ورأوا ان "تدني الممارسة السياسية أفضى الى تكريس الثلاثية المقيتة المتمثلة ب رجل - دولة - حزب" وعزوا هذه الظاهرة التي كانت "حالا استثنائية" على أيام بورقيبة الى "تكريسها بواسطة القانون". ولا يعرف رد فعل السلطات على المبادرتين اللتين لم تنشر فحواهما في وسائل الاعلام المحلية ولم تشر الى وجودهما أي صحيفة، لكن الرئيس بن علي سيلقي اليوم خطاباً لمناسبة ذكرى الاستقلال في اجتماع يعقد في قصر المعارض في الضاحية الشمالية للعاصمة بمشاركة منظمات "الدستوري" وكوادره ولم يرشح شيء عن احتمال تعرضه للمبادرتين.