لم يحصل من قبل ان استطاعت امرأة وحدها اختراق الجسم القانوني البريطاني دفاعاً عن حقها في الانجاب من رجل ميت، ولعل قصة الارملة دايان بلود تبدو غريبة من نوعها بالنسبة الى القارىء العربي لكنها نموذج لما يمكن ان يفعله فرد واحد اذا ما قرر ان يحقق حلمه في الحياة. أخيراً ربحت الأرملة دايان بلود معركتها القانونية الطويلة للاحتفاظ بجنين من زوجها الميت. أعلنت دايان بنفسها حملها بالطفل الثاني من ذلك الزوج الذي مات منذ سبع سنوات. في الخامسة والثلاثين من عمرها أصبحت هذه المرأة حاملاً للمرة الثانية باستعمال لقاح مخزون استخرج من زوجها قبيل وفاته منذ سبع سنوات. وسيولد الطفل الجديد في شهر تموز يوليو المقبل. ليصبح أو تصبح أخاً أو أختاً لطفلها الأول البالغ الآن ثلاث سنوات من العمر. تقول دايان انه "لا شيء يمكن اعادة زوجها ستيفان الى الحياة. ولكنني لم أخسر كل شيء". كان ذلك سيسعد زوجي مثلما أنا سعيدة الآن وتكتمل سعادتي بأن ابني ليام لن يكون وحيداً بعد اليوم". حَمل هذه السيدة بهذه الطريقة أشعل جدلاً حول أخلاقيات ظاهرة الحمل الاصطناعي في بريطانيا ومدى ما يجوز للأطباء تطويره، قالت السيدة بلود ان زوجها الذي توفي عام 1995 بعد اصابته بالتهاب السحايا كان سيصبح شديد السعادة لهذا الخبر. "لقد بحثت أنا وستيفن عندما كان حياً موضوع انشاء عائلة وأطفال، ولكنه مات مبكراً وأصبح عليّ تحقيق رغبته وما اتفقنا عليه". وتضيف "ناضلت بقوة أمام المحاكم المختصة من أجل استعادة حياتي من جديد بما في ذلك انشاء أسرة وأطفال. وهكذا كان". والسيدة بلود حامل في شهرها الرابع وتتمتع بصحة جيدة، وتقول ان كل شيء سيكون على ما يرام، وان مشاعرها لا تختلف أبداً عن مشاعر أية سيدة حامل مثلها، وتتوقع طفلاً في وقت قريب. ولا تعرف السيدة بلود حتى الآن اذا كان الجنين ذكراً أو أنثى، فإذا كانت أنثى ستسميها بالاسم الذي اتفقت عليه مع زوجها المتوفى قبل وفاته. قليلون فقط من الأقرباء يعلمون بشأن هذا الحمل الجديد، لأن السيدة بلود مهتمة بعدم احداث أي ازعاج أو بلبلة حول الأمر في مراحل الحمل الأولى. أما ابنها فعرف منذ فترة وجيزة ولكن من دون ذكر أية تفاصيل. تقول والدته انه لدى الطفل في هذا العمر قابلية البوح بالسر للعالم بأسره بمنتهى البساطة. وقد سرّ بالنبأ وقال انه يحب الأطفال. ترفض السيدة بلود الاجابة عما اذا كانت ترغب في الحصول على طفل ثالث بالطريقة نفسها. ليام يعرف الآن ان والده توفي قبل ولادته وتعرّف الى والده عبر صوره المنتشرة في المنزل وهو بدوره يحمل الزهور الى قبر والده في المناسبات. السيد مايك ماكماهون 57 عاماً والد السيدة بلود يقول: "انه خبر عظيم ان يصبح للطفل ليام أخ أو أخت، وليام يقول أيضاً انه أمر رائع وهو ينتظر حضور أخ أو أخت له على أحرّ من الجمر. ونحن أيضاً ننتظر قدوم حفيد جديد لنا بفارغ الصبر". ان قدوم الطفل الثاني وبصحة جيدة يعتبر نهاية خيالية لقصة مدهشة بدأت عام 1995 عندما كان ستيفن في الثلاثين من عمره، التقط جرثومة السحايا وسرعان ما سقط في الغيبوبة وأودع العناية الفائقة. كان قد مضى على زواج الحبيبين منذ سن المراهقة أربع سنوات وكانا يحاولان الانجاب طيلة مدة الزواج من دون جدوى. سألت السيدة بلود الأطباء المشرفين على حال زوجها، إذا كان استخلاص اللقاح منه ممكناً قبل ايقاف ماكينة الحفاظ على حياته، واحتمال حملها من هذا اللقاح، ووافق الأطباء على ذلك. ومات زوجها بعد أربعة أيام. لم يكن ممكناً الحصول عل موافقة خطية من الزوج لاستعمال منيّه في عمليات حمل وانجاب، كما يتطلبه القانون، لأن الزوج كان غائباً عن الوعي، ورفضت هيئة الاخصاب البشري وعلم الأجنّة البريطانية التي تشرف على عمليات التلقيح الاصطناعي السماح للسيدة بلود بالحمل والانجاب من مَني زوجها المتوفى. كما صدر قرار محكمة عام 1996 بمنعها من استعمال المني اياه للحمل بإشراف أي معهد أو مستوصف في أوروبا. الا انها لم تستسلم وصعّدت معركتها القانونية أمام المحاكم ورهنت منزلها الزوجي لتمويل هذه المعركة أمام المحاكم العليا. وهكذا حظيت قضيتها بعطف جماهيري ساحق فانهالت عليها الشيكات المالية، مع ذلك خسرت معركتها امام المحكمة العليا في لندن، فاستأنفت الحكم في شهر شباط فبراير 1997. وفي هذه الأثناء دعمت الحكومة البريطانية قضيتها وصرّح وزير الصحة انه يجب ان يتقدم أحدهم بمشروع أمام البرلمان البريطاني للتصويت على الغاء القانون. أخيراً جلس رئيس محكمة الاستئناف اللورد وولف والى جانبه قاضيان وأصدرا حكماً يرفض قرار المحكمة السابق الذي لم يأخذ في الاعتبار ان القوانين في أوروبا تمنح الحق للمواطنين لتلقي أي علاج طبي في أي دولة أوروبية عضو، الا لأسباب سياسية عامة تحول دون ذلك. وأعيدت القضية الى المحكمة السابقة في لندن فعكست قرارها السابق وسمح للسيدة بلود بالسير قدماً للحصول على الحمل بعد سنتين من النضال أمام المحاكم. وهكذا ولد ليام في كانون الأول ديسمبر عام 1998 وكان قد مرّ أكثر من ثلاث سنوات على وفاة والده ستيفن. المشكلة الوحيدة التي حجبت سعادة السيدة بلود هي منعها قانونياً من تسجيل اسم الوالد المتوفى في شهادة ميلاد الطفل ليام. وقالت ان الحكومة البريطانية وعدت بتغيير القانون فور وصول طلب بذلك الى البرلمان للتصويت عليه بالموافقة. وهي تهدد باللجوء الى اجراءات قانونية من جديد لتمكين ابنها ليام والطفل المنتظر ولادته من استعمال اسم والديهما في وثيقة الميلاد كحق شرعي مكتسب. تقول "آن لصبري ان ينفد وهناك أكثر من 40 امرأة في بريطانيا في أوضاع مشابهة". وبالفعل كشفت السيدة دونا سيرنز 27 عاماً، وهي من مقاطعة كوفنتري أخيراً أنها استطاعت تسجيل اسم زوجها المتوفى في بطاقة ميلاد طفلتها المولودة بواسطة حمل من منويات مجمدة لزوجها المتوفى، ساعدها على ذلك عطف الموظف المختص وفهمه لحالتها. كما تقول السيدة جيل بلود 60 عاماً وهي والدة ستيفن المتوفى: "لا أحد يمكنه ان يحل محل ستيفن. كان شاباً رائعاً، ولكن ليام يشبه أباه كثيراً وهو جزء منه. اننا نراقب نموه يومياً الى ان يكبر، ونحن سعيدون جداً بأنه سيحظى بأخ أو أخت قريباً". وصرّح أخيراً ناطق باسم هيئة الاخصاب البشري وعلم الأجنّة في بريطانيا "ان هناك اشاعات كثيرة عاطفية وأخلاقية تدور حول موضوع هذا الحمل، ولكنها ليست صادرة عنا. نحن يعنينا تطبيق القوانين أولاً ولكن المحكمة قررت السماح لها بنقل منيّ زوجها الى خارج بريطانيا واجراء عملية الاخصاب في الخارج". أما السيد بول تولي من جمعية حماية الأطفال الذين لم يولدوا بعد فيقول: "نبقى معنيين بعمق بالنصوص القانونية. لم تصدر عن السيد ستيفن موافقة خطية. هو لم يعطِ اللقاح طوعاً ولكنه أخذ منه أخذاً وهو في حال لا وعي". ويعلّق ناطق باسم دائرة النفوس البريطانية بقوله: "ان دائرة النفوس ستطبق القوانين وحسب. وسنقوم باجراء اللازم عندما يصدر القانون عن البرلمان الانكليزي". العلاج الثوري تقنية انبوب الاختبار التي تكفلت للسيدة بلود بالحمل مرتين من لقاح زوجها تسمى Intra Cytoplasmic Sperm Injectio ICSI، وهي حقنة خلية اللقاح الداخلية. أحدثت هذه التقنية حالاً ثورية هائلة بتخصيب المنويات الذكرية الضعيفة، لأنها تمكّن مضغة واحدة من حقنة تلقيح واحدة للولوج مباشرة الى البيضة الأنثوية وتلقيحها وحصول الحمل. في حال السيدة بلود، مزجت منويات الزوج بمحلول خاص معروف باسم Cyro Protectant لتجميدها. وهذا المحلول يحمي المنيّ من التلف. وضع المزيج بعد ذلك في انابيب اختبار مقفلة وجمّد بسائل النيتروجين الى درجة دون 196 تحت الصفر. يمكن حفظ هذه المنويات في هذه الحال سليمة الى ما لا نهاية. عندما خضعت السيدة بلود لعملية التلقيح الأولى في جامعة بروكسل الحرة في بلجيكا، جرت إذابة عيّنة من لقاح زوجها، كما استؤصلت بعض البويضات المنتقاة من الخلايا الخارجية وجرى تطوير الوضع الأفضل للحقن من أجل انجاز عملية الحمل. الأبر الشديدة الدقة التي استعملت لحقن المنيّ الى داخل البويضة كانت 12 مرة أدق من حجم شعرة الانسان، بينما كان حجم البويضة أصغر سبع مرات من حجم النقطة المطبوعة على ورقة عادية. وتتيح تقنية ICSI لعدد أكبر من المضغات الذكرية بتلقيح عدد من البويضات الأنثوية في عملية حقن واحدة. يختار منها الأطباء بعد يوم أو يومين البويضات الأفضل لزرعها. ويمكن حفظ بقية المضغ والبويضات بالتجميد لإجراء محاولات أخرى للزرع إذا لزم الأمر. ومن المحتمل ان تكون السيدة بلود حملت للمرة الثانية بزرع بويضة مجمدة مما بقي بعد عملية الزرع الأولى التي أنجبت منها طفلها الأول ليام قبل ثلاث سنوات.