انتقدت رابطة حقوق الانسان في تونس أمس المناخ الذي يجري في ظله الإعداد للاستفتاء على تعديل الدستور المتوقع في أواخر الربيع، فيما كثف أعضاء المكتب السياسي لحزب التجمع الدستوري الديموقراطي الذي يرأسه الرئيس زبن العابدين بن علي جولاتهم في المحافظات ل"شرح أبعاد التعديل" الذي قالوا انه "يشكل خطوة كبيرة في اتجاه تعزيز الديموقراطية وتكريس سيادة الشعب"، وحضوا على "التعبئة الشاملة" للمشاركة في الاستفتاء الذي لم يحدد موعده. واعتبرت رابطة حقوق الانسان في بيان ان مشروع التعديل "أتى في مناخ يتسم بانحسار الحريات وانتهاك حقوق الانسان". ورأت ان الحكم التونسي "مضى في سياسة التشدد والإقصاء واستمرت المحاكمات السياسية والتضييق على النشطاء والمعارضين والجمعيات المستقلة ... بدل تنقية المناخ السياسي وتشجيع النخب والمواطنين على مناقشة الشأن العام في أجواء مفتوحة من دون خوف أو قيود". وفيما أعلن رئيس اتحاد الصناعيين والتجار السيد هادي الجيلاني والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نقابات العمال السيد عبدالسلام جراد ورئيسة الاتحاد الوطني للمرأة السيدة شاذلية بوخشينة تأييدهم لمشروع التعديل، عارضته خمسة أحزاب معارضة. وتفادى الأمين العام لحركة الاشتراكيين الديموقراطيين النائب اسماعيل بولحية تحديد موقف حزبه من المشروع في حديث طويل أدلى به أمس الى صحيفة محلية. وكانت الحكومة أحالت المشروع على مجلس النواب في 13 الشهر الجاري، وتعكف لجنة خاصة على درسه، تمهيداً للتصديق عليه وعرضه على الاستفتاء الشعبي. ويقضي المشروع بإفساح المجال أمام بن علي 65 عاماً للترشيح لولاية رابعة تستمر خمسة أعوام بعد اسقاط "حاجز البند 39" الذي يحدد سقف الولايات المتاحة لرئيس الجمهورية بثلاث فقط. يذكر أن بن علي تولى سدة الرئاسة في العام 1987، بعد عزل الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة الذي أمضى واحداً وثلاثين عاماً في الحكم وأعلن نفسه رئيساً مدى الحياة العام 1974. وحضت "حركة التجديد" معارضة برلمانية التي يرأسها النائب محمد حرمل على تأمين "متطلبات الديموقراطية والتعددية"، فيما رأى "المجلس الوطني للحريات" غير مرخص له انه "انقلاب على الجمهورية ... يرمي الى غلق الباب أمام التداول السلمي على السلطة". وطلبت أربعة أحزاب معارضة غير ممثلة في مجلس النواب سحب المشروع معتبرة أن "البلد يحتاج قبل أي شيء آخر الى اصلاحات سياسية تخرجه من الأزمة العميقة الناجمة عن انحسار الحريات العامة والفردية واحتكار الحزب الحاكم بكل الفضاءات العمومية". والأحزاب الأربعة التي وقعت على بيان مشترك هي الحزب الديموقراطي التقدمي بزعامة المحامي أحمد نجيب الشابي وحركة الديموقراطيين الاشتراكيين التي يتنازع على زعامتها رئيسها السيد محمد مواعدة وأمينها العام السيد بولحية والتكتل الديموقراطي للحريات والعمل بزعامة الدكتور مصطفى بن جعفر غير مرخص له وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية بزعامة الدكتور منصف المرزوقي غير مرخص له. ورأت رابطة حقوق الانسان ان التعديلات المنوي ادخالها على الدستور والتي تطاول نحو نصف بنوده الحالية "ستعزز احتكار السلطة وتحول دون تحقيق التداول على الحكم بالوسائل الديموقراطية والدستورية وتجعل السلطة الجهة الوحيدة المتحكمة باختيار المتنافسين المفترضين على منصب رئاسة الجمهورية". وانتقدت في شدة التعديل المتعلق بمنح رئيس الجمهورية حصانة قضائية مدى الحياة. وقالت انه "يشكل بدعة قانونية تتنافى مع قيم العدل". ولوحظ أن أعضاء قيادة الحزب الحاكم لم يردوا في الخطابات التي ألقوها في المحافظات على انتقادات المعارضة وتجاهلوها، مؤكدين أن التعديل "يعزز أركان النظام الجمهوري ويدعم حقوق الانسان"، فيما امتنعت الصحف المحلية عن نشر بيانات رابطة حقوق الانسان والمجلس الوطني للحريات وأحزاب المعارضة. وأفاد رئيس تحرير مجلة "الطريق الجديد" التي تصدرها حركة التجديد هشام سكيك أمس ان المطبعة امتنعت عن تسليم العدد الجديد من المجلة لأصحابها بطلب من السلطات. وعبر في اتصال هاتفي مع "الحياة" عن خشيته من أن يكون الاجراء مؤشراً على مصادرة المجلة التي لم يصدر منها حتى الآن سوى ثلاثة أعداد بعد احتجاب استمر سنوات. وأوضح ان العدد تطرق الى الاصلاحات الدستورية ومشروع الاستفتاء، "لكن بأسلوب هادئ ورصين".